لبنان: الشقيق الجاحد
ليس جحوداً في هذه الأيام أن تجد الأخ الضال يتنكر لأخيه معيداً قصة قابيل وهابيل لتتكرر في زماننا هذا، عندما قرر قابيل قتل أخيه هابيل من أجل الاستئثار بشقيقته دون أخيه، الذي وقف أمامه قائلاً: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، ولكن قابيل تجرأ وقتل أخاه هابيل، وهذا ما يفعله لبنان الأخ الشقيق بأخيه السوري، متنكراً لأواصر القرابة والدم واللغة وحق الجوار، عندما لاذ عدد من السوريين بأخيهم لبنان، الذي كان جزءاً لا يتجزأ من سورية إلى أن قرر "سايكس وبيكو" شطره إلى قسمين ومن ثم إلى دولتين بينهما حدود وعلم وجواز سفر ونشيد وطني.
وشاء الله أن يحدث في سورية ما حدث، عندما قرر مجرم الحرب بشار الأسد قتل شعبه وتدمير مدنه وبلداته وقراه، وتهجير نصف شعب سورية بين نازح داخل الوطن ومهاجر خارج حدود الوطن، وكان نصيب الشقيق لبنان مليون مهاجر حطوا رحالهم مستجيرين بالأخ اللبناني الشقيق، الذي كم من المرات لجأ إلى شقيقه السوري وفتح له بيته فآواه ونصره وتقاسم معه رغيف الخبز.
الضغوط التي تمارس ضد السوريين
لقد ارتفعت وتيرة المداهمات التي تشنها السلطات اللبنانية ضد اللاجئين السوريين، منذ مطلع نيسان الجاري، وشملت عدة مناطق في مختلف أرجاء لبنان، في حين تصاعدت وتيرة العنصرية وخطاب الكراهية ضد اللاجئين، وارتفعت أصوات المسؤولين المعارضة لوجودهم والمطالبة بترحيلهم.
ووفق تقارير حقوقية، شملت حملات المداهمة مناطق في العاصمة بيروت وبرج حمود وحارة صخر ومنطقة وادي خالد شمالي لبنان والهرمل وقضائي الشوف وكسروان في جبل لبنان.
وأسفرت الحملة عن اعتقال المئات من السوريين بتهم مختلفة، منها الشغب والاعتداء على المواطنين اللبنانيين، وعدم امتلاك أوراق ثبوتية تخولهم البقاء في لبنان، في حين نقل المعتقلون إلى موقع قريب من الحدود اللبنانية مع سورية.
اليوم تتنوع الضغوط التي يمارسها اللبنانيون على إخوتهم اللاجئين السوريين من حظر تجول في أوقات معينة وتوقيفات وترحيل قسري إلى مداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة. بينما تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئاً، وتعتبر أن وجودهم ساهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ العام 2019.
لقد شنّ الجيش اللبناني خلال الأسابيع القليلة الماضية حملات مداهمة واسعة لتوقيف سوريين لا يمتلكون إقامات أو أوراق ثبوتية أسفرت عن توقيف نحو 450 شخصا، تمّ ترحيل أكثر من ستين منهم إلى سورية ليواجهوا الموت الزؤام على يد مجرم الحرب بشار الأسد.
ومنذ استعادة جيش النظام المجرم السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد بدعم من الروس والإيرانيين وحزب اللات اللبناني وميليشيات الروافض الذين جندتهم إيران لذبح السوريين وتغيير ديمغرافية الأرض السورية، تمارس بعض الدول ضغوطاً لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة تراجع حدّة المعارك، لكن ذلك لا يعني، وفق منظمات حقوقية ودولية، أن عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية تشمل اعتقالات تعسفية وتعذيبا حتى الموت.
في لبنان، تنوّعت الضغوط على اللاجئين السوريين من حظر تجول في أوقات معينة وتوقيفات وترحيل قسري إلى مداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة، بينما تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئاً، وتعتبر أن وجودهم ساهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ العام 2019.
"لماذا الكراهية يا حكومة لبنان؟"
لقد ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعين لبحث ملف اللاجئين السوريين، تم التأكيد خلالهما على مواصلة تدابير الجيش والقوى الأمنية "بحق المخالفين خصوصا لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية".
واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية، هكتور حجار، الشهر الحالي أن الموضوع بات "قضية حياة وموت"، محذراً من "تغييرات ديموغرافية خطيرة وسنصبح لاجئين في بلدنا".
وارتفع خلال الأسابيع الماضية مجدداً خطاب الكراهية تجاه السوريين، وطالب لبنانيون كثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإخراجهم من لبنان.
ونسي هؤلاء أن هناك عشرات القرى السورية المحتلة من قبل حزب اللات اللبناني المتاخمة للحدود اللبنانية، كان الأجدر بالحكومة اللبنانية إخراج عناصر حزب اللات من هذه القرى قبل المطالبة بترحيل السوريين من لبنان.
ومع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في سورية، بات كثير من السوريين يعبرون إلى لبنان عبر طرق التهريب، أملاً في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية أصبح لبنان نقطة انطلاق لها نحو أوروبا منذ فترة، فقد آثر السوريون ركوب البحر رُغم مخاطره لخشيتهم من العودة إلى الوطن، فجلهم يؤكدون صارخين: "قد أجد الأمل في البحر، لكن في سورية لم يعد هناك من أمل"، وهم يفضلون الموت في البحر على العودة إلى الوطن المستباح من النظام المجرم.
قرار اللجنة الوزارية التي شكلتها الحكومة اللبنانية بترحيل السوريين المخالفين يتزامن مع الحملة الأمنية التي بدأها الجيش اللبناني منذ الخامس من شهر نيسان على مساكن اللاجئين على امتداد الأراضي اللبنانية، حيث داهمت عناصره منازلهم واعتقلت المئات منهم، وذلك تطبيقاً لقرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2019 حول ترحيل السوريين الذين يدخلون منهم لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية.
الحملات الأمنية والعنصرية ضد السوريين
لقد سبق الحملة الأمنية، حملة عنصرية شنت ضد اللاجئين السوريين من قبل مسؤولين لبنانيين وناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منها "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري" التي أطلقها الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان، حيث اعتبر رئيسه مروان الخولي أن "الاحتلال الديموغرافي والغزو السوري للبنان يمثلان تهديدا حقيقيا للهوية اللبنانية وللأمن والسيادة الوطنية، ومن حقنا كشعب حماية حقوقنا في الدفاع عن هويتنا وحقوقنا المشروعة في اي إطار سلمي ديموقراطي".
الغيارى يتصدون للعنصريين اللبنانيين
في المقابل عبّر عدد من اللبنانيين لاسيما من أبناء طرابلس شمال لبنان عن رفضهم لما يتعرض له اللاجئون السوريون، سواء عبر "السوشيال الميديا" أو من الوقفات التضامنية، كما اعتبرت هيئة علماء المسلمين في لبنان أن "ترحيل أو تسليم النازح المعارض للنظام، من كبائر الذنوب وجريمة أخلاقية وقانونية، ترقى إلى درجة القتل العمد والجرائم ضد الإنسانية"، ودعت في بيان إلى وقف "الخطاب العنصري وخطاب الكراهية والخطاب الفتنوي".
"جنون رسمي"
ومنذ إعلان وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار مقررات اللجنة الوزارية، وأحرار لبنان لا يغمض لهم جفن، مشددين على أنهم –أي الحكومة-يريدون تسليم أرواح السوريين للنظام، وهم يعلمون ماذا ينتظرهم هناك، وكأنه لا يكفي الظلم الذي يعيشونه في لبنان، فلا محاكمات عادلة ولا أدنى اهتمام بحقوق من هم خلف القضبان.
موقف سجناء المعارضة السورية في لبنان
رد المعتقلون السياسيون والمعارضون لنظام الأسد المحتجزون في سجون لبنان على قرار اللجنة الوزارية، بإصدار بيان شددوا خلاله على أنهم هربوا "من بطش نظام الأسد ومن أسلحته الكيماوية ومن أقبية التعذيب وحفر الموت ودخلوا كلاجئين إلى لبنان فاتهموا بتهم مختلفة وباطله تحت مسميات عديدة وحجج ضعيفة.
