«عيد المساخر» في كونغرس الإبادة؟
لا بد أن عديدين في العالم ممن تابعوا خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الكونغرس أول أمس الأربعاء، وخصوصا من بلدان عاشت، أو ما تزال تعيش، في ظل أنظمة دكتاتورية، قد أحسّوا بضروب شتى من الاستغراب والاشمئزاز (والرعب) نتيجة ضروب الهستيريا والتقديس والمبالغة في التصفيق وقوفا التي أبداها أعضاء الكونغرس الأمريكي تجاه نتنياهو، في تشابهها مع سلوكيّات أعضاء برلمانات أخرى في نظم تقوم على سلطة الفرد المطلقة، كما كان الحال أيام هتلر في ألمانيا النازية وموسوليني في أيام الفاشية وستالين في أيام محاكمات التطهير السوفييتية، أو حتى في النماذج البائسة المعروفة في العالم حاليا مثل أشكال التصنيم والاستخذاء التي يقابل فيها الكوريون الشماليون ظهورات زعيمهم كيم جونغ اون، أو الطريقة التي يعامل بها برلمان النظام السوري رئيسه بشار الأسد (والذي سبق له أن عدّل الدستور في دقائق ليسمح له بوراثة الرئاسة من أبيه).
بدا الأمر، أحيانا، مثل «عيد المساخر» اليهودي، وأحيانا مثل السيرك السيئ التنظيم الذي تختلط فيه ألعاب الخفة بحركات القرود، أو بالمسرحية التراجيكوميدية، التي يحتار مشاهدها بين الضحك والبكاء، وذلك لما حفل به المشهد من مفارقات تناقض الصورة الراسخة لعظمة الديمقراطية الأمريكية، وخصوصا حين شاهدنا نواب وشيوخ الكونغرس يصفقون وقوفا 81 مرة لزعيم دولة أجنبية تمثل آخر دول الاستيطان العنصري في العالم، والذي وجّهت له محكمتا العدل الدولية والجنايات الدولية، أعلى مؤسسات القانون في العالم، أصابع الاتهام بالإبادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حدث هذا رغم توجيه 18 شخصية إسرائيلية، بينهم رؤساء سابقون لأركان الجيش والمخابرات رسالة لقادة مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين يعتبرون فيها نتنياهو تهديدا وجوديا لدولة إسرائيل!
الخطاب، على أي حال، تعبير واضح عن مجمل مسيرة نتنياهو التي تمثّل الحكومة الحالية التي يرأسها إحدى أكثر حكومات إسرائيل تطرفا حيث يقودها وزراء إرهابيون ومجرمون مدانون، مثل بن غفير (عشرات التهم بتأييد منظمات إرهابية والتحريض على العنصرية والشغب وتخريب الممتلكات)، وسموتريتش (اعتقل بتهم تحريض ومن قادة التمرد على خطة إخلاء مستوطنات غزة وداعية للقتل ضد الفلسطينيين).
يبدو حضور نتنياهو في الكونغرس، في وقت المذبحة الفلسطينية الهائلة حاليا، وهذا الاحتفاء الأمريكي به، محمّلا بعناصر أسطورية أمريكية يتم فيها تركيب صورة استعمار الأمريكيين الأوائل لأراضي السكان الأصليين في أمريكا على نموذج إسرائيل مع الفلسطينيين، لكنّه يشير أيضا إلى السطوة الهائلة لإسرائيل، ولوبياتها، على الساسة الأمريكيين، كما يشير إلى وجود عطب يتزايد خطورة في السياسة الأمريكية، يمثّله صعود اليمين المتطرّف الشعبوي الذي يمثّله دونالد ترامب، والذي يحضر فيه الاحتقار للديمقراطية ومؤسساتها، كما أظهره هجوم أنصاره على الكونغرس عام 2020.
حضر نتنياهو إلى واشنطن لا ليقدّم هدايا، ولا ليعلن عن صفقة تسوية، كما نشر من ضباب أقاويله قبل إعلان خطابه، بل ليقوم بالحركة الأخيرة التي يعتقد أنها ذروة حياته السياسية، وهي تأجيج الحرب الشاملة، ليس ضد «حماس» فحسب، بل ضد منظمة التحرير، وضد الفلسطينيين لاستكمال النكبة الأولى وتحقيق أهداف الصهيونية الدينية، ولو أدى ذلك لإشعال المنطقة العربية، ولحرب ضد إيران.
قدّم الاحتفاء الذي حظي به رئيس الحكومة الإسرائيلية في الكونغرس موافقة متحمسة من الجهاز التشريعي الأمريكي على حرب الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين، ويمكن التكهّن قريبا من لقاءاته مع دونالد ترامب وكامالا هاريس وجو بايدن، والتصرّفات التي سيتخذها على الأرض عن أثر الضغط الذي مثّله «عيد المساخر» الآنف على تأييد واشنطن للاستمرار في حرب الإبادة وربما دخول حروب إقليمية أوسع.
وسوم: العدد 1089