في انتظار الزحف الصحراوي..
ويقال كان لي صاحب!!
أو .. كأنما كان ليكون…!
فإنما خلته كان… فعشت ليكون….
فما قيمة الشيء .. أي شيء- إذا لم نعشه شوقًا وانتظارًا حتى يكون؟
ومحبة وتطلعا لما هو صائر حين يكون!
***
نحن شعب زيّنا التاريخ .. نعم!!
برَّجناه وتفرجنا عليه ردحًا من أيامنا وفصولنا وقروننا وقروحنا .. نعم!!
جعلناه وشما على جلودنا وجباهنا، ووقفنا نرسم ملامحه فينا بريشة العبث والأقدار .. نعم!!
وكم تقنا لنقوده إلينا؛ وقد عجز أن يقودنا إليه، أو يقودنا معه… فما وجدنا إطارًا في زماننا يلائم عجلته، وما وجد هو مقوَدًا يلائم أعناقنا المعوجَّة المنكسرة.
لذا.. لا أمل بأن يعود إبراهيم الخليل عليه السلام.
بل قل: مستحيل أن يعود… لأنّه لا يلائمه العيش وسط شعب فَراشِيِّ (من الفراشة) الجناح، شَرنَقِيِّ (من الشرنقة) الأنفاس.. وهو القَلبِيُّ (من القلب) الكيان، ذو الصبر الطويل والنفس الأطول، والروح الأنقى والأسمى…
***
قال طاووس لذبابة كانت تحوم على باب حديقته: «لن تدخلي حديقتي إلا على جثتي.. »
فقهقهت الذبابة في سرها قائلة: « ونعم الوليمة.. وليمة تستحق المغامرة».
وبينما كان الطاووس يغيب عن الوجود والواقع خلف كبريائه المتمثِّل بذيله المنفوش الريش، كانت الذبابة تمارس انتصارها متمثّلا بالجرثومة التي تمكنت من نتف ريشه بكل هدوء.
***
قل لي بربك: «كيف حصل أن بتنا نسكن التاريخ.. ولم نحفظ تضاريسه؟!»
وأما تضاريسه فلا ينبيك عنها مثل متنبي الكلام وهو يقول:
ولا تَحسَبَنَّ المَجدَ زِقًّا وَقَينَةً = فما المَجْدُ إلا السيفُ والفَتكَةُ البِكرُ
فيا حسرة علينا! ما عدنا عرفنا من البكارة إلا الميتة البكر، تطالعنا في كل مكان وزمان في بلادنا… أما الفتكة البكر.. فلا تبتعد عن رقابنا… وحتى الصحراء- أمُّنا التي لطالما تغنيّنا بطهر بكارتها، باتت نهب كل جبان وخوّان، ومضغة كل لسان… بعد أن مارس الخطيئة ابنها عليها؛ وادعى أنه: «لم يعرف بها ساكن رسما».
***
«فاجعل قلبك موردا للحب والرحمة.. فلا يوجد أحد لا يقدر عليه أحد».
كذا لا يوجد صعيد لم يدس عليه أحد..
وكذا لا يوجد تراب لم يدفن فيه أحد..
***
خرج ثعلب يتنزَّه مع زوجته أم الحصين، فمرّا بأسد ميت، فقال أبو الحصين لأم حصينه: انظري إلى هذا المتكبر؛ كيف قتله كبرياؤه.
وبعد خطوات مرّا بحمار نافق فقال: انظري إلى هذا العنيد؛ كيف قتله عناده.
فتطلعت إليه دودة من الأرض وقالت: ولكني لم أجد فرقًا بين جثتيهما عندي!!
ففكر الثعلب مليًّا، وهمس في نفسه: أيعقل أن تستمرئ الدودة الحقيرة دهائي، كما استمرأت كبرياء الأسد وعناد الحمار؟!
***
سحقًا للشيطان .. سحقًا سحقا..
لن تكف الرياح عن الهبوب…
وكذا لن تكف الصحراء عن الزحف ..
فلم تراني أبتعد كل هذا البعد عن صدر أمي !!
***
– أصيبت دجاجة بعمى الألوان فباتت لا تميّز بين أحمر وأصفر، فجاءها في ليلة ليلاء؛ سوادها شر، وبردها قرّ، وريحها صر… ذكر بوم غَرَّه فيها الغرور! فأصر على الغدر بها إصرارا، فنفش ريشه أي انتفاش، وانعش شره أي إنعاش… وتقدم من المسكينة، وصاح: “افتحي لزوجك يا مصون”.
ولجهلها فتحت خدرها… وبخبثه لوث طهر الحب في صدرها …
وماذا يفيدها انتظار الخليل الذي لن يعود ؟!
وحتى وإن عاد بعد حين… ففيم تفيد فتواه يا ترى؟
هذا اذا سمح لنفسه بأن يفتيها …
***
رحمك الله من قائل: نحن شعب الضاد نعرف البدايات فقط.. وأما النهايات فنتركها لغيرنا .
كأن يكون في تركها -اقصد النهايات- راحتنا …
أو… كأن يكون في ابتداع البدايات أو افتعالها -بتعبير أدق- فخرنا ..
فما أشطرنا في اختلاق القصص! وما أسرع ما نَهُبُّ لنستفتي غيرنا في مصير ما ابتدعنا، أو مصيرنا معه، ومن خلاله… فنحن شعب نستفتي أيَّ شيء عن كل شيء… لنخرج في النهاية بلا شيء !
***
سأل مجنون عاقلا:- من تكون ؟
قال:- أنا أنت قبل أن تكون!
فرد المجنون قائلا:- تقصد أن تقول: كأن يكون كل كائن أنا… وكل أنت كائن.. وكل أنت أنا ؟
فقال العاقل: كأن يكون قد فهم!!
كأن يكون .. كأن يكون … كأن يكون .
وسوم: ألعدد 1056