مرآة الطاهر بنجلون المنكسرة
استوحيت هذا المقال، من عنوان كتاب المفكر المغربي حسن أوريد: مرآة الغرب المنكسرة، بعد مشاهدتي لمجريات الحوار، الذي دار بين معد برنامج "FBM"، وبين الكاتب الفرنسي المغربي الطاهر بنجلون، الذي حل ضيفا على البرنامج مؤخرا، لشعوري بوجود مماثلة بين صورة الغرب في مرآته، التي كانت تعكس فيما يبدو "ثقافة الأنوار" قبل أن تَنكسر، ليصبح كل ما تعكسُه بعد ذلك مقزِّزا ومقرفا، بسبب دوسه على كل القيم الإنسانية النبيلة، بما فيها القيم الفطرية التي فطر الله الناس عليها.
لا أعلم إن كانت المبادرة من مُعد البرنامج، أم بطلب من الضيف نفسه، وأيا كان الأمر، فيبدو أن الهدف المتوخى من الحلقة، يتمثل في الحيلولة دون تمدد الكسر، الذي أحدثه موقفه المُخزي من المقاومة الفلسطينية، في مرآته التي كانت تبدو سليمة لبعض المنبهرين به، وهم في غفلة أو تغافل عن خطورة جل كتاباته المشوِّهة للثقافة المغربية، إلى حدود السابع أكتوبر من الشهر الجاري، حيث أصابت شظايا انكسارها كل الذين يؤمنون بحق الشعوب في التحرر، على اختلاف عقائدهم وتوجهاتهم، علما أن ما صَدَر منه لم يكن ليفاجئ أولئك الذين استوعبوا الأهداف المبطنة في مختلف أعماله "الأدبية".
الحوار يطفح بعدد كبير من المؤشرات، التي تدل على أن الحلقة أعدت للالتفاف على الموقف المخزي للضيف، وتلميع صورته المشوهة أصلا، ولعل الاقتصار على المؤشرين التاليين، كاف للاستدلال على صعوبة الحصول على صورة سليمة في مرآة منكسرة:
الأول يتعلق بصيغة السؤال، الذي طرحه صاحب البرنامج، بحيث عِوض طرح سؤال مباشر، لجأ إلى اللف والدوران، متعمِّدا القفز عن استفساره عن سبب وصفه للفلسطينيين الذين نفذوا هجوم 7 أكتوبر بالحيوانات...مما أتاح له فرصة الظهور بمظهر الخائف على مصلحة الفلسطينيين، أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، مشيرا إلى أنه "قضى حياته مناضلا من أجل الشعب الفلسطيني عبر الكتابة والتدخلات والمقابلات التلفزيونية على القنوات الأوروبية والفرنسية، وأدى غاليا ثمن مواقفه" ولعله يقصد بالثمن الغالي الذي أداه مقابل "النضال من أجل الشعب الفلسطيني"، احتجاج سفارة إسرائيل عن قصيدة شعرية له، نُشرت في جريدة "لوموند" عقب اجتياح الجيش الإسرائيلي قرية رفح سنة 2004. ويا له من ثمن. وللبرهنة على استمراره في "نضاله" من أجل الشعب الفلسطيني، أشار إلى "عزمه نشر مقال جديد، الأسبوع المقبل، بموقع إخباري مغربي، يفضح فيه جرائم الجيش الإسرائيلي، والمساندة العالمية الغربية لتلك الجرائم، معترفا أن ما ارتكبه الجيش الإسرائيلي أفظع وأخطر مما ارتكبته حركة حماس"، ومضيفا أن "برنامج نتيناهو يروم تصفية الفلسطينيين". هذا في الوقت الذي لم يتجرأ فيه حتى على التنديد لا بإسرائيل ولا بنتنياهو، ولعل اقتصاره على وصف المجاهدين بالحيوان دون الإسرائيليين، في