مصر بين العسكر والإخوان!!

حسام مقلد *

[email protected]

فرح المصريون عندما قال الفريق أول عبدالفتاح السيسي قبل انقلابه العسكري بأسابيع قليلة: "نحن نمتلك أجهزة بحثية في الجيش، ولدينا معلومات، ونفهم كل شيء، وخيرٌ لنا أن نصبر على الوقوف أمام صناديق الانتخابات 14ساعة ولا أن ينزل الجيش للشوارع، لو نزل الجيش ستتأخر مصر 40سنة ..!!".

لكن الرجل للأسف الشديد لم يكن صادقا في هذا الكلام، ولم يكن أمينا في موقفه من الرئيس المنتخب، ولا في موقفه من الشعب المصري، ولا حتى في أداء مهام وظيفته كوزير دفاع معين من قِبَل الرئيس الشرعي وأقسم أمامه على حماية القانون والدستور... فما هي إلا أسابيع قليلة حتى حرك جنوده في طول البلاد وعرضها، وفي لحظة الصفر التي حددها مسبقا (مع بقية خيوط وأطراف المؤامرة ...) انقلب على رئيس الدولة واختطفه، وعطل الدستور، وعين رئيسا مؤقتا... طاعنا بانقلابه العسكري الغاشم ملايين المصريين طعنة غادرة!!

وعندما رفضت الغالبية الساحقة من الشعب المصري الانقلاب واعتصمت في الميادين وتظاهرت سلميا مُطالبة بزوال الانقلاب وإنهاء حكم العسكر لم يحتمل السيسي وجنوده سلمية المتظاهرين والمعتصمين التي عرَّتهم وفضحتهم أمام العالم فاندفع للعنف والبطش وأسرف في القتل ليرهب الشعب ويُسْكِت أصوات الملايين المدافعة عن الشرعية والرافضة للانقلاب.

على غير المتوقع منه قتل الفريق السيسي آلاف المصريين الأبرياء بدم بارد، واعتقل عشرات الآلاف وزجَّ بخيرة أبناء مصر إلى السجون والمعتقلات، وشنَّ عن طريق إعلامه الكذوب المُضَلِّل حملات مغرضة لبثِّ روح الحقد والكراهية والبغضاء ضد الإخوان المسلمين، ونجح إعلامه المسموم في تمزيق النسيج الاجتماعي المصري، ولأول مرة في التاريخ ينقسم الشعب المصري الواحد المتماسك إلى شعبين اثنين (كما قال وتغنى أحد الأبواق المنافقة):

·        شعب السيسي المؤيد للانقلاب والذي لا يتجاوز بأي حال 20٪ من المصريين، ويضم بعض المغيبين المُضَلَّلين، لكن أغلبه من عبيد البيادة والفلول والفاسدين والراقصات والراقصين والشواذ والسفلة والتافهين (وكل ذلك موثق بصور السيسي وسط شعبه من الكاسيات العاريات ...).

·        وشعب الشرعية والحرية والكرامة، وهم شرفاء الوطن من كافة الشرائح الاجتماعية الذين يشكلون الأغلبية الساحقة التي لا تقل عن 80٪ من الشعب المصري العظيم.

وها قد مر على وقوع هذا الانقلاب العسكري الغادر الخائن نحو خمسة أشهر والحياة متوقفة تماما في مصر فلا أمن ولا استقرار، ولا عمل ولا إنتاج، واقتصاد البلاد من سيء إلى أسوأ... والملايين غاضبة ورافضة للانقلاب ولا تكف عن التظاهر اعتراضا على مجازر الانقلاب وجرائمه البشعة التي يرتكبها بشكل يومي من قتل واعتقال للأبرياء وقمع للحريات وإذلال وقهر لأبناء الشعب المصري طال الجميع حتى النساء والفتيات وتلاميذ المرحلة الابتدائية، ولم تعترف بالانقلاب سوى بضع دول، وكل شرفاء وأحرار العالم يناهضونه ويرفضونه فلم يعد مقبولا أن يحكم العسكر شعوبهم بالحديد والنار!!

