شمال غربي سوريا: النداء الأخير لإنقاذ أكثر من 600 مريض بالسرطان
دمشق – «القدس العربي»: أطلق ناشطون وعاملون في المجال الطبي ومرضى السرطان، اعتصاماً مفتوحاً قرب معبر باب الهوى شمال غربي سوريا، ضمن حملة “أنقذوا مرضى السرطان” على مواقع التواصل الاجتماعي، طالبوا فيها المجتمع الدولي والتركي بإدخال مرضى السرطان إلى المشافي التركية، وتأمين العلاج المطلوب لمرضى الداخل، بينما سجلت السلطات الطبية في إدلب ومحيطها خلال الساعات الماضية، 3 وفيات، بينها طفل، في ظل تفاقم حالات المرضى.
وينتظر المئات من مرضى السرطان مصيراً مجهولاً، نتيجة عدم توفر العلاج المخصص لهم في المناطق المحررة شمال غربي سوريا إضافة لمنع دخولهم إلى أراضي الدول المجاورة لتلقي العلاج فيها. ويبلغ عدد المصابين في شمالي سوريا نحو 3100 حالة، 65 في المئة منهم أطفال ونساء، حسب مديرية صحة إدلب التي تشير إلى أن معدل الزيادة اليومي يصل إلى 3 حالات تقريباً. ويشارك في الاعتصام المفتوح ناشطون وإعلاميون وعمال إغاثة وفعاليات مدنية بالإضافة لعدد من المرضى، للمطالبة بإدخال أكثر من 600 مريض إلى تركيا، إذ تهدف الحملة، التي جاءت تحت وسم “أنقذوا مرضى السرطان”، للمطالبة بتحرك عاجل من المجتمع الدولي والمنظمات المعنية “لاتخاذ خطوات جدية”.
وحسب إحصائية أصدرتها مديرية صحة إدلب في الثامن عشر من شهر يوليو/ تموز الجاري، فإن عدد المصابين بالسرطان شمال غربي سوريا وصل لـ 3000 مصاب، 65% منهم نساء وأطفال، نصفهم يتلقون جرعات كيميائية، ويحتاجون لعلاج شعاعي في المشافي التركية، وأكدت أن 867 منهم بحاجة لتلقي العلاج الفوري، وذكرت الإحصائية أن 608 إصابات جديدة بالسرطان سجلت خلال الأشهر التي تلت الزلزال، منهم 373 طفلاً وبمعدل 3 إصابات يومياً.
نقص في الخدمات
اختصاصي الأورام في إدلب الطبيب جميل دبل، سلط الضوء في تصريح لـ “القدس العربي” عن النقص الموجود في الخدمات الخاصة بمرضى السرطان في إدلب ومحطيها مطالباً بعدم تصور المنطقة بأنها بؤرة قاحلة لا يوجد فيها أي علاج أو دواء، حيث قال: يوجد في شمال غربي سوريا عدة مراكز لتشخيص وعلاج مرضى السرطان أهمها هو مركز الأورام في مشفى إدلب المركزي، الذي تم انشاؤه عام 2018 وهو يقدم العلاج المجاني لعدد كبير جداً من المصابين بالأورام، فإن نسبة الشفاء عالية مقارنة بالنسب العالمية وليس كما يصور البعض وكأننا نعيش في العصر الحجري ولا يوجد لدينا أي علاج أو دواء، بل يوجد كادر طبي قادر على تشخيص وعلاج عدد كبير من هذه الأورام وهذا ما يحدث بشكل يومي مع الحاجة لبعض الخدمات غير المتوفرة.
وأكد الطبيب على ضرورة البحث عن حلول مستدامة، “كي لا يبقى مرضى السرطان تحت خوف إغلاق المعابر مع الجانب التركي أو فتحها ولكي يحصل هؤلاء المرضى على حقهم الشرعي في الوصول إلى العلاج الكامل كما هو الحال لجميع مرضى السرطان حول العالم”. وقال: الفكرة هي ليست بإنشاء مراكز علاج جديدة وليست بنسف كل الجهود التي تم بناؤها منذ عام 2018 حتى اليوم، بل الفكرة هي محاولة توسيع ودعم وترميم النقص وإكمال ماهو متوفر حاليا للحصول على مركز أورام متكامل نستطيع من خلاله تقديم كل الخدمات الطبية لمرضى السرطان كما هو الحال في كل بلاد العالم، وهذا حق مشروع. وطالب الطبيب المختص من يملك السلطة والمال كالأمم المتحدة وغيرها لمد “منطقتنا بما نحتاجه من علاج شعاعي ومناعي لنستطيع علاج مثل هذه الحالات في المستقبل مع ما نقوم به حاليا لتكون حلولاً مستدامة لا آنية وهذا ما نطمح إليه ونركز عليه”. وأضاف: نحتاج لتقديم العلاج الشعاعي لعدد من المرضى مثل مرضى سرطانات الدماغ وبعض سرطانات الرئة والليمفوما والمستقيم والثدي وغيرها. كما نحتاج لبعض الأجهزة التي تساعد في التشخيص ومتابعة علاج بعض الحالات مثل جهاز flowcytometry وPET CT إضافة لزرع نقي العظم والعلاج المناعي.
