من غزّة إلى أبو غريب: عَوْد دائم إلى رباط الفظائع

لا سبب، مبدئياً، يدعو للتعجب من تزامن حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة، الدائرة طوال 200 يوم حتى الساعة؛ مع واقعة تسجل بدء أوّل محكمة فدرالية أمريكية، في ولاية فرجينيا، النظر في قضية ثلاثة عراقيين تعرضوا للتعذيب في سجن أبو غريب، وذلك بعد انقضاء 20 سنة على تلك الفظائع. بل، في المقابل، ثمة كلّ الأسباب التي تعتبر الارتباط وثيقاً تماماً لجهة علاقة أمريكا الرسمية بالملفّين معاً، أوّلاً؛ ولأنّ أجهزة حكومية أمريكية، مثل الجيش والمخابرات المركزية، هي التي تُسأل عن انتهاكات أبو غريب مثل انتهاكات قطاع غزّة، سواء بسواء، ثانياً.

ذو دلالة خاصة، ثالثاً، أنّ المحكمة الفدرالية الأمريكية ما كانت ستقبل الدعوى القضائية في الأصل لولا أنها تُرفع ضدّ شركة أمنية خاصة (مركز التحليل الموحد CACI) شاركت في التحقيقات وأعمال التعذيب؛ وليس ضدّ الجيش الأمريكي ذاته أو الحكومة الفدرالية، فهذه تتمتع بحصانة عليا يوفّرها قانون قديم راسخ يعود إلى سنة 1946. وقد يصحّ، كذلك، التشديد على ما ذكّرت به منظمة «هيومان رايتس وتش» من أنّ العراقيين الثلاثة حالفهم حظّ المساندة من «مركز الحقوق الدستورية» الأمريكي؛ وهذا ما لم يتمتع به العشرات من ضحايا السجن المشؤوم، ممّن لم تُفتح ملفاتهم أو تآكلت تحت غبار الإهمال.

أدراج الرياح كان مصير رسالة مفتوحة وقّعها 12 من حَمَلة جائزة نوبل للسلام، انتموا إلى أربع رياح الأرض وليس إلى الولايات المتحدة وحدها، وسنوات فوزهم تمتد من 1976 وحتى 2011؛ وجهوا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (زميلهم في الجائزة!) تسأله إطلاع الرأي العام، الأمريكي والعالمي، على محتوى تقرير أعده مجلس الشيوخ حول لجوء أجهزة الاستخبارات إلى تقنيات تعذيب مختلفة أثناء التحقيقات مع معتقلين بتهمة الإرهاب، بعد 11/9/2001. يومها كان البيت الأبيض، المنحاز تلقائياً وتاريخياً إلى صفّ الاستخبارات ضدّ هيئات حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة، وافق على نشر 500 صفحة فقط، من أصل 6000؛ الأمر الذي عنى أنّ الأمريكي، والمواطن العالمي، مخوّل بالاطلاع على 1/12 من الحقائق، ليس أكثر!

ورغم نبرة التهذيب والكياسة التي طبعت الرسالة، فإنّ الموقعين لم يترددوا في تسجيل إحالات قصوى، بصدد مستويات ممارسة التعذيب على الأقلّ، إلى دول وأنظمة مثل اليابان الإمبريالية، وألمانيا النازية، وفرنسا في الجزائر؛ مستذكرين أنّ: «المسائل التي تكتنف استخدام التعذيب ليست على بساطة التفكير في كيفية معاملة مشتبه بالإرهاب، أو الزعم بالغ التضليل بأنّ التعذيب ينتج معلومات ‘أفضل’ من التحقيق النموذجي، بحيث يُبرر استخدامه. التعذيب كان على الدوام، وسوف يظلّ، مبرراً في أذهان الآمرين بممارسته وحدهم». وتابعت الرسالة: «لكنّ التعذيب الواقع على كائن آدمي لا يمكن تبسيطه هكذا. كما لا يمكن أن يكون الأذى أحادي الجانب. نعم، فالضحية يعاني صدمة معنوية وجسدية، تبلغ في بعض الأحيان درجة فقدان الحياة. لكن أولئك الذين يمارسون التعذيب، أسوة بالذين يأمرون به، ينحطون جراء ذلك على نحو لا سبيل لعلاجه».

