علّمنا طوفان الأقصى
منذ انطلاقته المباركة وهو يعلمنا دروسا إيمانية وسياسية واستراتيجية نافعة تتجاوز التحصيل الأكاديمي إلى التفاعل الوجداني والعمل الميداني...فقد أبان بجلاء لمن كان له قلب وعقل أن إعادة النظر في المنهج التربوي هو حجر الأساس في بناء الإنسان والأمة بناء متكاملا قويا يقوى على مواجهة التحديات الضخمة التي تواجه المسلمين على كل صعيد، فلا بد من إعادة ترتيب أولوياتنا منهجيا وتربويا وإعلاميا ليرسخ في الأذهان ان "نجوم المجتمع" من مطربين وممثلين ولاعبين لا يستحقون كل هذا الاحتفاء، فوقت الحسم لا ينفع أحدهم الأمة في قليل ولا كثير، كما أن الهوس الذي يصيب الأغلبية الساحقة من الناس بسبب كرة القدم مرض خطير يجب معالجته بدل الاهتمام المفرط به والتعصب المقيت له، ففي غزة نماذج البطولة الحقيقية رغم حياة أهلها في المعاناة الدائمة، ولنا أن نقارن بين ما هم فيه من عزة وما في مجتمعاتنا العربية من تفاهة، فمتى يدرك الأولياء أن إتقان أبنائهم وبناتهم للغناء والرقص ونحو ذلك ليس موهبة بل هو سوء تربية تنعكس سلبياته على الأمة كلها؟ علمنا طوفان الأقصى أنه إذا انعدم ماء الحرية نتيمّم بتراب الكرامة ولا نغتسل بخمر الذل والعبودية - مثل ما تفتي عمائم السوء – لأن لب العقيدة وجوهر التوحيد هو الحرية، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية " إن عبودية لله هي جوهر الحرية".
تبعا لهذا ينبغي أن نفهم جيدا أن طوفان الأقصى ليس عملية جزئية لتحرير الأسرى، هو أكبر من ذلك بكثير، إنه انطلاق تاريخ جديد في المنطقة يأذن بانتهاء الكيان الغاصب وتحرير فلسطين وذلك من خلال اقتناع العدو أنه لن ينعم بالأمن أبدا ولن يأخذ هذه الأرض أبدا مهما تواطأ معه الحُكام، وأن مقولة الجيش الذي لا يُهزم خرافة كما تؤكد حرب غزة، ففلسطين لأهلها وليست لشذاذ الآفاق الذين جاؤوا من الشرق والغرب لاغتصابها، وحماس ستحرر كل البشرية من سطوة السامريِّ الصهيوني الذي احتلَّ ضمير العالم المعاصر بذهَبِه وكذِبه.. وها هي البداية: مئات الشباب الأمريكيين من الجنسين يعتنقون الإسلام بفضل انبهارهم بصمود الفلسطينيين أمام الجيش الصهيوني...عرفوا أن هذا الدين هو مصدر قوة المقاومة وثباتها، ووجدوا فيه معاني الطمأنينة والثقة بالنفس والتضحية من أجل القضية ، والحمد لله أنهم لم يتابعوا الحُكام العرب وإلا لكفروا بالاسم كفرا بواحا.
طوفان الأقصى أحيا زمن الخوارق، تريدون رؤية المعجزات والكرامات؟ إنها أمام أعينكم صارخة جميلة حسناء: طوفان الأقصى في حد ذاته معجزة إذ لم تقدر على مثله الجيوش العربية مجتمعة، والكرامة هي ثبات هذه الثلة من المجاهدين المؤمنين كل هذه المدة أمام أعتى جيش في الشرق الأوسط وإنزال الهزائم الشنعاء به، كبار ضباطه يتساقطون فضلا عن جنوده، ودباباته "التي لا تُهزم" تنفجر بالمئات...كل هذا بأيدي شباب حفاة لا يملكون حتى اللباس العسكري...إنهم تخرجوا من مدرسة حسن البنا فصنع الإسلام بهم خوارق لا تنسى، فكيف لو وجدوا الدعم والمدد؟ لهذا يحق لنا أن نحسد أهل غزة. على عقيدتهم الثابتة التي هي عقيدة أهل السنة لا عقيدة الجبر والتخريف والعبودية للحُكام التي يروجها شيوخ الضلال، نحسدهم على إيمانهم القوي الراسخ، على مقاومتهم التي بهرت العالم، ماذا نحن مقارنة بهم؟ إذا ذَكر أهل غزة فأُفٍ لنا وتف...إلا من حبسه العذر عن نصرتهم وقلبُه يغلي كالمرجل حبّا لهم وتألما لما يصيبهم وعزيمة على نصرتهم بكل ما يستطيع...حماس، القسام، المقاومة هم حقا بقية السلف الصالح لأنهم نقلوا القضية من ميدان الجدل النظري إلى ساحة الوغى، فكانوا رجال عمل لا أدوات جدل، وخلفهم أمهات وزوجات وأخوات مؤمنات ثابتات صابرات إيجابيات يذكرننا برموز تاريخنا الإسلامي الناصع، ومنه تاريخنا الجزائري الحديث مع الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي.
ولا يغيب عن بال المتابع الحصيف الأريب أن الشحن النفسي والوجداني والسياسي القادم من فلسطين يمد القوى الإسلامية والقوى المحبة للحرية والديمقراطية في المنطقة العربية بطاقة هائلة يمكن استثمارها في معركة التغيير.
وكل هذا من دروس طوفان الأقصى.
وسوم: العدد 1063