حقوقيون يحذرون من تنفيذ حملة إعدامات جماعية: التعذيب والوشاية وقوانين فضفاضة تنتهك حقوق الإنسان في العراق

تثير قضية أحكام الإعدام في العراق جدلاً واسعاً منذ سنوات في ظل تقارير أمنية وحقوقية أكدت وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، بداية من وشايات المخبر السري مروراً بأجهزة القضاء.

بغداد ـ «القدس العربي»: كشفت معلومات أوردها مختصون في مجال حقوق الإنسان في العراق، إن نحو 6 آلاف معتقل يواجهون عقوبة الإعدام في العراق، على خلفية تهم تتعلق جُلها بـ«الإرهاب» فيما أكد حقوقيون مصادقة رئاسة الجمهورية، مؤخراً، على تنفيذ أحكام إعدام بحق 150 سجيناً يقبعون في سجن الناصرية المركزي، جنوب العراق، وسط جمّلة انتقادات طالت سيادة ظاهرة انتزاع الاعترافات وسط التعذيب ووشاية المخبر السري، فضلاً عن قانون مكافحة الإرهاب الفضفاض.

الخبير في حقوق الإنسان الدكتور علي البياتي، يقول لـ«القدس العربي» إن «أعداد الموقوفين في العراق يتجاوز الـ70 ألف شخص» مبيناً إن «نحو ثلثي هذا العدد هم محكومون بقضايا إرهاب، أما الباقون فهم معتقلون عن جرائم المخدرات وغيرها».

وذكر أيضاً أن «هذه الأعداد موزعة على نحو 15 سجنا إصلاحيا تابعا لوزارة العدل، فضلاً عن 28 مركز احتجاز موزعة في وزارتي الدفاع والداخلية ومؤسسات أمنية أخرى» لافتاً إلى إنه «يقدر عدد المحكومين بالإعدام بنحو 6 آلاف- 4 آلاف منهم اكتسبت قضاياهم الدرجة القطعية».

وبشأن عدد حالات الإعدام التي نفذتها السلطات العراقية منذ عام 2003 أكد البياتي أن هذه الأرقام «غير معلنة وليست واضحة من قبل الجهات الرسمية، ولكن هناك أرقاما أعلنت من خلال هذه الجهات تقدر إنه سنويا يتم تنفيذ 50-100 حالة إعدام في العراق، وهي أرقام عالية، لذلك العراق يعتبر من الدول التي تقوم بتنفيذ أحكام إعدام بشكل كبير».

ويرى أن «المنظمات المعنية بحقوق الإنسان تنتقد غياب الشفافية في إجراءات تطبيق العدالة وغياب الضمانات والتعذر دائما بالظروف سواء كانت بالإرهاب أو الفساد أو المخدرات» لافتاً إلى إن السلطات «تتجاهل الضمانات التي من المفترض إنها دولية ودستورية وقانونية، وتضع نفسها دائما أمام إحراج في مدى صحة هذه التهم والدعاوى والأدلة».

وأضاف: «الإجراءات المعروفة دائما هي شكلية وفيها انتهاك كبير وتضارب مع العرف الديمقراطي ومبادئ حقوق الإنسان، ابتداءً من الاعتماد على المخبر السري والتحقيق الأولي الذي تجريه المؤسسات الأمنية التي دائما ما تحدث فيها حالات انتزاع الاعتراف تحت التعذيب» معتبراً أن «كل ذلك يضع المؤسسات المعنية بإنفاذ القانون أمام الكثير من علامات الاستفهام، لذلك التوقعات التي تعتمد على هذه المعطيات تشير إلى أن عددا كبيرا من هؤلاء ممن يحكم عليهم بالإعدام هم أبرياء ولا يستحقون هذه الأحكام».

ولفت الدكتور البياتي، وهو عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان، إلى أنه «لا تزال المحاكم العراقية تعتمد على قانون مكافحة الإرهاب الذي لا يميز بين أمير في داعش وشخص فرض عليه الانتماء للتنظيم» موضحاً أن «في المناطق التي سقطت بيد داعش، فإن الانتماء للتنظيم لا يختلف كثيرا عن انتماء العراقيين لحزب البعث (قبل عام 2003) الذين كانوا تقريبا بحدود 90 في المئة أو أكثر. هذه المعايير غير ديمقراطية ومنافية لحقوق الإنسان».

وشدد على ضرورة أن «تكون أحكام الإعدام حصرا للجرائم الخطيرة التي تعتمد على أدلة موثوقة وضمن معايير عالمية ودولية».

وتُثير قضية أحكام الإعدام في العراق جدلاً واسعاً منذ سنوات في ظل تقارير أمنية وحقوقية أكدت وجود انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان، بداية من وشايات المخبر السري التي جرت كثيراً بدوافع انتقامية وطائفية، مروراً بأجهزة القضاء التي تواجه انتقادات جراء قبولها إفادات للسجناء تمت عبر التعذيب، وصولاً إلى ضغوط سياسية تستخدم ملف المحكومين بالإعدام خصوصاً لأغراض انتخابية، ناهيك عن إثارة الشحن الطائفي الذي يسعى إليه بعض السياسيين حسب ما تقوله منظمات حقوقية عالمية ومحلية وتصريحات لنواب في البرلمان العراقي.

مرصد «أفاد» الحقوقي كشف في تقرير له عن معلومات وردته تفيد بـ«تصديق رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال على تنفيذ أحكام الإعدام بحق 150 سجينا جديداً في سجن الحوت الواقع في مدينة الناصرية جنوب العراق، في ظل تجاهل واضح لانعكاساته السلبية على وضع ملف حقوق الإنسان بالعراق دولياً، فضلاً عن السلم الاجتماعي في البلد الذي يعاني منذ سنوات جراء الاحتقان الطائفي وممارسات انتقامية بجانب الإقصاء والتهميش لمكونات معينة من العراقيين».