وكان الحكماء الـ12، موقّعو الرسالة، قد أسمعوا حقاً لو نادوا زميلاً يشاطرهم هذا اليقين، بوصفه الحدّ الأدنى اللائق بحامل نوبل السلام؛ ولكن لم يكن ثمة حياة، بهذا المعنى، لمَن نادوا وناشدوا، وكان خيراً لهم أن يعودوا إلى سلف أوباما، جورج بوش الابن، الذي أعطى الخلفية الأخلاقية الأبعد، إذا جاز الحديث أصلاً عن خلفية كهذه، لفظائع أبو غريب، ثمّ معتقل غوانتانامو، ضمن حزمة إجراءات أخرى خارجة عن القانون الدولي والقانون الأمريكي ذاته أيضاً. كلّ هذا في سياقات ما أسمته الإدارة بـ «الحرب على الإرهاب» وضمن قاعدة ذهبية استنها بوش، في آذار (مارس) 2002: « تذكروا… هؤلاء الأشخاص في غوانتانامو قتلة لا يشاركوننا نفس القِيَم».

الأرجح أنّ المحاكمة الأولى لفظائع سجن أبو غريب، أياً كانت مآلاتها، لن تشكّل سابقة قانونية نوعية تفتح آفاقا أخرى أمام منظمات حقوق الإنسان في اللجوء إلى القضاء

إنها، إذن، حكاية قيم، أخلاقية، أو فكرية أو سياسية أو ثقافية، وليست مسألة قوانين مرعية وقضاء مستقلّ ومحاكم عادلة تنظّم شؤون الجريمة والعقاب. وأيّ انتهاك للحقوق الإنسانية والقانونية للأفراد المعتقلين في أبو غريب أو غوانتانامو مشروع تماماً في منظار أوّل هو عدم اشتراك المتهم في القيم الأمريكية؛ وأنّ تلك القيم تتمتع ــ في الحكمة الأمريكية فقط! ــ بصواب أخلاقي مطلق، وبمنعة قانونية راسخة، فضلاً عن مختلف أنماط السطوة السياسية والعسكرية والاقتصادية… وهذه، في المجمل، حيثيات عليا تبيح المحظورات لحاملي القيم الأمريكية.

يومذاك توفّر قائل، ولم نعدم زميلاً له عربياً متحذلقاً راقصاً بين العقلانية الصنمية والليبرالية العصبوية، أدلى بدلوه هكذا: ولكن… أليست هذه هي الأمة ذاتها التي صوتت لانتخاب أوّل رجل أسود في تاريخ أمريكا، سار معظم برنامجه الانتخابي على خلاف أجندات سلفه، في مسائل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، في صلبها الموازنة بين خيارات الأمن القومي وقيم أمريكا الأخلاقية؟ صحيح، بالطبع، حتى ضمن فرضية حقّ يُراد به باطل، إذْ تُسجّل باسم أوباما خطوات شجاعة مثل حظر التعذيب رسمياً (على الأراضي الأمريكية فقط، كما يتوجب التذكير دائماً!) وإصدار الأمر بإغلاق معتقل غوانتانامو (مع التلكؤ في التنفيذ). ولكن… أليس أوباما هو، ذاته، الذي ظلّ مصرّاً على عدم الذهاب خطوة أبعد، سواء في رفض تعيين قاض مستقلّ للتحقيق في المسؤولية عن «مذكرات التعذيب» أو نشر تقرير مجلس الشيوخ، والتذرّع دائماً بضرورة الحفاظ على «مبدأ الإجماع» في مسائل الأمن القومي الأمريكي؟

وقبل أن يطلق أوباما وعوده، كانت ثلاثة كتب قد صدرت في هذا الموضوع، على سبيل ارتياد حقائق ذلك الملفّ المشين. كتاب «فريق التعذيب: مذكرات رمسفيلد وخيانة القيم الأمريكية» للمحامي البريطاني وأستاذ القانون فيليب ساندز؛ وكتاب جميل جعفر وأمريت سينغ، بعنوان «إدارة التعذيب: سجلّ موثق من واشنطن إلى أبو غريب»؛ وكتاب مايكل راتنر «محاكمة دونالد رمسفيلد: مقاضاة عن طريق كتاب» بالتعاون مع «مركز الحقوق الدستورية». كلها، إضافة إلى تحقيقات صحافيين أمثال سيمور هيرش ومارك دانر وجين ماير ورون سوزكند وسواهم، لاح أنها نفخت في قِرَب مثقوبة، فلم يسفر النفخ عمّا هو أفضل من 500 صفحة، من أصل… 6000!

