في رثاء عبد القادر صالح ... حجي مارع

أمة الشهداء

ربيع عرابي

رسالة إلى أعداء الأمة :

نحن أمة الشهداء :

أمة أجدادها شهداء ... وأباؤها شهداء ... وتاريخها شهداء.

أمة خشعت قلوبها وأصغت آذانها لسورة الأنفال، وهي لازالت أجنَّة في بطون أمهاتها ... حين اهتزت قلوبكم على إيقاع الألحان الصاخبة، تتمايل أمهاتكم على دقاتها كاسية عارية، في كهوف المراقص الليلية.

أمة رضعت حب الشهادة من صدور أمهاتها ... حين رضعتم الميوعة والتخنث والإنحلال مع حليب البقر الهولندي المستورد.

أمة كانت لُعَبُها سيوفا ورماحا ... خيولا وسهاما ... حين أمضيتم طفولتكم في ألعاب الورق وأبطال الكرتون وأوهام الرفاهية والدلال.

أمة غُذِيَتْ أجساد أبنائها بالأسودين التمر والماء ... حين غُذِيّتْ أجسامكم (بالكرواسان) و (الكافيه أوليه) ... والسحت والمال الحرام.

أمة ينام أطفالها على حكايات (نسيبة بنت كعب) و (أبو دجانة سِماك بن خَرَشة) ... حين ينام أطفالكم على مغامرات نجوم الفن وأبطال الإنحلال.

نحن أمة تعشق الشهادة ::

أمة تسيل دموعها في الليالي الغافيات ... ساجدة راجية ربها أن يرزقها الشهادة، ويمنَّ عليها بالموت في ساحات الجهاد ... حين تنهمل دموعكم الرقيقة الناعمة، حزنا على أبطال مسلسلاتكم السفيهة التافهة.

أمة تمضي حياتها باحثة عن الشهادة في كل درب، كما تبحث الأم الملهوفة عن وليدها الصغير التائه في كل ركن ... حين تَصِلُونَ ليلكم بنهاركم، بحثا عن الثروة والمال والقوة والسلطان، في كل بئر نفط أو منجم ذهب أو صفقة مريبة أو حرب لئيمة.

أمة تخوض غمار المعارك وتركب أمواج الصعاب، غير آبهة برماح الموت وسيوفه تتناوشها من كل جانب ... حين تغوصون في أسرتكم الوثيرة، وتتباهون كالطواويس بملابسكم الأثيرة.

أمة يعلو نحيبها إذا ما حُرِمَت من شرف الشهادة في ساحات الجهاد ... حين تبكون لفقد وجبتكم الشهية، وإجازتكم السنوية، ومغنيتكم المفضلة اللعوب.

أمة تزغرد نساؤها فرحا بنيل أبنائهن مرتبة الشهادة الربانية ... حين تصيح نساؤكم غبطة وبهجة بنيل أبنائهن الشهادات والأوسمة الدراسية والمهنية.

أمة تذرف أمهاتها دموع الفرح لرؤية جرح شهيد ... حين تجزع نساؤكم وتنوح لزكام أصاب ابنها المدلل الوليد.

أمة يستشهد أبناؤها في أرض المعركة، يصولون ويجولون في صفوف العدو ... حين يموت أبناؤكم، وهم مختبؤون في قراهم المحصنة، وراء جُدُرِهم العالية، خوفا ورعبا من سيوف العقاب، وملائكة الموت والعذاب.

أمة لا يترجل أبناؤها عن خيولهم إلا في رياض الخلد ... حين لا يرعوي أبناؤكم عن لذاتهم وشهواتهم إلا في ظلمة القبر.

أمة تعتبر الموت على الفراش الوثير جبنا وحرمانا، وعارا وشَنارا ... حين تعتبرونه أنتم راحة ومغنما ومكسبا وكرامة.

نحن أمة تعشق الشهادة

أمة تحب الموت في سبيل الله على أرض الجهاد ... حين تحبون تجرع الخمر في موائد الفنادق وولائم نجومكم السوداء الخمس.

أمة يتنافس أبناؤها لنيل الشهادة ... حين يتنافس أبناؤكم في المباريات الرياضية.

أمة يستشهد أبناؤها وهم يبنون دولة الحق والخير ... حين يموت أبناؤكم دفاعا عن دولة المجرمين، وأنظمة الفاسدين المفسدين.