وتتزامن هذه المصادقة الجديدة مع الاحتفال بيوم القضاء العراقي، وتعقب إعدام 13 سجيناً في ذات السجن قبل شهر تقريبا (في 25 كانون الأول/ديسمبر الماضي) بعد توقف لمدة ثلاثة أعوام تقريباً، إذ تعود آخر عملية إعدام جماعي إلى 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

ونقل المرصد عن محامين قولهم إن «السلطات جمعت عدداً من المحكومين بالإعدام من زنزاناتهم وأعدمتهم في الصباح، بدون إبلاغ ذويهم كما هو معروف أو السماح للمعدومين بالتواصل مسبقاً مع عائلاتهم».

واقتبس تعليقاً لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، في تقريرها الأخير عن العراق، أن «ما يجري يبدو محاولةً من قبل السلطات العراقية لاستئناف تنفيذ عقوبة الإعدام بطريقة تتفادى الدعاية السلبية والإدانة الدولية اللتين رافقتا آخر جولة من الإعدامات» وأكدت أن «التطبيق الواسع لعقوبة الإعدام يثير القلق بشكل خاص بسبب الشوائب الخطيرة في القضاء العراقي، لا سيما في محاكمات الإرهاب، التي تحرم المتهمين من الحق في محاكمة عادلة».

وسبق للمنظمة أن أصدرت تقريراً مطولاً أشارت فيه إلى أن المحاكم العراقية تعتمد على اعترافات لا سند لها وتتجاهل مزاعم انتزاع هذه الاعترافات تحت التعذيب، ودعت مجلس القضاء الأعلى في العراق لاحترام معايير القانون الدولي والإجراءات الجزائية العراقية، والتحقق في جميع مزاعم التعذيب المعقولة، ومحاسبة قوى الأمن، وينقلوا المحتجزين إلى منشآت أخرى فور ادعائهم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة لحمايتهم من الانتقام.

ومنذ استئناف العمل بعقوبة الإعدام عام 2004 بلغ مجموع من نُفذت بحقهم هذه العقوبة نحو 340 مدانا بين عامي 2014 وحتى نهاية 2020 حسب تقارير حقوقية، حيث تمرّ أحكام الإعدام بسلسلة إجراءات قانونية، أبرزها مصادقة رئاسة الجمهورية بينما تقوم وزارة العدل بتنفيذ الأحكام.

وسبق أن أعلن وزير العدل العراقي خالد شواني عن وجود 8 آلاف محكوم بالإعدام من مجموع 20 ألفاً من المدانين بقضايا الملف المعـروف باسم (4 إرهاب) سيء الصيت، من ضمن 70 ألف معتقل يضمهم 28 سجنا تتبع لوزارات العدل والدفاع والداخلية و«الحشد» في عموم العراق، حسب تقرير المرصد.

وأشار إلى أن ذلك يأتي «وسط فشل الاتفاق على قانون العفو العام الذي تم إصدار مسودته الأولى عام 2016 لكن بعض الأحزاب السياسية أفشلت إقراره النهائي، رغم أنه خضع لتعديلات كثيرة أفرغته من بنوده المهمة وقلّلت أعداد السجناء المتوقع الإفراج عنهم».

وسبق أن حذر مرصد «أفاد» مراراً من «تقارير عن ازدياد المعاملة السيئة للسجناء في السجون العراقية ومنها الناصرية والتاجي شمال بغداد والكفل في محافظة بابل، من حيث سوء الإطعام وانعدام العلاج ومنع دخول الأدوية المزمنة قبل دفع مبالغ مالية، وسط تفشي قضية الابتزاز من إدارات السجون لذوي المعتقلين الذي يقولون إن زيارة أبنائهم باتت بمعدل مرة كل ستة أشهر فقط، وأشاروا إلى وجود عمليات تجويع وتعذيب نفسي منها وقوف بعض السجناء عراة في الهواء الطلق كنوع من التعذيب».

وأصدر المرصد بجانب منظمات حقوقية أخرى تقارير أكدت «تصاعد الوفيات في سجن الحوت خصوصاً، كان أبرزها تسجيل نحو 100 حالة وفاة على الأقل في السنوات الثلاث الماضية بينها 18 منها خلال أربعة أسابيع في 2021 في ظروف مريبة، أكد خلالها ذوو المعتقلين وجود آثار التعذيب على جثث أبنائهم عقب استلامها وسط منع دوائر الطب العدلي والتشريح من إصدار تقارير عن حالتهم».

ونوّه التقرير إلى «فشل مبادرة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني التي أطلقها عام 2022 لتلقي الشكاوى في حالات التعذيب ووشايات المخبر السري، حيث لم تحرز اللجان المكلفة برصد الشكاوى أي تقدم يذكر في هذا المسار، ما يثير التساؤلات عن قدرة حكومة السوداني على تحقيق شيء ملموس لإنصاف آلاف الضحايا، ويضيف مبادرته إلى كثير من المبادرات الشكلية للحكومات السابقة في الجانب الحقوقي سيء الصيت في العراق».

ودعا مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل والحكومة العراقية لـ«مراجعة هذه الأحكام إن صدرت فعلاً، ووقف تنفيذها، والعمل على مراجعة كل الأحكام الصادرة سابقاً وإعادة التحقيقات فيها، ووقف السلوكيات التي تنتهك حقوق الإنسان ومنها ملف أوضاع المعتقلين في السجون العراقية منذ سنوات طويلة».

وسوم: العدد 1068