ولِمَ يذهب المرء بعيداً؟ ألم يتحدث أوباما، في خطاب استلام جائزة نوبل إياها، عن حرب ضرورية من أجل السلام، وحروب عادلة من الطراز الذي كانت بلاده تخوضها في أفغانستان وفي العراق، وما تزال تخوضها اليوم هنا وهناك، علانية أو سرّاً، مباشرة أو تواطؤاً؟ ألا يبصم نائبه السابق والرئيس الحالي، جو بايدن، على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي تحت ذرائع واهية شتى، فلا يكتفي بانخراط تامّ مطلق خلف الوحشية الإسرائيلية، بل يضخّ المليارات وشتى الذخائر والأسلحة لتسعير جحيم الإبادة؟ ألا يتقصد أن يهرف بما لا يعرف، رغم سطوة أجهزته واستخباراته، فلا يتبنى سوى روايات الاحتلال حول قصف المشافي أو أعداد الضحايا أو المقابر الجماعية…؟

الأرجح أنّ المحاكمة الأولى لفظائع سجن أبو غريب، أياً كانت مآلاتها، لن تشكّل سابقة قانونية نوعية تفتح آفاقا أخرى أمام منظمات حقوق الإنسان في اللجوء إلى القضاء، ليس لأنّ أجهزة الجيش والاستخبارات محمية ومصانة قانوناً، فحسب؛ بل كذلك لأنّ تزامن أبو غريب مع حرب الإبادة الإسرائيلية، ليس أقلّ من عَوْد دائم إلى رباط الفظائع.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

 من غزّة إلى أبو غريب: عَوْد دائم إلى رباط الفظائع

منذ 24 ساعة

 

صبحي حديدي

حجم الخط 

لا سبب، مبدئياً، يدعو للتعجب من تزامن حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة، الدائرة طوال 200 يوم حتى الساعة؛ مع واقعة تسجل بدء أوّل محكمة فدرالية أمريكية، في ولاية فرجينيا، النظر في قضية ثلاثة عراقيين تعرضوا للتعذيب في سجن أبو غريب، وذلك بعد انقضاء 20 سنة على تلك الفظائع. بل، في المقابل، ثمة كلّ الأسباب التي تعتبر الارتباط وثيقاً تماماً لجهة علاقة أمريكا الرسمية بالملفّين معاً، أوّلاً؛ ولأنّ أجهزة حكومية أمريكية، مثل الجيش والمخابرات المركزية، هي التي تُسأل عن انتهاكات أبو غريب مثل انتهاكات قطاع غزّة، سواء بسواء، ثانياً.

ذو دلالة خاصة، ثالثاً، أنّ المحكمة الفدرالية الأمريكية ما كانت ستقبل الدعوى القضائية في الأصل لولا أنها تُرفع ضدّ شركة أمنية خاصة (مركز التحليل الموحد CACI) شاركت في التحقيقات وأعمال التعذيب؛ وليس ضدّ الجيش الأمريكي ذاته أو الحكومة الفدرالية، فهذه تتمتع بحصانة عليا يوفّرها قانون قديم راسخ يعود إلى سنة 1946. وقد يصحّ، كذلك، التشديد على ما ذكّرت به منظمة «هيومان رايتس وتش» من أنّ العراقيين الثلاثة حالفهم حظّ المساندة من «مركز الحقوق الدستورية» الأمريكي؛ وهذا ما لم يتمتع به العشرات من ضحايا السجن المشؤوم، ممّن لم تُفتح ملفاتهم أو تآكلت تحت غبار الإهمال.

