طوفان النفاق العالمي في الوقوف مع القاتل ضد الضحية
هذه سابقة في التاريخ الحديث، أن يصرح وزير الدفاع الصهيوني بأنه سيقطع الماء والكهرباء والغذاء، ويحكم الحصار على غزة قائلا: «كل شي سيكون مغلقا. هؤلاء وحوش بشرية وسنتصرف بناء على ذلك»، وتمر هذه العبارة من دون احتجاج، ومن دون استنكار. يعني أن الغرب المنافق، بجميع تفاصيله، مشترك في حرب الإبادة التي يشنها الكيان على 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة المحاصر منذ 16 عاما، والواقع تحت الاحتلال منذ 56 عاما. إسرائيل جزء من العالم الأبيض وكل تلك الدول المنافقة في ساعة الشدة يصطفون معها، ظالمة أو ظالمة.
عملية «طوفان الأقصى» أثبتت الحقيقة الساطعة للعالم، أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم ويفضل الاستشهاد واقفا على حياة الذل والعبودية. والحقيقة الساطعة الثانية أن إمكانية هزيمة هذا الكيان الهش المصطنع واردة، فإذا استطاع نحو ألف من ذوي البأس الشديد اقتحام السياج الإلكتروني والسيطرة على منطقة تعادل ثلاثة أضعاف قطاع غزة خلال ست ساعات، وأسر الجنود وحرق الدبابات، وأخذ أسرى حرب، فما بالك لو أن الجبهات العربية كلها ملتهبة. وماذا لو فُـتحت الجبهة الشمالية فعلا؟
الذي توصل إليه الغرب جميعا أن إمكانية هزيمة إسرائيل وانهيارها ممكن وواقعي، لذلك انتفض هذا الغرب المنافق بقيادة دولة الشر والعدوان، الولايات المتحدة
الذي توصل إليه الغرب جميعا أن إمكانية هزيمة إسرائيل وانهيارها ممكن وواقعي، لذلك انتفض هذا الغرب المنافق بقيادة دولة الشر والعدوان، الولايات المتحدة، التي كانت تعتقد أن ترتيب الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل أصبح قاب قوسين أو أدنى، بعد انخراط المملكة العربية السعودية في مفاوضات التطبيع. إسرائيل تعتقد أنها هزمت الفلسطينيين بعد تشكيل حكومة القتلة والمجرمين الذين أطلقت أياديهم لضم ما تبقى من الأرض وتهويد القدس تماما، وتقسيم الأقصى مقدمة لهدمه وإطلاق أيادي المستوطنين لترويع الفلسطينيين في بيوتهم وقراهم وشوارعهم ومتاجرهم ومدارسهم ومساجدهم، والإيغال في القتل بسبب ومن دون سبب. والخريطة التي عرضها نتنياهو أمام الجمعية العامة في خطابه يوم 22 سبتمبر كانت تمثل عنجهية المنتصر وغروره.
انتبهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى أن إسرائيل قد تنهار، خاصة إذا استغلت المقاومة اللبنانية الفرصة وأطبقوا فكي الكماشة عليها، فسيهرب الناس من الكيان الهش، ولن يبقى أحد في قاعدة الغرب المتقدمة، التي استثمرت فيها مليارات الدولارات منذ وعد بلفور. الاتحاد الأوروبي حاولت قطع المساعدات عن الفلسطينيين جميعهم، عقابا جماعيا لأنهم فرحوا بما قامت به كتائب القسام وسرايا القدس. كلهم اصطفوا وراء الكيان وأعلنوا تأييدهم لأي إجراءات تأخذها القيادة الإسرائيلية لما سموه «الدفاع عن النفس» حتى لو كانت تلك الإجراءات تشمل القتل الجماعي، وتدمير الأبراج ومدارس الأونروا، وإبادة العائلات ومنع الماء والغذاء والدواء. أي حضارة تنتج مثل هذه المواقف السادية؟ يتسابقون في حماية حقوق الحيوان والمثليين والحيتان، ولا تهتز لهم شعرة وأطفال فلسطين ينتشلون من تحت الركام. الأمور عادية تماما إذا كان القتلى من الفلسطينيين وإذا كان التخريب في قرى فلسطين وإذا كان اجتياح المستوطنين للمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وقبر يوسف وكنيسة القيامة. أما إذا انعكست الآية وقام الفلسطينيون باختراق السياج والسيطرة على المعسكرات وأخذ الأسرى، فالأمر مختلف. «هؤلاء مثلنا» كما قالوا عن لاجئي أوكرانيا. الولايات المتحدة دخلت المعركة بشحن الأسلحة والمعدات والخبراء والذخائر فورا إلى إسرائيل، كما فعلت في حرب أكتوبر 1973، بل أكثر من ذلك. أحست أن إسرائيل تغرق فأرسلت حاملة الطائرات العملاقة «جيرالد فورد» لترسو شرق المتوسط لإنقاذ الكيان. هذه ليست حاملة طائرات فحسب، إنها جيش بكامله عدة وعددا وإمكانيات وتعمل على الطاقة النووية، وقد بلغت تكاليف تجهيزها 13.3 مليار دولار. إنها أكبر وأحدث حاملة طائرات وصلت قمة تجهيزاتها عام 2021. تحمل على متنها آلاف الجنود وأسرابا من الطائرات المتقدمة ومنظومة صواريخ كاملة بالإضافة إلى محطة نووية جديدة، ومعدات متقدمة ومبتكرة، ونظام إطلاق الطائرات الكهرومغناطيسي. وهذه هي المرة الأولى التي يتم تشغيل حاملة الطائرات هذه. إسرائيل هذه قاعدة متقدمة للولايات المتحدة، كما قال مناحيم بيغن مرة، أمريكا هي التي بحاجتنا، وليس العكس. لو لم نكن هنا ما كانت قواعد وجنود وطائرات أمريكا هنا.