وهذه الحالات التي تمثل حوالي 20% من الحالات التي يتم تشخيصها هي التي تحتاج للدخول إلى تركيا وقد كانت تدخل قبل الزلزال للعلاج، بعضها يكلل بالشفاء وبعضها الآخر يموت للأسف لأنها حالات صعبة العلاج، حيث أكد الطبيب وجود حوالي 610 حالات تحتاج للدخول لتركيا من بعد الزلزال وحتى اليوم، مؤكداً أن “العدد الأكبر يتم علاجه في شمال غربي سوريا”.
خدمات متوافرة
وحول الحلول، قال الطبيب جميل دبل المختص بالأورام أن ثمة خطوات عملية لمساعدة مرضى السرطان في شمال غربي سوريا، وإن أهم الخدمات التي يتم تقديمها في مراكز الأورام في شمال غربي سوريا، يمكن تلخيصها بما يلي:
- الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم مجاناً.
- تقديم الاستشارات الطبية لمرضى الدم والأورام مجاناً.
- تشخيص حالات السرطان وأورام الدم.
- تقديم العلاج الكيميائي لأكثر من 7 أنواع من السرطان مجاناً.
- تقديم العلاج الكيميائي والمناعي بشكل مجاني في حال شراء المريض للأدوية غير المتوفرة.
- إجراء العمليات الجراحية مجاناً.
- بعض التحاليل المخبرية والصور الشعاعية بشكل مجاني.
- متابعة المرضى بعد انتهاء العلاج بشكل دوري.
- تقديم بعض الأدوية الهدفية Target therapy لمريضات سرطان الثدي أحياناً عند توفرها مجاناً.
معاناة من إغلاق المعابر
المعاناة التي تزداد أحيانا بسبب انقطاع العلاج، وأحياناً بسبب الاغلاق المؤقت للمعابر كما هو الحال اليوم، يجب أن تنتهي وفق وصف الطبيب كما يجب “أن يحصل المرضى على أبسط حقوق الإنسان وهي الخدمة الطبية السليمة والكاملة”. وأوصى الطبيب ببعض الحلول العاجلة والمستدامة، تتخلص في إدخال المرضى الذين يحتاجون للخدمات غير المتوفرة حالياً (وهم حوالي 610 حالات تقريباً حتى اليوم وتزداد النسبة بشكل يومي بسبب انتهاء بعض المرضى من العلاج الكيميائي لدينا وحاجتهم بشكل أساسي لإكمال العلاج الشعاعي غير المتوفر) بصورة عاجلة وإسعافية لتلقي العلاج في تركيا كما كان الأمر في السابق وبالسرعة الممكنة كي لا نفقد مزيداً من الأرواح، خصوصا مرضى اللوكيميا الحادة وأورام الدماغ.
أما عن الحلول المستدامة، فقال الطبيب جميل دبل إنه يمكن ذلك من خلال توفير ما يلي:
أولاً: محاولة توفير جهاز المسرع الخطي الذي يقدم العلاج الشعاعي وهذا الأمر يحتاج إلى دعم مادي وسياسي ولا يمكن لأحدهما أن يكفي دون الآخر لأن هذا الجهاز يحتاج موافقة دولية سياسية للدخول إلى شمال غربي سوريا وقد نقترح أن يكون ضمن المعابر التي تربطنا بتركيا بآلية توافقية يتم الاتفاق عليها بين الجانبين السوري والتركي لنضمن سهولة وصول المرضى لتلقي العلاج الشعاعي في أي وقت دون أن يكون لفتح وإغلاق المعابر أي تأثير على ذلك، بالإضافة لوجود طبيب للعلاج الشعاعي يشرف على العلاج الشعاعي (وهذا الأمر قد يمكن حله ان شاء الله لاحقاً إن توفر الجهاز) .
ثانياً: محاولة توفير جهاز PET-CT وجهاز ومضان عظام لتشخيص ومتابعة حالات السرطانات وهو موضوع مكلف مادياً أيضاً لكنه ليس مستحيلاً.
ثالثاً: جهاز Flowcytometry لتشخيص الليوكيميات الحادة وتحديد النوع بدقة للبدء بالعلاج وقد بدأت بعض المنظمات مشكورة بالعمل على تأمينه وتدريب بعض أطباء المخبر لاحقاً للعمل عليه.
