عندما تصبح دبابة «ميركافا» حبل غسيل في غزة… «عطر احتياطي» لزوم الاستشهاد
«نتزين… نتعطر… ثم نذهب لمواجهة العدو، حتى نلقى الله عز وجل بأجمل هيئة».
هنا الإعلام العسكري والبث لتلك العبارة عبر شاشة «الجزيرة».
أحد قادة المقاومة في حي الشجاعية يخاطب جنوده ويبلغهم بضرورة خروجهم للقتال بأبهى صورة استعدادا للصلاة والجنة.
هذا نمط مبثوث من الإيمان لا يمكن مناقشته، والزينة يعرفها المحلل فايز الدويري، وهو يتحدث عن «أفضل وصفة لمواجهة الميركافا بالشبشب».
هل تذكرون الوصلة الشتوية، حيث ارتدى مقاتل أنيق معطفه الأسود في الشتاء وضرب الميركافا، عموما لذلك المعطف حكاية سنرويها يوما.
لكن المهم هو ما تبقى من رذاذ عطر في غزة، التي تباد ولا توجد فيها شربة ماء ولا لقمة خبز الآن، وسط تواطؤ وصمت وحشي غير مفهوم، أعتقد أن سببه المفصلي عربي، على الأقل، هو المعرفة المسبقة أن «لعنة أطفال غزة» ستطارد هؤلاء المتواطئين يوما ما.
حرب دينية
ما علينا التزين ورش، ولو قليل من العطر داخل الخنادق هي إشارة إيمانية مباشرة على ذلك المشارك في القتل أنتوني بلينكن، الذي حضر في بداية المعركة وخاطب الإسرائيليين قائلا «جئتكم بصفتي يهوديا وليس بصفتي وزير خارجية الولايات المتحدة»!
حسنا التقط المسلمون تلك الرسائل، التي لم ترسل بالبريد الإلكتروني، بل عبر حاملات الطائرات، التي أرسلها الغربيون لحماية الجريمة والقاتل، والتي ترتكب بحق أهالي قطاع غزة الذين يمثلون ربع سكان حي شبرا في القاهرة.
عندما يحضر الأمريكيون والغربيون لتغطية الجريمة الإسرائيلية بخطاب ديني، على العالم ألا يتوقع إلا الرد عليهم بخطاب ديني، يتخمر مع الأيام. بعد جرائم غزة الحية المتلفزة على محطة «سي أن أن» التوقف عن طرح سؤال سبمتبر/ أيلول القديم «.. لماذا يكرهوننا؟»!
يمكننا هنا ومع الغربيين العودة لمسلسل شهير بثته «أم بي سي» في وجبات رمضانية في الماضي يظهر فيه أحد كفار قريش وهو يصرخ: «محمد وصحبه في المدينة… يريدون حربا… حسنا سنمنحهم واحدة»! حتى في فيلم «الرسالة» هناك مشهد مطابق عندما اختارت هند بنت عتبة «الحبشي» ليقتل حمزة.
نعم ثقافة الكراهية اليوم معلبة ومغلفة ومصدرة من قصور الحكم في باريس ولندن وواشنطن وبرلين، تحمل الكراهية الدينية تلك التي تحاصر قلوبنا وضميرنا في غزة، بعدما أعلنت «بي بي سي» وبلا تردد وجود فارق بين قنابل أمريكية مصدرة لإسرائيل زنة 500 رطل وأخرى بزنة 2000.
للحق الثانية منعها الرئيس الكاذب جو بايدن، لكن الأولى سمح بها ولا يزال مسموحا بها وتواصل الوصول إلى شواطئ فلسطين المحتلة تباعا!
« ميركافا» وحبل غسيل
وعلى ذكر الشواطئ شاهدت بعيني صبايا فلسطينيات في مدينة العقبة يتفاعلن مؤخرا مع أغنية «علّي الكوفية» على متن أحد القوارب، ومجددا لو كانت شواطئنا حرة لسهر العرب عليها، لكن حرية تلك الشواطئ مسألة «حتمية»… هذا ما أبلغني به لاجئ في مخيم البقعة اسمه عبد الله لوح بأن الطوفان لم يصبح فلسطينيا بعد وسيصبح.
وعلى القناة الإسرائيلية 12 تسأل معلقة إسرائيلية: هل ما يبثه الإعلام العسكري التابع لحماس عن مخلفات المعادن الثقيلة للآليات الإسرائيلية في الشجاعية وتل السلطان يعكس الواقع؟
رد عليها الدويري عن بعد: صحيح طبعا ويعكس جزءا بسيطا فقط من الواقع.
ثمة صورة في السياق أذهلتنا، بثتها وكالة أنباء مصورة خاصة، فالسيدة الفلسطينية، وبعد انتهاء القصف وجمع الأشلاء غسلت ثياب العائلة ولم تجد منشرا لغسيلها إلا حطام دبابة ميركافا إسرائيلية أعطبها «أبو شبشب» للتو.
لوحة سيريالية تماما، السيدة نشرت ما تبقى من خرق وملابس على جدار الدبابة المعطوبة، ثم تحدثت عن «تشميس الملابس»، بدلا من غسلها فعلا بسبب ندرة المياه. قريبا، قد تستخدم بقايا الذخائر الأمريكية المرسلة كذلك.
سألت قياديا في حركة حماس: حسب معلوماتكم المقاومة محاصرة من العرب والعجم… من أين يحصل الشباب على الذخيرة والمعدات؟
الجواب: من الإسرائيليين، حيث صواريخ لم تنفجر ومعدات يتركها الجرحى والهاربون. هو مفهوم «الغنائم»، وكل ما يحصل في غزة اليوم يعيدنا تماما إلى مفهوم «الصراع الديني» على طريقة جماعة قريش… «تريدون حربا سنمنحكم إياها».
إنها بامتياز حرب الأخلاق مقابل نقيضها.. حرب الإنسان مقابل الطغيان الإمبريالي الأمريكي، وتحالف رأس المال الغربي – الإسرائيلي – الهندي، الذي تذكرته مجددا في الواقع عندما بثت قناة «سكاي نيوز» تحرشا مساحة خاصة مؤخرا لتغطية اللقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي، حيث أكثر الأخير من هز رأسه، فيما كان بوتين يخطب.
«سكاي نيوز» لم تهتم لأسباب بريئة باللقاء الهندي – الروسي، وعلى الأرجح تريد ممارسة ما تبقى من «شماتة»، لكن للتذكير العم بوتين مستعد تماما لاستضافة لقاء خاص لجميع الفصائل الفلسطينية على أساس المشروع الوطني، بعدما «اعتذر العرب» كل العرب عن استضافة اللقاء بما في ذلك الاشقاء في الجزائر.
بوتين سيفعل ذلك نكاية بالإسرائيليين، وبعدما ظهرت «الميركافا» في أوكرانيا، التي تستعد لاستقبال طائرات «أف 16» الأمريكية المتطورة الهجومية… ترقبوا الخطوة التالية للعجوز الروسي، وعلى رأي الفيديو الشهير: «والله لنكيف»!
وسوم: العدد 1087