نفس الوقت الذي يؤكد فيه على أن جرائم إسرائيل أفظع من جرائم حماس، من أهم المؤشرات التي توحي بتبنيه لتصنيف التلمود للبشر الذي جاء فيه: "اليهود بشر لهم إنسانيتهم، أما الشعوب الأخرى فهي عبارة عن حيوانات" وجاء فيه أيضا:" من يسفك دم غير يهودي فإنما يقدم قربانا للرب". وعليه، فعزمه نشر مقال بموقع إخباري مغربي، إن دل على شيء، فإنما يدل على المراوغة حتى لا أقول النفاق، لأن ذلك لن ينفع المغاربة في شيء، لأنهم على إلمام تام بطبيعة الكيان الصهيوني، ولا يحتاجون لمن يعرفهم به، ولعله يجد في المظاهرات الحاشدة التي عمت جل المدن المغربية دليلا على ذلك، ومن ثم، وحتى يُبرهن على سلامة نيته في مساندة الشعب الفلسطيني، يجدر به، وهو الذي يكتب بالفرنسية، أن لا يتوجه بخطابه إلى المغاربة، وإنما إلى الفرنسيين وإلى الشعوب الناطقة بالفرنسية، ويجتهدَ في تصحيح معلوماتهم المغلوطة، التي يتلقونا دون بذل أدنى مجهود لتمحيصها، من أغلب وسائلهم الإعلامية المساندة لإسرائيل مساندة عمياء دون أي وازع أخلاقي أو إنساني.
والثاني يتعلق بتصريحه بكونه ملتزم بالدفاع عن القضية الوطنية، مستدلا على ذلك بكتابته لمقال تحت عنوان "الحقد الجزائري يقتل"، أشار فيه إلى أن النظام الجزائري لا شغل يشغله، غير كراهية المغرب والحط من المغرب، وهو ما لا يقبله، وأن الشعب الجزائري ضحية نظام الجنرالات. وبهذا الخصوص يُقال له، إذا كان الحقد الجزائري يقتل، فماذا عن الحقد الغربي بصفة عامة، والحقد الفرنسي بصفة خاصة؟ علما أن فرنسا هي أصل الداء الذي أدى إلى تناسل المشاكل بين البلدين الشقيقين، لذا وجب عليه إن كان يرغب في الدفاع الفعلي عن القضية الوطنية، أن يوجه خطابه بشكل مباشر للنظام الفرنسي، ويدعوه إلى الكف عن اللعب على الحبلين، ويتخذ موقفا واضحا من صحرائنا، أما صب الزيت على النار فلا حاجة به لا للمغاربة ولا للجزائريين، بقدر ما يكمُن الافتقار لإطفاء النار وجمع الشمل، وذلك بدعوة الطرفين إلى التعقل، والرجوع إلى جادة الصواب، على غرار ما يقوم به جلالة الملك في مناسبات عدة، على اعتبار أن مستقبل بلدينا لن يكون أبدا في التفرقة بين الشعبين، وإنما بالتذكير بوشائج الأخوة بين الأشقاء والدعوة إلى الاندماج في مختلف المجالات، أما النفخ على الجمر، المؤدي إلى الخدمة المجانية للمشروع الصوهيوفرنسي بقصد أو بغير قصد، فقد تكلف به الذباب الإلكتروني من الجانبين، ولا يحتاج إلى المحسوبين على الطبقة المثقفة.
في الأخير أقول، أنه من الصعب على من تعمَّد كسر مرآته، بتبني موقف العدو الصهيوني، أن يُصلحها بمجرد العزم على كتابة مقال، يُعرّْف من خلاله المغاربة بما يعرفونه عن الكيان الصهيوني، ولا بكتابة مقال "الحقد الجزائري يقتل"، لأن من كانت صورته مشوهة في مرآة سليمة، لا يمكن للمرآة المنكسرة إلا أن تزيدها تشويها.
وسوم: العدد 1057