بين الفضيلة والفن
يفضل دعاة التحرر في أوطاننا الخروج من القيود الموروثة والأعراف المجتمعية السائدة لقيم هويتنا حين تراهم يلبسون ثوبا جديدا من التحرر يحاولون من خلاله إزعاج المجتمع في خرجات بعض منسبي الإبداع الفني بكل طبوعه ، سواء كان هذا المنتج شعرا أو قصة أو رواية أو خاطرة ، أو قد يكون المنتج إبداعا سمعيا بصريا يتعلق بفنون المسرح أو السينما أو إنتاج تلفزيوني .
سأحاول مناقشة الموضوع بطريقة موضوعية ، أحاول الإجابة عن تساؤلات وجيهة هل الدعوة لفضيلة تناقض الإبداع الفني ؟
و هل هناك ضوابط أخلاقية وقانونية تنظم نشاط الفنان ودور النشر ؟
و هل من حق المجتمع حماية مقومات هويته من التفسخ والانحلال ؟
وهل هناك ميثاق شرف بين صانع المحتوى الفني والثقافي وجمهوره الثقافي ؟
كل هذه التساؤلات تحتاج منا طرحها و الإجابة عنها بندقية و نزاهة .
إن غاية رسالة الأدب أن يحمل في طياته توازنًا بين الفضيلة والإبداع الفني. وليس كما يفهمه قاصرو الرؤى والنظر ، أن يحصر في الزوايا الضيقة فيقتصر على الوعظ والإرشاد ، أو التوجيه الديني ، و آخرون يحصرون الإبداع بالخروج من المألوف المجتمعي ، بهتك الأستار ، إن هذا الفهم المشوه يلبسه للأسف صنف من بني جلدتي ، تأثروا بثقافات لا رابط لها بموروث ثقافة الهوية ، فهم يربطون كل ما تعلق بالهوية والأصالة رجعية وتخلف ، بل يرون ضرورة الخروج من عتق هذا الأسر المفروض ، بل يرون الواجب كسر كل التقاليد المرتبطة بهذا الموروث، كونه يعد في اعتقادهم تخلف ورجعية ، وهذا الفهم خاطئ يحتاج لتصويب ، وهذا فهم فيه لبس ليس دقيقًا ، لو عدنا للثقافة موروثنا الأدبي والفني لاكتشفنا زيف دعاوى القوم بقليل شرح مختصر :
الإبداع ظل سمة هذه الأمة ، فقد كان لوحتها المضيئة المشرفة لقرون عدة ، تمثل في التأليف والتعبير الأدبي والفني والعمراني وفي ميدان الطب وفنون التربية ، فعدّ الإبداع سمة تقدم الأمة وازدهارها .
ظل الإبداع في الأدب في موروث الأمة النابض المحرك لم يقتصر على الوعظ وفنون الخطابة ، بل تعدى ذلك المفهوم لجوانب مست الجمال و الفن ، فكان الشعر بكل فنونه وأضربه شاهدا على نبوغ إبداع هذه الأمة وشواهده في رفوف المكتبات لا تحصى و لا تعد.
أن من يحاول أن يصنع خصومة بين الفضيلة والإبداع واهم وحجره متخلف يجهل مفهوم للإبداع الذي يتجاوز مفهوم عقولهم القاص، فالإبداع أوسع مما يظنون ، فهو يحمل جمال الحس والمعنى ، يحمل معنى قيم الفضيلة ، يحمل معنى جمال القيم الإنسانية ، فالإبداع يجب أن يفهم بهذا الوسع و الإحاطة.
و بهذا البسط ، فالفضيلة والإبداع الفني ليست على تعارض بل هما في وفاق وتناغم نلمس آثارهما في المنتج الأدبي والفني الموروث ، شريطة ألا يشد أحدهما بالغلو و التطرف المذمومين.
لهذا لا نعجب حين ينتفض فصيل من المجتمع أو المجتمع كله حين يتمرد البعض بالخروج الصارخ ، حماية لمقومات هويته من التفسخ والانحلال. لأن الهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع ، تشكل حصنا و منعة أساسية لحصن الأمة ، فحق للمجتمع أن يحمي تراثه وتاريخه. إذا تعرضت إحدى مقومات الهوية للتشويه أو التمييع أو الطمس. قد يكون التساهل معه اندثار الهوية و قيمها ، و هذا يؤدي طبعا لزوال المجتمع والأمة . لذا، يجب أن يشكل المجتمع جدارا مانعا يحمي به مقدرات الأمة و المجتمع.
و على مؤسسات الدولة السيادية وكالة الحفاظ على هذه المقومات من خلال فرض القوانين، وتعزيز التعليم والتوعية والمحافظة على التقاليد والعادات الثقافية والاجتماعية. هذا كله يساهم في تعزيز لحمة الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع والحفاظ على هويتهم الحصينة .
كما للكاتب ودور النشر دور مهم في تعزيز الثقة بينهما وجمهوره ، حين يلتزم المصداقية و الشفافية ، باحترام روح المجتمع في نقل الحقائق دون خدش المشاعر أو مس خصوصية النسيج المجتمعي من خلال استعمال الإساءة اللفظية التي يرفضها المجتمع ، و عليه أن يدرك التبعة الملقاة عليه اتجاه المحتوى وتأثيره سلبا أو أيجابا على الملتقي، فيقبل النقاش المسؤول حول المنتج الإبداعي ، فهو حق طبيعي للجمهور والقراء ، وعلبه أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والقانونية التي تفرض عليه تحملها.
وخلاصة كلامي أن يدرك الجميع أهمية الملقاة على الفنانين والكتاب اتجاه هذه الرسالة العظيمة والنبيلة، والتي تؤدى بإخلاص ونزاهة ، مستشعرين ثقل المسؤولية الاجتماعية نحو جمهورنا كي تتولد علاقة تراص ومحبة ، تؤسس لعلاقة صحية دائمة أساسها الصدق والشفافية .
وسوم: العدد 1087