أصوات العالم الإسلامي في الانتخابات التركية
لم يحدث أن اهتم العالم بانتخابات محلية لأي دولة في العالم من غير الدول العظمى كأمريكا وروسيا، كما يهتم بنتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية المزمع إجراؤها في مايو/أيار المقبل، بل أن الملايين حول العالم يهتمون بمعرفة دقيق تفاصيلها بشكل أكبر مما يهتمون بأي انتخابات سواها.
وكما ينقسم الناخب التركي بين دعم هذا أو ذاك، كطبيعة أي انتخابات ديمقراطية، نجد أن المميز هنا أن العالم أيضًا ينقسم معها الانقسام ذاته، فهناك من يدعم أردوغان والتحالف الحزبي الذي يقوده، وهؤلاء هم في الغالب من “الشعوب” الإسلامية وشعوب دول العالم النامي من غير المسلمين، وفي المقابل نجد هناك من يسعى إلى إسقاطه حتى دون أن يدعم شخصًا محددًا من معارضته، وهؤلاء من “النظم” الغربية ومن يتبعها من النظم الإسلامية.
ولهذا يود كثير من مسلمي العالم لو أنهم أدلوا بدلوهم في تلك الانتخابات، ووجدوا الوسيلة لدعم التصويت لصالح الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان، وذلك لأنهم يرون الصورة كاملة من خارجها، وجلهم في حالة انبهار بما حققته تركيا طيلة العقدين الماضيين من نهضة غير مسبوقة في الداخل، ومكانة خارجية مرموقة جعلتها في طليعة الدول المدافعة عن الحق الإسلامي، وقبلة لملايين المظلومين والباحثين عن العدالة المفقودة في أوطانهم.
طبعًا لن يستطيع أحد من غير الأتراك أن يصوت في تلك الانتخابات، ولكنه يستطيع أن يبُصّر الناخب التركي الذي قد لا يملك الاطلاع السياسي الخارجي الكافي بالمكانة الكبيرة التي شغلتها تركيا وأردوغان في قلوب مليارات البشر غربًا وشرقًا في هذا العالم، وتأثيرها الثقافي والسياسي والاقتصادي الهائل الذي نقلها إلى مصاف الدول العظمى، وأنه يجب أن لا يهدر كل هذا بسبب مصالح ضيقة أو مشاحنات حزبية.
كما يستطيع أن يشرح له الآثار الاقتصادية والسياسية المباشرة وغير المباشرة العائدة على بلاده من تحقيقها هذا الوضع ما يستلزم المحافظة على استمراره، كي لا تعود تركيا حظيرة خلفية لأوربا وأمريكا مثلما حدث بعد سقوط الدولة العثمانية، وأن الدافع للنصح هو التنفيذ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقول رسوله إن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا.
وسائل مشروعة
ما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت الأمر كثيرًا، ونحن هنا لا نتحدث عن لجان إلكترونية وما شابهها من أعمال وضيعة تنتهجها بعض النظم والجهات، ولكن نتحدث عن إمكانية توجه المشاهير الذين يرون الرؤية ذاتها في أرجاء العالم الإسلامي كافة بنشر رسائل مهذبة ومختصرة تحمل رؤيتهم ونصائحهم باللغة التركية على حساباتهم الشخصية أو على الحسابات التركية الشهيرة يعرفون فيها أنفسهم مع تضمينها “هاشتاجات” الدعم لأردوغان.
وتستطيع الأحزاب والحركات والجمعيات والأندية ووسائل الإعلام والجامعات والمعاهد وغيرها وصولًا إلى كتّاب المقالات وأصحاب الرأي وحتى المواطنين العاديين فعل الأمر نفسه أيضًا، مع ضرورة أن يحرص الشخص العادي هنا على أن يقدم ما يقنع مشاهده أو من يقرأ رسالته من كونه شخصًا حقيقيًا وليس لجنة أو “ذبابة إلكترونية”، ويستطيع كل من لديه صديق تركي أن يرسل له بشكل مباشر.
كما تستطيع وسائل الإعلام والأحزاب والمنظمات والجهات الفاعلة في بقاع العالم الإسلامي سلوك المسلك ذاته عبر تشكيل وفود تزور الشركات والهيئات الشعبية التركية في بلدانهم لإبلاغهم بوجهة نظرهم.
ويمكن كتابة عرائض عبر تطبيقات العرائض الجماعية مثل “أفاز” و”عرائض جوجل” وغيرها، وجمع توقيعات عليها، وتوجيهها لمؤسسات الشعب التركي.
وفي المقابل يتوجب أن ينشط حزب أردوغان في العمل على إبراز ردود الأفعال التي تدعمه خارجيًا عبر وسائل الإعلام كافة المتاحة للحزب، والتدليل بها على المكانة التي حققتها تركيا في ظل قيادته.
قد تبدو مثل هذه الإجراءات يسيرة أو ساذجة، ولكنها من الممكن أن تسهم في تغيير توجهات الناخبين، وتحول دون ارتداد هذا البلد الذي يحبه الناس من العودة مجددًا لزمن التبعية والتقزم الذي عاشه طيلة القرن الماضي في ظل حكم أحد أبرز أحزاب المعارضة المناوئة.
الثورة المضادة
لا شك أن تلك الإجراءات من الممكن أن يسلكها الكارهون لأردوغان أيضًا، ما لم يكونوا قد سلكوها فعلًا، لكن الفارق هنا هو أن القارئ التركي سيستطيع أن يميز بسهولة بين قوة حجية الرؤية أو ضعفها، وبين الشخص الحقيقي و”الذبابة”، وسيسهم في ذلك توافر إمكانات التعرف إلى شخصية المرسل من خلال صفحته الخاصة.
كما أن هناك عاملًا مهمًا للغاية يؤكد أن تنفيذ تلك الاقتراحات ما لم يفد فهو أيضًا لن يضر بأردوغان وتحالفه، وهو أن غالبية الكتلة التي تصوّت للرجل هي في الواقع مدركة واقعيًا لصحة ما تضمنته رسائل الدعم والتأييد، وبالتالي فإنها ستزيده حماسة لإقناع آخرين بها، فيما أن الرسائل المضادة لن تفلح أبدًا في إقناعه بأي رؤية مغايرة.
عمومًا هذه مجرد مقترحات شخصية، تخطئ وتصيب، ينفذها البعض أو لا ينفذها، لكنني بها أكون بها قد أدليت بدلوي في الانتخابات التركية، لأنني أنا كما ملايين الناس من غير الأتراك يخشون على تركيا من أن تسقط مجددًا.
والحال يقول إنه لو كان المتربصون كثرًا، فالمخلصون أكثر.
وسوم: العدد 1028