وأضافوا "نحن حوالي الـ 400 معتقل، نرفض انتزاع حقوقنا منا تحت أية ذريعة. ولأن الاحتجاز لأي سبب كان لا ينفي عن الفرد صفته الإنسانية، فقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، احترام حق كل معتقل وأولها حقه في الحياة" مشددين على أن تسليمهم لنظام الأسد بمثابة الحكم عليهم بالموت.
لقد كانت الحملة الهيستيرية التي تشنتها الحكومة اللبنانية على السوريين تشير إلى أن أمرا مشبوهاً يجري التحضير له، فإثارة النعرات الطائفية والمذهبية ستؤدي حتماً إلى أمرين، أولهما الانفجار في الشارع، لاسيما بعدما بدأنا نلمس ترجمة خطابات العنصرية والكراهية ميدانياً، حيث ارتفعت حوادث التعرض جسديا للاجئين، والثاني اتخاذ بعض اللاجئين خيار الهروب من الجحيم الذي يلاحقهم عبر "مراكب الموت"، وبالتالي ادعاء السلطة اللبنانية مكافحتها الهجرة غير الشرعية لطلب المزيد من الأموال من الأمم المتحدة".
ولقد وصل "الجنون الرسمي اللبناني" إلى طرح الحكومة اللبنانية تسليم السجناء السوريين، رغم إقرارها أن تهمة 90 في المئة منهم معارضة النظام السوري، ما يعني أنها تناقض وتدين نفسها، إذ كيف ترحّل معارض مهدد في بلده، هذا عدا عن مخالفتها الجسيمة للاتفاقيات الدولية المصادق عليها لبنان، لاسيما اتفاقية مناهضة التعذيب" وإذا ما ارتكبت الحكومة هذه المخالفة فستتصدى لها منظمات حقوق الإنسان كونها تساهم في تعريض حياة السجناء السياسيين للخطر.
وبذلك تكون السلطة اللبنانية ملزمة وفقا للقانون العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية مناهضة جريمة الإخفاء القسري بعدم ترحيل أي شخص موجود على الأراضي اللبنانية يعلن عن أنه معرّض في دولته للتعذيب أو الإخفاء القسري أو الاضطهاد".
وفي ذات السياق، قال رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، أن تسليم السجناء السوريين إلى النظام الذي هربوا منه، يناهض حقوق الإنسان، ويخالف القانون الدولي الإنساني الذي يمنع تعريض حياة أحد للخطر والتعذيب، مشيراً إلى أن الهيئة "أرسلت موقفها إلى الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة.
من جانبها دعت منظمة العفو الدولية، السلطات اللبنانية إلى الكف فوراً عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً، "وسط مخاوف من أن هؤلاء الأفراد مُعرضون لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي الحكومة السورية لدى عودتهم"، مذكرة بالتقرير الذي أصدرته في أيلول/سبتمبر 2021، حيث وثقت "قائمة بالانتهاكات المروّعة التي ارتكبها ضباط المخابرات السورية بحق 66 لاجئاً سورياً عائداً، من بينهم 13 طفلاً. وكان معظم هؤلاء الأطفال مُعادون من لبنان، بمن فيهم اثنان سبق أن تمَّ ترحيلهم".
وأخضع ضباط المخابرات السورية النساء والأطفال والرجال العائدين إلى سورية بحسب المنظمة "للاحتجاز غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي، والاختفاء القسري. وكانت هذه الانتهاكات نتيجة مباشرة لانتمائهم المتصور إلى المعارضة السياسية السورية، وذلك ببساطة بسبب وضعهم كلاجئين".
ختاماً فإن حلّ قضية اللاجئين السوريين في لبنان يحتاج إلى مسؤولين عقلاء لديهم الحكمة والوعي يعملون على وضع خطة إنسانية مدروسة، لا أشخاص أبعد ما يكونون عن التعامل بمنطق مع القضايا الكبرى كقضية اللاجئين السورين المهجرين.
المصدر
*فرانس برس-28/4/2023
*بي بي سي-28/4/2023
*تلفزيون سوريا-25/4/2023
وسوم: العدد 1030