أدراج الرياح كان مصير رسالة مفتوحة وقّعها 12 من حَمَلة جائزة نوبل للسلام، انتموا إلى أربع رياح الأرض وليس إلى الولايات المتحدة وحدها، وسنوات فوزهم تمتد من 1976 وحتى 2011؛ وجهوا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (زميلهم في الجائزة!) تسأله إطلاع الرأي العام، الأمريكي والعالمي، على محتوى تقرير أعده مجلس الشيوخ حول لجوء أجهزة الاستخبارات إلى تقنيات تعذيب مختلفة أثناء التحقيقات مع معتقلين بتهمة الإرهاب، بعد 11/9/2001. يومها كان البيت الأبيض، المنحاز تلقائياً وتاريخياً إلى صفّ الاستخبارات ضدّ هيئات حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة، وافق على نشر 500 صفحة فقط، من أصل 6000؛ الأمر الذي عنى أنّ الأمريكي، والمواطن العالمي، مخوّل بالاطلاع على 1/12 من الحقائق، ليس أكثر!

ورغم نبرة التهذيب والكياسة التي طبعت الرسالة، فإنّ الموقعين لم يترددوا في تسجيل إحالات قصوى، بصدد مستويات ممارسة التعذيب على الأقلّ، إلى دول وأنظمة مثل اليابان الإمبريالية، وألمانيا النازية، وفرنسا في الجزائر؛ مستذكرين أنّ: «المسائل التي تكتنف استخدام التعذيب ليست على بساطة التفكير في كيفية معاملة مشتبه بالإرهاب، أو الزعم بالغ التضليل بأنّ التعذيب ينتج معلومات ‘أفضل’ من التحقيق النموذجي، بحيث يُبرر استخدامه. التعذيب كان على الدوام، وسوف يظلّ، مبرراً في أذهان الآمرين بممارسته وحدهم». وتابعت الرسالة: «لكنّ التعذيب الواقع على كائن آدمي لا يمكن تبسيطه هكذا. كما لا يمكن أن يكون الأذى أحادي الجانب. نعم، فالضحية يعاني صدمة معنوية وجسدية، تبلغ في بعض الأحيان درجة فقدان الحياة. لكن أولئك الذين يمارسون التعذيب، أسوة بالذين يأمرون به، ينحطون جراء ذلك على نحو لا سبيل لعلاجه».

وكان الحكماء الـ12، موقّعو الرسالة، قد أسمعوا حقاً لو نادوا زميلاً يشاطرهم هذا اليقين، بوصفه الحدّ الأدنى اللائق بحامل نوبل السلام؛ ولكن لم يكن ثمة حياة، بهذا المعنى، لمَن نادوا وناشدوا، وكان خيراً لهم أن يعودوا إلى سلف أوباما، جورج بوش الابن، الذي أعطى الخلفية الأخلاقية الأبعد، إذا جاز الحديث أصلاً عن خلفية كهذه، لفظائع أبو غريب، ثمّ معتقل غوانتانامو، ضمن حزمة إجراءات أخرى خارجة عن القانون الدولي والقانون الأمريكي ذاته أيضاً. كلّ هذا في سياقات ما أسمته الإدارة بـ «الحرب على الإرهاب» وضمن قاعدة ذهبية استنها بوش، في آذار (مارس) 2002: « تذكروا… هؤلاء الأشخاص في غوانتانامو قتلة لا يشاركوننا نفس القِيَم».

الأرجح أنّ المحاكمة الأولى لفظائع سجن أبو غريب، أياً كانت مآلاتها، لن تشكّل سابقة قانونية نوعية تفتح آفاقا أخرى أمام منظمات حقوق الإنسان في اللجوء إلى القضاء

إنها، إذن، حكاية قيم، أخلاقية، أو فكرية أو سياسية أو ثقافية، وليست مسألة قوانين مرعية وقضاء مستقلّ ومحاكم عادلة تنظّم شؤون الجريمة والعقاب. وأيّ انتهاك للحقوق الإنسانية والقانونية للأفراد المعتقلين في أبو غريب أو غوانتانامو مشروع تماماً في منظار أوّل هو عدم اشتراك المتهم في القيم الأمريكية؛ وأنّ تلك القيم تتمتع ــ في الحكمة الأمريكية فقط! ــ بصواب أخلاقي مطلق، وبمنعة قانونية راسخة، فضلاً عن مختلف أنماط السطوة السياسية والعسكرية والاقتصادية… وهذه، في المجمل، حيثيات عليا تبيح المحظورات لحاملي القيم الأمريكية.