رابعاً: محاولة توسيع المركز الموجود حاليا ودمج باقي المراكز ضمن بناء موحد مركزي يضم أيضا مركز مختص بعلاج الليوكيميات الحادة و يتوفر فيه بنك دم متكامل يستطيع تأمين كل مشتقات الدم وبكل الزمر الدموية بشكل مستمر دون الحاجة لرحلة البحث الطويلة التي يضطر مرضانا للقيام بها أحياناً للحصول على صفيحات دم أو غيرها من مشتقات الدم، بالإضافة لتوفر بعض الأدوية الكيميائية الخاصة بها بشكل مستمر (وهي متوفرة لدينا حالياً أغلب الأوقات في مركز الأورام).
خامساً: الأدوية المناعية وهي مشكلة كبيرة بسبب غلاء سعرها بشكل كبير حيث قد تصل في بعض الأحيان لأكثر من ثلاثة آلاف دولار لكل جرعة وهو أمر يحتاج لتدخل دولي حيث أن هذه الأنواع من الأدوية قد لا يستطيع المرضى حتى الحصول عليها عند الدخول لتركيا بسبب ثمنها الباهظ مثل Pembrolizumab, Aezolizumab , Nivolumab وغيرها.
سادساً: زراعة نقي العظم وهو أمر يحتاج لعمل كبير جداً ووقت طويل وأطباء مختصين بزراعته وقد يكون حله من خلال زيارة بعض الأطباء لإجراء مثل هذه الزراعات ضمن مركز مختص بذلك مستقبلاً كما يحدث حالياً في مشافي شمال غرب سوريا من زراعة الحلزون (وهي خطوة ممتازة ونتائجها مبهرة).
سابعاً: تأمين بعض الأدوية الكيميائية لبعض الحالات غير المتوفرة وهذه من الأمور التي يتم العمل عليها حالياً في مركز الأورام والتي سوف تتحقق قريباً.وأشار الطبيب المختص، إلى البدء بعلاج نوعين من السرطانات في عام 2018 وهي سرطان الثدي والكولون لنصل اليوم لعلاج حوالي 8 أنواع بشكل مجاني ويتم التخطيط لضم أنواع أخرى (علماً أنه يقدم العلاج الكيميائي مجاناً لأنواع دواؤها غير متوفر مجاناً في حال شراء المريض لها). وعلى المدى البعيد يمكن التفكير في مختبر مركزي خاص بمرضى الدم والأورام يضم أجهزة PCR وتحاليل جينية وصبغية وغيرها.
الحاجة لتضافر الجهود
وأكد الطبيب جميل دبل، على أن ما سبق من توضيح للاحتياجات المستدامة يحتاج تضافر الجهود المادية والسياسية للانتهاء من هذه الأزمة بشكل نهائي، للحصول على أبسط حقوق البشر وهو حق الوصول للعلاج، وألا تكون هذه الحملة وهذه الجهود جهوداً عاطفية بعيدة عن العقل والمنطق وتنتهي بعد فترة وجيزة كما حدث مع مصابي الزلزال، ولكي لا تتكرر المأساة والمعاناة. وقال: إن بعض السرطانات تكون فيها نسبة الوفاة عالية حتى في أفضل مراكز علاج الأورام في العالم مثل Mayo Clinic او MD Anderson في أمريكا ولا يمكن عمل الكثير لها ومع ذلك يتم تقديم كل ما هو ضروري ومتاح ضمن الامكانيات المتوفرة في شمال غرب سوريا.
كما أنه لا توجد زيادة كبيرة جداً في أعداد السرطان في شمال غرب سوريا كما يصور البعض، حيث أن أعداد مرضى السرطان في شمال غرب سوريا بشكل تقريبي حوالي 3000 حالة، وهي نسبة ليست عالية جداً حيث أنه في الولايات المتحدة في عام 2020، تم الإبلاغ عن 1،603،844 حالة سرطان جديدة وتوفي 602،347 شخصًا بسبب السرطان. كما انه لكل 100 ألف شخص، تم الإبلاغ عن 403 حالات سرطان جديدة وتوفي 144 شخصًا بسبب السرطان، فإذا قدرنا هذه النسب في أفضل دول العالم للعلاج (أمريكا) فإن النسبة لدينا ليست كما يصورها البعض وبالتالي لا يوجد داع لهذا التهويل وتخويف وإرعاب الناس من الطعام والشراب وتصوير مناطقنا على أنها الجحيم.. (طبعاً لا ننكر تأثير الحرب على زيادة أعداد السرطان بشكل او بآخر علما أن إثبات ذلك يحتاج لدراسات فعلية وعملية وهي لم تحدث حتى اليوم). وأشار الطبيب إلى ضرورة التركيز على نشر حملات للتوعية من خطر بعض العوامل المسببة للسرطان والمثبتة عالمياً كما أنه من الضروري التركيز الاعلامي أيضاً على الكشف المبكر عن بعض السرطانات مثل سرطان الثدي وعنق الرحم في مراكز الكشف المبكر المنتشرة في عدة مراكز.
وسوم: العدد 1042