 وينبغي أن ندرك أن هذا الانقلاب الظالم لم يأتِ من فراغ؛ فالواضح أن العسكر قد تلاعبوا بجميع القوى السياسية المصرية منذ اندلاع ثورة 25يناير المباركة، فعندما تأكد لهم أنها ثورة شعبية عارمة اختاروا التضحية بالمخلوع، وتظاهروا بحماية الثورة والانحياز لإرادة الجماهير... وانخدعت جميع القوى السياسية بحيلة العسكر وبلعت الطُّعم وتركوا ميدان التحرير عقب إعلان تنحي مبارك، ولم يتم تطهير البلد من الفاسدين والمفسدين، وتولى العسكر حماية منظومة الفساد التي خلَّفها مبارك...

ولم يستغرق الأمر سوى بضعة أشهر حتى تم احتواء الثورة والثوار وجرى تشتيتهم وتمزيقهم لعشرات الإتلافات والقوى وتم استقطاب كل منهم على حدة، وبُثَّت بذور الفرقة والخلاف بينهم، وسعت جهات كثيرة بالوشاية والنميمة بين الجميع، فنُزِعت الثقة ودبت الخلافات الحادة، وتم الفرز إلى: جبهة الإسلاميين، وجبهة العلمانيين والليبراليين واليساريين... ثم تفتَّت كل  اتجاه... وفي غفلة من الثوار عاد فلول مبارك للمشهد تحت حماية العسكر بزعم التسامح وعدم الاقصاء... وفي الحقيقة كان يتم تمهيد الأرض للثورة المضادة؛ لوأد ثورة يناير والإجهاز عليها في اللحظة المناسبة!

في الحقيقة لقد أخطأت جميع القوى الثورية (وعلى رأسهم الإخوان المسلمون) حينما أفرطت في حسن النية، وأسرفت في منح ثقتها للعسكر الذين تحدث بعضهم صراحة (في فيديوهات معلنة...) عن استحالة تركهم البلد للمدنيين!! واستحالة تخليهم عن سلطتهم ونفوذهم ومصالحهم مهما حدث... وواضح جدا أن معركة مصر المصيرية هي ضد ديكتاتورية العسكر، ضد القمع والقهر والاستبداد الذين يريدون فرضه على البلاد والعباد بذرائع باطلة وحجج واهية.

في الواقع لقد كان الإخوان المسلمون على مستوى المسئولية عندما اعترفوا بخطأ تقديراتهم وحساباتهم السياسية التي اختارت الإصلاح المتدرج منخدعة بالعسكر ظنا منها أنهم وطنيون مخلصون سيدعمون الحق، ويقفون على الحياد يحمون الوطن ومقدراته... وكان الإخوان المسلمون على مستوى المسئولية مرة أخرى عندما اعترفوا بخطأ ابتعادهم عن شباب الثورة في وقت من الأوقات ظنا منهم أن التوقف عن المظاهرات يساعد على استكمال المؤسسات الدستورية التي ستُكمل مسيرة ثورة يناير، وهذا الخيار كان يمكن أن ينجح في حال أخلص العسكر لله تعالى ولوطنهم الغالي، وحموا الثورة، ولم يتآمروا في الخفاء للقيام بانقلابهم الظالم الذي ما هو إلا ثورة مضادة!

والآن مطلوب من جميع القوى الثورية وجميع الوطنيين الشرفاء التوحد ضد مطامع العسكر، والتوقف فورا عن التخوين والتشكيك في الآخرين، والالتفاف حول أهداف ثورة يناير التي يحاول العسكر والفلول اغتيالها والإجهاز عليها، لكنهم لن يفلحوا أبدا، وبإذن الله تعالى لن ترجع مصر إلى حكم العسكر مرة ثانية بعد أن ذاقت الحرية والكرامة في عهد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي... وسيروي المصريون شجرة الحرية بدمائهم الزكية الطاهرة... ومهما بلغت قسوة العسكر وجبروتهم فسلميتُنا أقوى من رصاصاتهم ودباباتهم وطائراتهم، وسينصرنا الله تعالى عليهم مهما طال الزمن... وإن غدا لناظره لقريب... "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (الشعراء: 227).

               

 * كاتب إسلامي مصري