توقيعٌ بالدم على أنغام الانفجارات

د.مصطفى يوسف اللداوي

د.مصطفى يوسف اللداوي

[email protected]

هل أصبحت المتفجرات جزءاً من حياتنا اليومية، ننام ونصحو عليها، نحلم بها ونفكر فيها، نتوقعها ونتخيلها، ونترقبها ونحسب لها، نعرف مكانها ونتوقع زمانها، ونقدر حجمها ونخمن عدد ضحاياها، ونعرف آثارها وحقيقة نتائجها.

هل أصبحت الانفجارات لا تقلقنا أصواتها، ولا ترعبنا آثارها، ولا تخيفنا مناظر الدماء التي تخلفها، والأشلاء والأجساد الممزقة التي تتركها، والأطراف المبعثرة التي تنشرها، ولا يبعث فينا الخوف تتالي انفجارات السيارات المحترقة، ولا سقوط الشرفات والواجهات المتهاوية، وانهيار الجدران وعمق الحفر.

قد باتت أوطاننا العربية وكراً للمتفجرات، وساحةً للصراع، وحلبةً للعراك، وميداناً للقتال، وشعوبنا هي الوقود، وهي حطب النار التي لا ينطفئ أوارها، ولا يخبو لهيبها، فلا الحروب تتوقف، ولا الضحايا تقل أعدادهم، ونحن وحدنا الخاسرون، المقتولون، الممزقون، المبعثرون، المشتتون، الباكون، الحزينون، الثكالى والمفجوعون، المصابون والمعاقون، ونحن الراحلون والهاربون، والفارون والمهاجرون، واللاجئون والمهجرون، ونحن اللاعنون والملعونون، والظالمون والمظلومون، والهالكون والمهلكون.

ألا إن بلادنا واحدة، وأوطاننا عزيزة، وشعوبنا كلها لنا أهلٌ وولد، ودماؤنا علينا كلها حرام، فلا استباحة لدم، ولا إرهاب لأهل، ولا ترويع لشعب، ولا اعتداء على جيران، ولا استباحة لدمٍ في مكان، ولا اعتداء على عرضٍ في آخر، ولا ترويع لشعبٍ، ولا إهانة لأهل، ولا تهجير ولا ترحيل ولا طرد، ولا تطهير ولا إبادة ولا شطب، بل كرامة الشعوب لنا كرامة، وعزتهم لنا عزةً ورفعة.

ألا نغار من غيرنا، ألا نحسد أعداءنا، ألا نعمل بعملهم، ونكون مثلهم، ألا نحب أن يسود بيينا أمنهم، ويشيع في أرضنا سلامهم، فلا حروب ولا قتال، ولا صراع ولا احتراب، ولا تكفير ولا فتنة، ولا طائفية ولا مذهبية، إنهم يحرسون أنفسهم، ويحفظون حياتهم، ويهتمون بأطفالهم، ويصنعون لهم مستقبلهم، ويبنون لهم مدارسهم وملاعبهم، ويشترون لهم ملاهيهم، وما لذ وطاب من مطاعمهم ومشاربهم، وعندهم لا يشكو مواطنهم من جوعٍ ولا خوف، ولا يهدده خطر ولا يستهدفه غريب، ولا يستقوي عليه ظالم، ولا يعتدي عليه شبيحةٌ ولا عصابةٌ ولا بلطجية.

أما من عاقلٍ يحقن الدماء، ويصرخ في وجه المارقين السفاء، ويعقل القتلة البلهاء، ويؤمن الشعب والدهماء، أما من أصواتٍ عاقلة تقول لقد تعبنا، لقد هرمنا، لقد مللنا الخوف والقلق والترويع والإرهاب، قد سئمنا من الجنائز، وعفنا المقابر، وكرهنا بيوت العزاء، وسرداقات الموت، وبات صراخ الأطفال يدمينا، ونحيب الأمهات يقتلنا، وانكسار الأخوات والشقيقات يهدنا، ودموع الآباء وعجزهم يذلنا ويقهرنا.

تكالب علينا الموت وصانعوه، واشترك في قتلنا أهلنا وأعداؤنا، وجيراننا وجيران جيراننا، وساهم في القتل من سمع بالفزعة فأقبل، ومن نودي فاستجاب، ومن استنصر فنصر، ومن كان عنده فضل سكينٍ أو بقايا نصل، وجاء ليقتل من دفن يوماً بارودة، أو أخفى في الأرض قنبلةً أو عبوة.

واشترك في قتلنا من لم يعرف القتل من قبل، وأراد أن يجرب نفسه ويعرف قدراته، فجاء يتمنطق سلاحه، ويشهر بيده آلة القتل، بل حربة الموت، فمنهم من وضع على الأرض حجراً، وقطع بآلةٍ حادةٍ رأساً، ومنهم من زرع في سيارةٍ مموهةٍ عبوةً ناسفة، وأدخلها فناءاً للأبرياء، ومنطقةً للآمنين، وفجرها بينهم، ليقتل آمنهم وخائفهم، صغيرهم وكبيرهم، رجلهم والمرأة فيهم.

ومنهم من ارتحل ليقتل، وسافر ليذبح، وانتقل من بلاده ليوزع الموت، ويفرق القتل، ويبيد الخلق، وينشر الرعب والهلع، ويستقوي ويقوي، وينصر وينتصر، والقاتل والمقتول منا، وخسارتنا واحدة، وفجيعتنا مشتركة، والنصر هزيمة، والاستعلاء استخذاء، والقوة ضعف، والبريق سيتبعه عمى وتيه.

كلنا للقتلة أدواتٌ، وللعدو وسائل وآلياتٌ، نفذنا رغبته، وحققنا غايته، ورسمنا البسمة التي يريدها على وجهه، والتي عجز عن نيلها، وفشل في تحقيقها، وخاب أمله دونها، فنال بأيدينا ما تمنى، وقد امتهن الجهلة فينا صنعة الموت، وحرفة القتل، ومهنة الذبح، وهواية الحرابة، فكان قتلنا حرقاً وقصفاً، وذبحاً وسحلاً، وخنقاً ووأداً ودفناً، واغتصاباً وخازوقاً، والقتلة في أغلبهم جهلة، لا يقرأون ولا يكتبون، ولا يفكرون ولا يعقلون، ولا يدركون ولا يعوون، ولا يميزون ولا يفرقون، تحركهم الغزائز، وتقودهم الشهوات، وتتحكم فيهم المصالح والغوايات.

قاتل الله من سلبنا الحياة، ومن حرم أولادنا من أهلهم، وانتزعهم من محيطهم، وأخرجهم من بيئتهم وحاضنتهم، وأهلك الله من يتم أطفالنا، ورمل نساءنا، وعاث في أرضنا الفساد، فخرب بلادنا، ودمر بيوتنا، وشرد أهلنا، وسفك دماء شعوبنا.

ألا تعساً للمفجرين، وتباً للمخططين، ولعنة الله على المنفذين، وقاتل الله من كان قادراً على حقن الدماء وتأخر، ومن كان باستطاعته وقف التفجيرات ولم يعجل، ومن كان بمقدوره بسط السلام، ونشر الأمان، وتعميم الطمأنينة بين الناس وتردد.

ألا إننا ندين كل تفجير، ونستنكر كل قتل، ونرفض كل إرهاب، ونعوذ بالله من كل جريمة، ونبرأ إلى الله من كل غدرٍ وخيانة، ونستعيذ بالله من كل مجرمٍ ظالم، ومن كل ضالٍ وقاتل، ومن كل مبيرٍ وفاسد.