هل اقتنع الذين طبّعوا مع الكيان الصهيوني بعد الإبادة جماعية في غزة بالتخلي عن التطبيع معه انسجاما مع إرادة الأمة العربية والإسلامية ؟؟
من المعلوم أن الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة التي يرتكبها اليوم الكيان الصهيوني العنصري ، ليست الأولى من توعها بل هي مسبوقة بالعديد من المجازر الرهيبة والفظيعة لأكثر من سبعة عقود ، والتي كانت بدايتها منذ احتلاله لأرض فلسطين سنة 1948 بدعم من المحتل الإنجليزي البغيض التي سلمه إياها على طبق من ذهب ، وابتدع بذلك بدعة عطاء غيره ما لا يملك . ومن نافلة القول أيضا أن الضمير العالمي خصوصا في العالم الغربي، لم يتحرك يوما لوقف عمليات الإبادة الجماعية لشعب، لم يشهد التاريخ الحديث والمعاصر مثل مظلمته.
ولقد كان الصراع بين الكيان الصهيوني المستنبت في قلب الوطن العربي بأرض فلسطين ، وبين دول المواجهة العربية مدعومة بغيرها من الدول العربية صراعا مسلحا في حروب تدعمه فيها الإدارات الغربية ، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية التي كانت ترجح كفة الانتصار لصالحه بتدخلها العسكري المباشر، فضلا عن ابتزازها لمجلس الأمن الدولي، متحدية الإرادة الدولية التي كانت تدين بشدة الاحتلال الصهيوني دون أن يكون لإدانتها أدنى وزن بسبب استعمال الفيتو الأمريكي والأوروبي .
ومع مرور الوقت ظل الكيان الصهيوني يتوسع باستمرار في الشرق الأوسط ، ويكتسح بعد كل حرب يخوضها مع العرب أجزاء من الدول العربية المجاورة لأرض فلسطين . وانتهى أمر الصراع العربي الصهيوني إلى ما سمي بمعاهدات سلام مع الصهاينة أبرمتها أنظمة عربية مقابل استرداد نوع من السيادة الصورية على ما ضاع من أراضيها ، الشيء الذي أخرجها من إطار المواجهة العسكرية ، وبهذا انفرد الخصم الصهيوني بالشعب الفلسطيني ، وصار يمارس ضده كل أنواع الاضطهاد ، ويطارد حركات مقاومته ، إلى أن استدرج بعضها هي الأخرى إلى مسلسلات سلام وهمية ، و ساعدته على ذلك الأنظمة العربية الموقعة معه على معاهدات سلام ، و بذلك تم تحييد ما سمي سلطة فلسطينية ، الشيء الذي جعل فصائل المقاومة تمضي في طريق خيار الصراع المسلح معه مصرة على ذلك لمنع ضياع حق الشعب اللفلسطيني .
وموازاة مع سياسة التفرقة التي انتهجها الكيان الصهيوني بين الكيانات العربية الموقعة على معاهدات سلام معه ، وبين فصائل المقاومة الفلسطينية ، انتقل إلى سياسة استدراج باقي الكيانات العربية إلى التطبيع معه من أجل مزيد من عزل تلك المقاومة ، تحقيقا للاستقواء على الجميع سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا ، وتكريس المزيد من تعميق الشرخ بين الكيانات العربية .
ولقد خطط العدو الصهيوني، ومن يدعمونه من الغربيين لفرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، يكون مساعدا لتحقيق المصالح الغربية وعلى رأسها الأمريكية باعتباره هذا العدو المحتل أداة بواسطتها يكون الوصول إلى تحقيق الغاية التي من أجلها استنبت أصلا في المنطقة .
ولقد تبيّن بما لا يدع أدنى مجال للشك أنه كان يخطط منذ مدة لغزو قطاع غزة من جديد ، وذلك من أجل تحييد المقاومة المسلحة فيها ، تماما كما عطلها في الضفة الغربية مقابل وعود بمسلسلات سلام وهمية، إلا أن تلك المقاومة الغزّية ، وهي تستشعر ما كان يخطط له، أخذت المبادرة بالصدام معه من أجل إحباط خططه ، وخطط من يقفون وراءه ، وعلى رأسهم الأمريكان .
ومعلوم أن العدو الصهيوني يعتمد سياسة التحييد الممنهج لكل من لهم صلة وعلاقة بالقضية الفلسطينية من المحيط إلى الخليج ، ومن تلك السياسة التطبيع الذي يتحول إلى قيد لا يختلف عن القيد الذي قيدت به الأنظمة الموقعة على معاهدات سلام معه ، والذي قيدت به القيادة السياسية الفلسطينية ، تمهيدا لتحقيق مخططاته ، و هي عينها مخططات حلفائه الغربيين في الوطن العربي الزاخرة أراضيها بالخيرات والمقدرات التي تسيل لعابهم ، وهم يستهدفون نهبها من أجل صنع رفاهية وسعادة شعوبهم على حساب شقاوة وحرمان الشعوب العربية .
ومعلوم أن التطبيع باعتبار دلالته اللغوية، لا يمكن أن يكون بين كيانات عربية طبيعية ، و بين كيان غير طبيعي وسطها في منطقة الشرق الأوسط لكونه محتل يحتل أرضا ليست أرضه ، ومع ذلك أقدمت على هذا التطبيع أنظمة عربية منخدعة بوعود عرقوبية من الكيان المحتل ، وهو بوهمها بسلام معه ، علما بأنه محتل لا يمكنه أن يعيش دون حرب وصراع أو يتخلى عنها ،وهي بالنسبة إليه ضمان وجوده في المنطقة العربية حتى وإن وفرت له الأنظمة العربية المطبعة معه ظروف سلام دائم .
ولا شك أن الإبادة الجماعية الواقعة حاليا في قطاع غزة ، قد أقنعت الأنظمة المطبعة مع الكيان الإجرامي أنها قد تنكبت الصواب ، وأن عليها أن تراجع نفسها إذا ما كانت حريصة على الانسجام مع إرادة الأمة العربية والإسلامية التي خرجت حشود شعوبها إلى الشوارع في مسيرات مليونية معبرة بكل وضوح عن رفض التطبيع مع كيان سفاك للدماء ، وهو يخطو خطوة بعد أخرى من أجل تدمير كل الوطن العربي ، وقد دمرت سياسته، وسياسة مؤيديه في الغرب لحد الساعة عددا من أقطاره لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا إذا تداركتها عناية الله عز وجل ، وقيض لها قيادات صالحة رشيدة، تعيد بناءها من جديد قوية ومنيعة ومستعصية على الانهيار .
وفي الأخير ،نأمل أن تغلّب الأنظمة العربية المطبعة ، وقبلها الموقعة على معاهدات السلام الصورية مع الكيان الصهيوني الحكمة ، وتخلع يدها من يد كيان ملطخة بدماء الأبرياء في غزة ، ونأمل أن يستحضروا صور جثامين أطفال غزة الأبرياء ، وصور آلام وصراخ جرحاهم وهم بالمئات ، والتي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية ،،وهي شاهدة على عنصرية،، ونازية، وفاشية ، وعدوان الكيان الصهيوني ، وقد أدانها كل من في المعمور من الشرفاء ، بينما زكاها في المقابل كل من عدم ضميره ، وأقام على نفسه حجة شاهدة على عنصريته ونازيته، وفاشيته، ولا إنسانيته .
وسوم: العدد 1057