أمة يحب أبناؤها عناق الثرى بدمائهم ... حين تحبون عناق الغانيات، والنوم في أحضان الراقصات.

أمة تحب أنغام السيوف، وصوت القنابل، ولعلعة الرصاص ... حين تحبون ألحان الشياطين، وحفلات السكارى، وليالي المجون وهز الخصور.

نحن أمة تهوى الشهادة :

أمة استثمرت أموالها في قصور الجنة ونعيمها وحورها وعينها ... حين استثمرتم كل ما لديكم في طين الأرض وغبارها.

أمة ترسل كل عائلة منها مندوبا إلى الجنة، يمهد لها الطريق، وينير لها الدرب ... حين يتهاوى قتلاكم في النار، ملعونين مقبوحين من أهل الأرض وملائكة السماء.

أمة تزف شهداءها إلى الجنة، كما يزف العروس إلى عُرْسِه، فالشهادة عندنا عرس ما بعده عرس ... حين تقيمون المآتم والمنادب والنعيق والنواح لقتلاكم جزعا على شبابهم المهدور.

نحن أمة الشهادة :

أنفاسها وعطرها شهادة ...

شرابها وطعامها شهادة ...

نومها وأحلامها شهادة ...

أفراحها وأحزانها شهادة ...

حياتها ومماتها شهادة ...

أرواحها ممزوجة بعطر الشهادة ...

فنحن أمة من الشهداء تمشي على الأرض.

نحن أمة ولَّادَةٌ للشهداء :

كلما سبقنا شهيد إلى جنان الخلد ... خَلَفه آلاف الشهداء الأحياء.

نحن أمة كسرت قواعد الحساب، وحطمت أصول المنطق ... فسيفنا المقبل على الشهادة بعشرين من سيوفكم المدبرة المُوليَّة.

نحن أمة : أزهار جنتها مروية بدماء شهدائها.

نحن أمة : رياض جنتها مظللة بسيوف أبطالها.

نحن أمة : دروب جنتها محروسة برماحها وخيولها.

نحن أمة : من دماء شهدائها يولد المسك ويبتسم الفجر.

نحن أمة : شعارها الشهادة أو النصر.

نحن أمة : حياتها بِشْرْ ... وموتها فخر ... وقبرها عطر.

وأنتم أمة اعتدتم رائحة أحذية العسكر ... وأدمنتم تقبيل أقدام الطواغيت ... وبعتم حريتكم وكرامتكم وآخرتكم على موائد المال والجنس والخمر.

نحن أمة الشهداء

منا فلان وفلان وفلان ... وآلاف بل ملايين الشهداء ... وسواء منهم من باح لنا التاريخ باسمه أو من أخفاه ... فهم نجوم وأقمار يعرفهم رب الأرض والسماء.

منا عُمَير بن الحُمام شهيد بدر، وأول شهيد من الأنصار في الإسلام، حين نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض"، قال عمير : يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض، قال : "نعم"، قال : بخ بخ، فقال رسول الله : "ما يحملك على قولك بخ بخ"، قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال : "فإنك من أهلها"، فأخرج عمير تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل*.

ومنا سَمُرَةُ ورافع : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ردَّ سمرة لصغر سنه وأجاز رافعا، فقال سمرة : أنا أصرع رافعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرافع وسمرة : "تصارعا"، فصرع سمرة رافعاً، فأجازه رسول الله فشهد أحداً مع المسلمين.

ومنا رِبعي بن عامر القائل لرستم حين سأله قبيل القادسية عن موعود الله لهم فأجاب ربعي : "الشهادة لمن مات، على قتال من أبى، والظفر لمن بقي".

ومنا خالد بن الوليد الذي أنذر الفرس المجوس برجال يحبون الموت في سبيل الله كما يحب أولئك الحياة والخمر والنساء ... والذي قال وهو على فراش الموت : "لقد شهدت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سهم، وهاأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العَيْر، فلا نامت أعين الجبناء".

ومنا عبد القادر صالح ... حجي مارع.     

سبقنا إلى جنة الخلد وجوار الرحمن ...

بعد أن سطر على أرض الشام، ملاحم من الأخلاق، ممهورة بزكي الدماء.

ونحن على دربه ماضون.

* راجع القصة بتمامها في صحيح مسلم.