كيف نربي أطفالنا ؟

في بدء فواتح الخير مع حلول شهر الصيام ، أحببت أن يكون مع أحبابي جلسات تذكير ، فاخترت أن يكون أول عمل كتابي ، يتوجه للنشء جيل المستقبل  ، و كلنا يعلم مدى أهمية رعاية الأطفال في صناعة الجيل الرسالي .

مع اهتمام التربية الحديثة بعالم الطفولة بجميع مدراسها التربوية ، ألا أنني اخترت  المدرسة النبوية ودورها في الرعاية التربية الموجهة لجيل المستقبل نموذجا ، فدور التربية النموذجية في تشكيل شخصية الطفل الرسالي مهم للغاية  .

فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج التطبيقي الصحيح  في التنشئة الصحيحة ، وقد وقفت على صور رائعة في فن  حسن التعامل النبوي مع الأطفال ، فقد  قامت تلك العلاقة التربوية  على أساس الحب وحسن العشرة ، تربية  صاغت كل المعاملات الأسرية في البيت، فكان نموذجا مثالا مع أهله ، فكان قرآنا يمشي في الأرض ، كان مثالا يحتذى به في التأسي ، فقد حظى الصغار من تلك التربية الاحظ  كبير ، الذي لا  يمكن بحال إهمال مصدر سعادة البيت وبهجتها ، فأطفال هم شموع الأمل ،  الذي يبعث فينا راحة بال لا تشترى ، فكان لهم النصيب الأوفر في الرعاية النبوية  ، رغم مهامه الكثيرة .

فكان نصيب الرعاية الذي يقوم على تلبية معظم  حاجاتهم النفسية والمادية  والتربوية  ، فكانت التربية تراعي جوانب الشمول والتكامل ، فلم تهمل حاجيتهم  البيولوجية الغداء والرعاية الصحية و البدنية والعقلية  ، ولم تهمل الجوانب النفسية ، فوفرت لهم بيئة سليمة ، قامت على الملاطفة واللعب  والممازحة ، واهداء الهدية ،  فدور الجانب العاطفي مهم في هذه التنشئة ، فالحرمان ينتج لنا شخصية غير سوية ، تكون عرضة لانحرافات مستقبلية.     

يحكي لنا أنس بن مالك عن حنو النبي - صلى الله عليه وسلم - على ابنه إبراهيم وغيره من الأطفال، فيقول: (ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت .. فيأخذه، فيقبِّلُه ثم يرجع) .

فالنبي لم يهمل هذا الجانب ، فأعطاه حقه كاملا غير منقوص .

واليوم أصبح هذا الأسلوب بيداغوجية تربوية  تطبقها أرقى  المنظومات  التربوية الحديثة  ، التي اصطلحت عليه  بيداغوجية اللعب ، والتي تطبقها اليوم  أرقى هذه  الدول .

فالتربية النبوية  جعلت من قبلة الصغار وحضنهم  واللعب معهم بهذا الأسلوب البسيط  ، يحرم منه الصغار في  يومنا هذا ، بل تقابله قسوة المعاملة والجفاء وغلظة الطبع ،  بل العجيب أن الواحد منا أصبح يفاخر بغلظة المعاملة مع أبنائه وهذا  مؤسف جدا ،  وتلك الرعونة سيكون نتاجها  محصول تربية غير صالحة ، يشقى بها المجتمع والأمة .

لعل الدروس النبوية لا تتوقف كما جاء في السنة الصحيحة  ،   قدم ناس من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «نعم». قالوا: لكنا والله ما نقبِّل! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة!» 

و من التربية الخاطئة التي يمارسها البعض التربية بالحرمان والتضييق على الأبناء وعدم مشاركتهم الأمور الحياتية ، بدعوى أنهم صغار لا يفهمون   أو لا يضيقون تحمل الأعباء وهذا خطأ كبير ، فتدريب الأبناء على بعض التكاليف الحياتية مهم ، المهم أن  يكون التدريب تحت رعاية الكبار وتوجيههم  ، حتى يتدرب الطفل على الجد من صغره ويتعلمون  المسؤولية ، كالقيام  على خدمة نفسه ،  بتوظيف فراشه ولباسه وترتيب  أغراضه ،   مشاركة الوالدين  في الذهاب للمسجد و حضور حلقات العلم   ، و الأنشطة الثقافية النافعة  ، كلها واجبات مهمة في التنشئة الصحيحة .

ومن الأمور المهمة التي يجب على المربي في الأسرة أو المدرسة أن يراعيها التزام  جوانب القدوة في القول والعمل ، فالأطفال يتعلمون من الأباء والمربين الصدق والأمانة والوفاء بالوعود ، يتعلمون منهم النظام وحسن المعاملة ، فلو رأى الطفل أباه يكذب فسوف يقلده في كذبه و لو رآه يسرق فسوف يقلده في السرقة ، ولو رآه يغش ويفجر  في الخصوم  فسوف يقلده ليكون نسخة طبق الأصل لمربيه .

فقد جاء في السنن  عن عبد الله بن عامر أنه دعته أمه يوماً ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في البيت، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: تمراً، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبتْ عليكِ كذبة»، وفي رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة» .

وفي ختام المقال علينا أن نربي  أطفالنا  على محبة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته ، وهو أقرب طريق للتربية الصحيحة وسبيلها أيضا  محبة أصحابه عليهم الرضوان.

وسوم: العدد 1073