خبرٌ عاجلٌ
د. بلال كمال رشيد
عنوانٌ جذابٌ جميل .. تتداوله وسائل الإعلام .. وهو مباغت للإعلامي والمتلقي على حد سواء، ويجعلهما متلقين لمراسلٍ هنا أو هناك ،وهو ينقل الصورة والحدث ، وتكون الصورة هي المتحدث الرسمي والشعبي والفني الوحيد ، قبل أن تخضع لسياسة التهويل أو التهوين ،وسياسة الجرح والتعديل ، وسياسة الحجب أو الكشف، وسياسة القناة الإعلامية، وسياسة السياسة التي لا سياسة لها !!!!
يحتل الخبرُ العاجلُ المرتبة الأولى والأبرز ، ويقضي على كل الأولويات والبرامج المعدة سلفاً ، إذ يسبق أيَّ إعداد ، ويتقدم أيَّ تقديم ، وخطهُ الأحمر يتجاوز الخطوطَ الحمر ، وهو ما يَشدُّ المتلقي إليه ، فقليله مُغرٍّ بمعرفة التفاصيل ، والتفاصيلُ ستأتي تباعاً ، ويمضي الخبرُ متسارعاً بحقائق و أرقام جديدة ، وبتحليلات عديدة ومتباينة ، ويبقى الخبرُ عاجلاً وساخناً ما دام آنياً وآتياً بالجديد من الحقائق والأرقام ، وتسقط صفةُ العجَلةِ عنه عندما تنطفئ النار المستعرة في إحداثه ،أو المشاعر الملتهبة في متابعته وتلقيه ، أو عندما يأتي خبر عاجل آخر، أكثرَ حداثةً و حِدةً من الأول ،أو عندما يتدخل قادةُ الرأي والتحليل من أصحاب المنابر والمحابر ، وقادة الإعلام وصانعي الأفلام بتهوين الخبر، واطفاء ناره كسيجارة ثم تُرمى في سلة المهملات من الأخبار !!!
الخبرُ عاجلٌ ... وتأتي القراءة من المذيع عجلى متسارعة ..كما يأتي المستمعُ أو المشاهدُ على عجلٍ لتلقي الخبر .. والكلُّ يبحث عن السبق الإعلامي الإخباري ، وينشط المتلقي بالتلقي وبسرعة الإبلاغ لمعارفه ومحبيه عبر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، وخلال ثوان أو دقائق معدودات يصبح أفراد المجتمع آذاناً صاغية ، وعيوناً مشدوهة ، وأفئدة مترقبة على: خبر عاجل !!
خبرٌ عاجلٌ ... نكرةٌ في مبتداه ومعرفةٌ في منتهاه ، وهو عنوانٌ صالحٌ جاذبٌ ملفتٌ مثيرٌ لكلِّ الأطياف والأجناس ، وفي كل المواقع والميادين ، فخبرٌ عاجلٌ في السياسة ، وخبرٌ عاجلٌ في الاقتصاد ، وآخر عاجلٌ في الرياضة ، وآخر في الجراحة والطب ، وفي عالم الفن ، وخبرٌ عاجلٌ على مستوى الأُسرة ، أو العمل ، أو الدولة ، أو الأُمة ، أو العالم ،أصبحنا إعلاميين بامتياز ،نصنع الخبر ، نتلقاه ، نتداوله ، نُشيعهُ ، نقتلهُ بخبرٍ آخر ، أصبحنا المرسلين والمراسلين والمستقبلين ، نصنع الخبر بدقائق ، ونمضي فيه قارئين بالتحليل والتأويل أياماً ورُبما سنيناً ، ونقتلهُ - حين نريد قتله – بثوانٍ من الزمن!! ونبقى فريسةً للخبر العاجل ، والكلُّ ينظر و ينتظر و يترقب ، لكن السؤالَ العاجل هنا : أفي المسراتِ يأتي الخبر العاجل أم في النكبات ؟؟!!
والإجابة ستأتيك عجلى : في النكبات والمصائب والويلات !!
وفي عالم الإعلام والسياسة غالباً ما يأتيك الخبرُ العاجلُ في فضاء القتل والحرب والتدمير ، وأصبح الخبرُ العاجلُ التالي لا يأتي إلا بارتفاع أعداد وأرقام القتلى والجرحى والمشردين هنا أو هناك ، وهكذا اعتدنا على هذا العنوان والمثير الإعلامي محفزاً ومثيراً للأعصاب ، وأصبح ( خبر عاجل ) مصطلحاً ذائعاً شائعاً في كل الأوساط ، وفي قارعة الطريق يستخدمه باعة الخضار والفواكه ؛ لجذب المارة والمتعجلين بسياراتهم المجنونة للوقوف قليلاً ، ليس للاستماع وإنما للاستمتاع ، لشراء سلعة سعرها أرخص من سعر السوق ،هنا خيرُ خبرٍ عاجلٍ ، هنا يَحْسُن الوقوفُ والتوقفُ ، هنا لا تُورِثُ العجلةُ الندامةَ ، هنا ستُسَرُّ وتُسِرُ من تُحب وتُعيل ، هنا يَصْدُقُ الخبرُ وتصدقُ الرؤيا ، هنا الجديدُ والمفيدُ ، هنا الأرقام وعداد الأسعار يتهاوى قليلاً ، هنا ستعرفُ وتُعاين الإعلام بنفسك ، ستتضح الصورة ، وتَعْرف المُنْتَجَ ، وبيدك التهويل أو التهوين ، سترسمُ المشهدَ وتضع العنوان من جديد : خبرٌعاجلٌ!!!