يومذاك توفّر قائل، ولم نعدم زميلاً له عربياً متحذلقاً راقصاً بين العقلانية الصنمية والليبرالية العصبوية، أدلى بدلوه هكذا: ولكن… أليست هذه هي الأمة ذاتها التي صوتت لانتخاب أوّل رجل أسود في تاريخ أمريكا، سار معظم برنامجه الانتخابي على خلاف أجندات سلفه، في مسائل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، في صلبها الموازنة بين خيارات الأمن القومي وقيم أمريكا الأخلاقية؟ صحيح، بالطبع، حتى ضمن فرضية حقّ يُراد به باطل، إذْ تُسجّل باسم أوباما خطوات شجاعة مثل حظر التعذيب رسمياً (على الأراضي الأمريكية فقط، كما يتوجب التذكير دائماً!) وإصدار الأمر بإغلاق معتقل غوانتانامو (مع التلكؤ في التنفيذ). ولكن… أليس أوباما هو، ذاته، الذي ظلّ مصرّاً على عدم الذهاب خطوة أبعد، سواء في رفض تعيين قاض مستقلّ للتحقيق في المسؤولية عن «مذكرات التعذيب» أو نشر تقرير مجلس الشيوخ، والتذرّع دائماً بضرورة الحفاظ على «مبدأ الإجماع» في مسائل الأمن القومي الأمريكي؟

وقبل أن يطلق أوباما وعوده، كانت ثلاثة كتب قد صدرت في هذا الموضوع، على سبيل ارتياد حقائق ذلك الملفّ المشين. كتاب «فريق التعذيب: مذكرات رمسفيلد وخيانة القيم الأمريكية» للمحامي البريطاني وأستاذ القانون فيليب ساندز؛ وكتاب جميل جعفر وأمريت سينغ، بعنوان «إدارة التعذيب: سجلّ موثق من واشنطن إلى أبو غريب»؛ وكتاب مايكل راتنر «محاكمة دونالد رمسفيلد: مقاضاة عن طريق كتاب» بالتعاون مع «مركز الحقوق الدستورية». كلها، إضافة إلى تحقيقات صحافيين أمثال سيمور هيرش ومارك دانر وجين ماير ورون سوزكند وسواهم، لاح أنها نفخت في قِرَب مثقوبة، فلم يسفر النفخ عمّا هو أفضل من 500 صفحة، من أصل… 6000!

ولِمَ يذهب المرء بعيداً؟ ألم يتحدث أوباما، في خطاب استلام جائزة نوبل إياها، عن حرب ضرورية من أجل السلام، وحروب عادلة من الطراز الذي كانت بلاده تخوضها في أفغانستان وفي العراق، وما تزال تخوضها اليوم هنا وهناك، علانية أو سرّاً، مباشرة أو تواطؤاً؟ ألا يبصم نائبه السابق والرئيس الحالي، جو بايدن، على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي تحت ذرائع واهية شتى، فلا يكتفي بانخراط تامّ مطلق خلف الوحشية الإسرائيلية، بل يضخّ المليارات وشتى الذخائر والأسلحة لتسعير جحيم الإبادة؟ ألا يتقصد أن يهرف بما لا يعرف، رغم سطوة أجهزته واستخباراته، فلا يتبنى سوى روايات الاحتلال حول قصف المشافي أو أعداد الضحايا أو المقابر الجماعية…؟

الأرجح أنّ المحاكمة الأولى لفظائع سجن أبو غريب، أياً كانت مآلاتها، لن تشكّل سابقة قانونية نوعية تفتح آفاقا أخرى أمام منظمات حقوق الإنسان في اللجوء إلى القضاء، ليس لأنّ أجهزة الجيش والاستخبارات محمية ومصانة قانوناً، فحسب؛ بل كذلك لأنّ تزامن أبو غريب مع حرب الإبادة الإسرائيلية، ليس أقلّ من عَوْد دائم إلى رباط الفظائع.

وسوم: العدد 1078