الغرب المنافق لا يرى الشرق الأوسط إلا بعيون إسرائيلية، يريد للفلسطينيين أن يتجرعوا الهزيمة والذل والهوان، وأن تتحول مهمة أجهزة الأمن الفلسطيني فقط لحماية إسرائيل، وأن يكتفي الفلسطينيون بإصدار بيانات الشجب والاستغاثة وتحميل المجتمع الدولي «المسؤولية المباشرة والكاملة»، كما تكرر بيانات الخارجية الفلسطينية دائما، ومناشدات للحماية من المجتمع الدولي، كما يكرر الرئيس. ولو أن الشجب يأتي بنتيجة لتوقفت جرائم الكيان، ولو الاستغاثة بالمجتمع الدولي يأتي بالحماية لما قتل طفل أو شيخ أو امرأة. هكذا يريد الغرب المنافق الشعب الفلسطيني – مهيض الجناح، يشجب ويدين، يتلهى بالمهرجانات وفرق الدبكة والدخول في مسابقة أكبر صينية كنافة، وأطول علم فلسطيني، وفي الوقت نفسه تتوسع المستوطنات وتهدم البيوت وتطرد المجموعات البدوية من أماكن سكنها، وتهدم المدارس ويعربد المستوطنون، ويحرقون الشجر والحجر والبشر، والرد يكون بالشجب والاستنكار. في هذه الحالة يقدم الأوروبيون ووكالة التنمية الأمريكية فتات المساعدات، لفتح طرق وبناء مقرات للوزارات وتفريخ مزيد من منظمات المجتمع المدني. معادلة بسيطة: خذوا مساعدات مقابل السكوت. مسؤولو الأمم المتحدة اصطفوا مع المنافقين وذرفوا الدموع على الضحايا الإسرائيليين، ولم يبق أمام الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، وممثله في فلسطين تور وينيسلاند، إلا التطوع مع 300000 من جنود الاحتياط الذين دعوا للخدمة في الكيان. «هذه الأعمال من الإرهاب والقتل والتشويه واختطاف المدنيين غير مبررة»، في رأيه، كما قال. أما قتل الفلسطينيين وتدمير قطاع غزة وقتل أكثر من 700 فلسطيني منهم 140 طفلا
و120 امرأة لغاية كتابة هذا المقال، إضافة إلى تدمير البنى التحتية وتشديد الحصار وقطع الماء والكهربا فكيف يتعامل معها الأمين العام؟ «وأعرب الأمين العام عن القلق البالغ بشأن التقارير التي أفادت بمقتل أكثر من 500 فلسطيني بمن فيهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 3000 شخص بجراح». وشتان بين الإدانة وتصنيف ما قامت به المقاومة إرهابا، وإبداء القلق.
لا نستغرب لمواقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، دول الاستعمار القديم، إن وقفت خلف طفلها المدلل، الذي ولد على أيادي القابلة البريطانية. ولا نستغرب موقف العنصري نارندرا مودي رئيس وزراء الهند الذي يمارس حرب إبادة شبيهة لستة ملايين كشميري في سجن بشري كبير، يعانون من كثير من الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون، ولكننا نستغرب موقف لولا، الرئيس البرازيلي الذي عادة يتضامن مع الفلسطينيين، فقد أخذ موقفا غريبا على نهجه، ما اضطر كثير من حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني الضغط على رئاسة الجمهورية لتعديل الموقف وهو ما حدث في بيان صادر عن مستشاره الخاص للشؤون الدولية سيلسو أمورين، لتعديل الموقف واعتبار ما حدث جاء ردا على ما قامت به إسرائيل من ممارسات فظيعة ضد الفلسطينيين. موقف الصين الضبابي لم يعجب الولايات المتحدة فتم الضغط على الرئيس تشي فصدر بيان لاحق من الخارجية يتراجع عن الموقف الوسط. ولا بد لي من أن أذكر بالبيانات المائعة التي صدرت عن العديد من الدول العربية ما عدا ثلاث أو أربع دول، فقد حمل بيان الإمارات المسؤولية على حماس وجاء في البيان أن وزراة الخارجية تعبر عن استيائها الشديد لخطف المدنيين. وجاء في البيان «إن الهجمات التي شنتها حماس ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، بما في ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على التجمعات السكانية تشكل تصعيدا خطيرا وجسيما»، ثم قدمت الدولة تعازيها لأسر الضحايا. فلا أعرف هل هذا البيان كتب في أبوظبي، أم في تل أبيب، أم أن الفرق انتفى بينهما. وفي اجتماع مجلس الأمن المغلق يوم الأحد، أصطف معظم الدول الأعضاء خلف موقف الولايات المتحدة الذي كان يريد أن يصدر المجلس بيانا من نقطتين: إدانة حماس واعتبار ما قامت به عملا إرهابيا، أولا ودعم إسرائيل في ممارسة حق الدفاع عن النفس بالطريقة التي تراها ثانيا، والذي أفشل صدور البيان ليست الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن. إسرائيل أهم من أوكرانيا. هذه هي الحقيقة. أليس من أجلها أو بمشاركتها دمر العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، وأخرجت مصر من الصراع وتم تكبيل الأردن ومنظمة التحرير وجرجرت أمريكا أربع دول عربية للتطبيع وتعمل على جلب المزيد من المطبعين. إنها القاعدة العسكرية المتقدمة للدول الاستعمارية والإمبريالية قديمها وجديدها. ننتظر التطورات المقبلة وأقول إذا هزمت المقاومة فسيدخل العالم العربي بيت الطاعة الصهيوني لسنوات مقبلة.
وسوم: العدد 1054