سراب التعويل على مجلس الأمن لإحلال الأمن!!!

كثرت النزاعات المسلحة، وتفاقمت من خلالها الأزمات الأمنية عبر العالم، وطال أمدها، دون أن توجد لها الحلول المناسبة لمختلف أطراف النزاع، كما تزعُم بذلك الأمم المتحدة في مجموعة من وثائقها المتعلقة بفظ النزاعات، مما يجعل السؤال عن مدى تجسيد مجلس الأمن لدوره، الذي تحدده هذه الوثائق نفسها، لحل هذه النزاعات، سؤالا مشروعا ومُلِحّا، لأن عددا غير قليل من الأزمات عمرت طويلا، دون أن يكون له أثر فعلي في إيجاد الحلول الملائمة لها، ومن ثم يصبح البحث عن الأسباب الحقيقية، التي تعيق قيامه بالدور الذي يُفترض فيه الاضطلاع به، أمرا ضروريا حتى تتمكن الشعوب التي تعاني من آثار هذه الأزمات، من تحديد موقفها من الأمم المتحدة، ومن مجلس الأمن، عن بينة وقناعة، بحيث لا يُعقل أن تمر أكثر من 70 سنة دون إيجاد مخرج للقضية الفلسطينية على سبيل المثال، والأدهى أن المشكل لم يزد إلا تعقيدا، بل إن رقعة الأزمات قد توسعت مع الزمن، لتشمل جهات متعددة من العالم عموما، والعالم العربي الإسلامي خصوصا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الصحراء المغربية، والعراق، وسوريا، واليمن، والسودان ...

يقول الله تعالى في كتابه الكريم في شأن تسوية الخلافات الزوجية في الآية 35 من سورة النساء﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾بحيث يربط التوفيق في معالجة الشقاق بين الزوجين، بوجود إرادة الإصلاح لدى الحَكمين، حسب ما أورده الشيخ الشعراوي في بعض خواطره المتعلقة بهذه الآية. ويظهر والله أعلم، أن إرادة الإصلاح شرط أساسي لدى كل الذين يتحملون مسؤولية التدخل في حل أي مشكل من المشاكل المؤدية إلى الشقاق والتفرقة. ومن هذا المنطلق ارتأيت البحث في مدى حضور أو غياب هذا الشرط، في تشكيلة مجلس الأمن، لعلها تكون من الأسباب المساهمة في استدامة مختلف النزاعات، والمشاكل الأمنية، التي تعج بها الكرة الأرضية بصفة عامة، ومشكل القضية الفلسطينية بالتحديد، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية، العضو البارز فيها، تبدي انحيازها التام لصالح المحتل الغاصب على حساب أصحاب الحق.

يُعْلَمُ من "موقع الأمم المتحدة- مجلس الأمن" أن تشكيلة المجلس تتكون من خمسة عشر عضوا، خمسة منهم دائمون وعشرة غير دائمين، وأن القرارات التي يُصدرها محكومَةٌ بالمادة 27 من الميثاق التي ينص بُنْدُها الثاني على ما يلي: "تصدُر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه" فيما ينص بندها الثالث على التالي: "تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة، بموافقة أصوات تسعة من أعضائه، يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة، تطبيقا لأحكام الفصل السادس، والفقرة 3 من المادة 52، يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت"، علما أنه "تم الاتفاق بين واضعي الميثاق على أنه لو صوت أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين بالسلب في مجلس الأمن المكون من 15 عضوا، لا تتم الموافقة على القرار أو المقرر". وبما أن شرط إرادة الإصلاح، يُفترض توفُّرُه في جميع أعضاء المجلس، فيكفي أن يُشترط في المصادقة على قرار ما، موافقة 9 أعضاء، من بينها الخمسة الدائمين، الذين يستأثر كل واحد منهم بالحق في استعمال حق الرفض، الذي يصبح ساري المفعول في حينه، حتى مع تبني القرار المعني بالإجماع من قبل باقي الأعضاء، للدلالة على غياب إرادة الإصلاح لدى المجلس. ولعل التباين الحاصل بين مصالح الأعضاء الدائمين، الذي قد يصل إلى حد التضاد، من بين أهم المؤشرات التي تؤدي إلى غياب هذه الإرادة، والإخلال بمقتضياتها، من قبل هذا العضو أو ذاك، مما يؤدي حتما إلى عدم التوفيق بين الأطراف المتنازعة، اللهم إلا إذا كانت هناك مصالح مشتركة بين الأعضاء الدائمين، وما دام الأمر في عمومه عكس ذلك، فإن استعمال الفيتو هو السائد، كما يتبين من الإحصائيات المتوفرة منذ تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، بحيث منذ 1946 إلى حدود 2017، تم التصويت بقرار الرفض 241 مرة، من بينها 79 مرة من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها، من بينها ما يزيد عن 45 قرارا خاصا بالشرق الأوسط، والقضايا العربية والفلسطينية، يضاف إليها نقضها الأخير بتاريخ 18/10/2023 لمشروع القرار الذي قدمته البرازيل، والذي يدعو إلى هدنة إنسانية للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، وذلك على الرغم من تصويت 12 عضوا من أصل 15 لصالحه، وامتناع دولتان عن التصويت.

انطلاقا من هذه الإحصائيات، وانطلاقا من هذا الانحياز الفج، للولايات المتحدة الأمريكية لصالح إسرائيل، يتضح جليا أن التعويل على إنصاف الأمم المتحدة، ممثلة في مجلس الأمن، للشعب الفلسطيني، لا يعدو أن يكون سرابا بقيعة، يحسبه المطبعون من العرب والمسلمين حلا، حتى إذا جاءوه لم يجدوه شيئا، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية، أبطالها الأعضاء الخمسة الدائمين، يتقاسمون فيها الأدوار، والغنائم، رغما عن الأعضاء التسعة غير الدائمين، ورغما عن الأعضاء 178 المتبقين الذين لا دور لهم سوى تبرير مصطلح "الأمم المتحدة" الذي ليس له من مفهوم الاتحاد سوى الاسم.

وسوم: ألعدد 1056