المقاومة المسلحة تتواصل في الضفة بعد العدوان على جنين

تحديا لكل الحسابات والتوقعات المعادية والصديقة ؛ تواصلت المقاومة المسلحة في الضفة ضد المستوطنين . أطلقت كتيبة العياش التابعة للقسام قذيفتين  على مستوطنة شاكيد المجاورة لجنين ، وطُعِن مستوطن في قرية دير قديش  غربي رام الله . العمليتان فاجأتا العدو والصديق . إسرائيل رغم شكها في جدوى عدوانها الأخير على جنين لم تتخيل أنه من جنين ذاتها ستطلق هاتان القذيفتان ، ومالت إلى الظن والأمل أن المقاومة ستنشغل مع الناس بآثار العدوان النفسية والاجتماعية والعمرانية ، والأصدقاء والحلفاء قدروا أن تكتفي  مؤقتا بالصمود الذي صنعته في جنين ، وبإرغامها القوة الإسرائيلية الكبيرة على الانسحاب دون أن تنجز ما أعلنته وما أخفته من أهداف عدوانها . وكان هناك شاغل آخر للمقاومة هو اشتداد الخلاف السياسي والوطني الفلسطيني الذي انفجر بعد خذلان السلطة لها ، للمقاومة ، في العدوان بانسحاب عناصرها قبل بدئه بقليل ، وترافق الخلاف مع إعلان إسرائيل حرصها على منع انهيار السلطة لكونها فاعلا مهما في الأمن الإسرائيلي ، وفجر تساحي هنجبي رئيس مجلس  الأمن القومي  الغضب والمرارة في نفوس الفلسطينيين حين كشف أن السلطة ألحت على إسرائيل لمواصلة عمليتها في مخيم جنين حتى تقضي نهائيا على المقاومة أو في الأقل تضعفها . والتحق بالشواغل عن المقاومة المسلحة دعوة السلطة إلى اجتماع الأمناء العامين للفصائل في القاهرة الذي عدته حماس والجهاد وسيلة لصرف الاهتمام عن سوء موقفها إبان العدوان ، وأنه لا فائدة منه بعد فشل اجتماعهم في بيروت بتقنية الفيديو في 2020 في تنفيذ أي بند مما اتفقوا عليه . ويبدو أن الحركتين استجابتا تاليا لضغط القاهرة عليهما ، وقررتا الحضور .  وقبل العدوان الأخير ، تزايدت مشاركة حماس في عمليات المقاومة في الضفة بعد أن كانت محصورة تقريبا في حركة الجهاد ، فنفذت عملية مستوطنة عيلي التي قتل فيها أربعة مستوطنين . وتأتي عملية إطلاق القذيفتين أمس ، الاثنين ، التي اعترف بها القسام شاهدا على ذلك التزايد وأملا بتواصله . والحدث في ذاته قيمة عسكرية كبيرة بصرف النظر عن نتيجته من حيث الإصابات في المستوطنة التي استهدفها . وقيمته العسكرية في نوعية أداته ، أي القذائف ، متجاوزا أداة الرصاص والعبوات الموضعية التي تنتظر وصول العدو أفرادا أو عربات عسكرية . القذائف تذهب إليه . وهذا شيء جديد في الضفة ، ويذكر إسرائيل بتجاربها القاسية معه في غزة التي أرغمتها في النهاية على الانسحاب منها . واستعماله في الضفة سيكون مخيف العواقب عليها لفارق التأثير الاستراتيجي له  قياسا بغزة . فإن كان أرغمها على الانسحاب منها فإنه في الضفة  سيدفع بعض المستوطنين إلى ترك مستوطناتهم والعودة إلى الداخل المحتل ، ويقلل عدد الراغبين في المجيء إليها منه ،  وربما يدفع آخرين إلى الهجرة النهائية ، وهو في المحصلة الكلية يمهد لزوال إسرائيل  في حال اتساعه وكثافته وتحسن نوعيته وامتداده إليها  . وسيواجه استعمال هذا السلاح عقبات كثيرة لم يواجهها في غزة لاختلاف المكانين من حيث الظروف المعينة على تصنيعه أو تهريبه من الخارج . الوضع في غزة كان أفضل ، وإن كنا نتفاجأ بقدرة المقاومة في الضفة على التغلب على سوء وضعها في توفير السلاح  ، ونأمل أن تتواصل مفاجآتها . وقد ترد إسرائيل على حماس في غزة إذا تواصلت عملياتها المسلحة في الضفة إلا أن  ردودها في حال حدوثها لن تكون رادعة مانعة لتلك العمليات ، وهي يئست من فائدة عملياتها في غزة أمنيا ، وكل جولة قتال  معها تخلق مشكلات وأزمات في مستوطنات الغلاف   تنفذ  سريعا إلى داخلها . إنها ، إسرائيل ، في وضع عسكري  صادم ومفزع في فلسطين ولبنان وأمام إيران ، ولا تكاد تصدق أنها انحدرت إليه ، وتطلق عليه أوصافا كثيرة ، جملتُها  أن ردعها لأعدائها تآكل وتقلص   . وحدث انحدارها تدريجيا ، وتواصله الحتمي سيرديها في هاوية اختفائها باعتبار ذلك الردع كان  وسيلتها الفعالة التي حفظت وجودها مدى 75 عاما . وحين تُكسَر  هذه الوسيلة نهائيا يكون قبرها قد تهيأ لاحتوائها  الأبدي روحا شريرة لا أسف عليها .   

وسوم: العدد 1040