«حزب الله»… ماذا بعد؟ وهل هناك بعد؟!
هرمنا يا عزيزي الشيخ حسن نصر الله! فخلال ثمانية عشر عاماً، تغيرت أشياء كثيرة، حتى موقع استماعي له، وهيئة جلوسي أمام التلفزيون، ولم يكن ما تغير في الشيخ هو شكله، وهذه اللحية التي وإن استمرت على حالها، إلا أن الشيب ضربها تماماً، فنحن أمام ثمانية عشر عاماً، وهي عمر، كما يقول المصريون!
وبينما أشاهده عبر الشاشة الصغيرة، اختفت للحظات صورته وشاهدت مبارك يتمدد في الشاشة طولاً وعرضاً، وهو ينظر لي نظرة ماكرة، كان نظامه قلقاً من فتنة انتصار «حزب الله»، وتم تسخير البرامج التلفزيونية للتهوين من قدره ومن انتصاره، فليس في مصلحة الأنظمة العربية أن تهزم إسرائيل، وأن حزباً لا جيشاً نظامياً هو من يهزمها، وكان سدنة المعبد يروجون بأن البديل لمبارك اختصاص إسرائيلي أصيل، فلا حول لنا ولا قوة!
وتبرع المدير السابق لمكتب مبارك للمعلومات، والمتعلق في أستار السلطة، أي سلطة، مصطفى الفقي، بإرسال رسالة للمصريين، وللحراك السياسي، بأن إسرائيل هي من ستختار خليفة مبارك، وكان يدفع الناس للتسليم بجمال مبارك خليفة لوالده، فمن غيره يستطيع أن يحصل على هذا التأييد الإسرائيلي؟!
كلام مهين، لكن الفقي كان ينوب عن الأسرة الحاكمة في ارسال الرسائل، وهو بارع في ذلك، يخترع قصصاً، تبدو عادية، لكنها تحمل رسائل بين السطور لمن يهمه الأمر، وطلباته واضحة، إنه يتحدث عن بخل الكويتيين، وهي رسالة مسكونة بالطلب، وفي مقابلة تلفزيونية مع شاشة سعودية قال مرة إن زوجة عبد الناصر ذهبت للحج بعد وفاته، واهتم بها القصر الملكي اهتماماً بالغاً ومن فرط الاهتمام والحفاوة قالت له إنها لا تعرف لماذا كان زوجها يعاديهم وهم هكذا؟
ويقول إن وفداً سعودياً من أبناء الملك عبد العزيز برئاسة ولي العهد جاء لمصر وأقاموا في القصر الجمهوري أياماً بعد نشر مجلة سعودية موضوعاً ضد نجلي الرئيس، لم يتكلموا في شيء، وكيف أن مبارك أدهشه طريقة الاعتذار هذه. إنهم أناس يفهمون في الأصول.. هكذا قال مبارك له!
وموضوع قرينة الرئيس عبد الناصر، لا شاهد عليه، إنما الشاهد في موضوع مجلة «الشرق الأوسط»، إن القضية المرفوعة من جمال وعلاء مبارك ضدها، ظلت فترة طويلة تتداولها المحكمة. قال السعوديون إن زيت المصريين في دقيقهم، فمن كتب التحقيق هو الصحافي المصري سيد عبد العاطي، ومن أجازه للنشر هي الصحافية المصرية فوزية سلامة، وعندما توسط ياسين سراج الدين، نائب رئيس حزب الوفد، باعتبار أن عبد العاطي هو في الأصل صحافي في جريدة الحزب، اكتشف أن الأمر لم يكن في حاجة لوساطته، فالمستهدف بالدعوى هي الجهة المالكة للصحيفة. فمتى قبل مبارك الاعتذار الضمني؟ والتفكير في رفع قضية، وتكليف المحامي رجائي عطية بها، وتداولها في محكمة عابدين، استغرق وقتاً ليس بالقصير؟
«حزب الله» الشيعي الموالي لإيران
ما علينا، فمع الانتصار الذي حققه «حزب الله» قبل ثمانية عشر عاماً توقف الإعلام الرسمي؛ ماسبيرو (الإذاعة والتلفزيون)، عن الوصف الذي التصق بالحزب فصار لا يذكر إلا به؛ (حزب الله الشيعي الموالي لإيران)، إنه لا يستطيع أن يستفز الرأي العام أكثر من ذلك، وكانت المكانة الجديدة للسيد حسن الله، هي أكثر تأثيراً من كل جلسات ومؤتمرات التقريب بين المذاهب، والتي تبناها الأزهر الشريف، إن شئت الدقة فقد كانت نظرتنا للسيد أنه فوق المذاهب. إلى أن جرى ما جرى في العراق، وفي سوريا!
وليس هذا ضمن ما يقع في اختصاص هذه الزاوية، ففي اللقطة القديمة قبل ثمانية عشر عاماً، كنت في القاهرة، وهو يخطب، ويهدد: إن على البارجة الأمريكية التي رست في المياه الإقليمية اللبنانية أن تغادر الآن، وإلا تم استهدافها من قبل المقاومة اللبنانية، وفي التو واللحظة انقسمت شاشة الجزيرة لقسمين، الأول للسيد، وهو يرفع سبابته مهدداً، والثانية للبارجة الأمريكية وهي تغادر في الحال. يا إلهي لقد انصاعت لأوامر السيد ولتهديده!
والآن، لا أسمعه وهو يوجه مثل هذا الانذار، ولا يهدد برد مزلزل على ما جرى ليومين من استهداف شبكة اتصالاته من جانب إسرائيل، هل كان بإمكانهم أن يستهدفوه هو شخصياً؟ لقد اعترف بالهزيمة، وقال: لقد تلقينا ضربة كبيرة وقاسية. وماذا بعد؟ وهل هناك بعد؟ فكل ما قيل بعد ذلك وقبل ذلك هو «حشو كلام» وملء فراغ!
رسالة للمحللين عبر الشاشات
أقدر له بطبيعة الحال أنه لم يترك غزة وحدها، وأنه مع العدوان الإسرائيلي لم يقف «حزب الله»، مكتوفي الأيدي، لكن أين قدرات هذا الحزب في 2006، هل تم استنزافها في معركة بقاء بشار الأسد في السلطة؟!
إن كثيرين من بني جلدتنا أسعدتهم هذه الهزيمة، لكني أبداً لم أسعد، ولقد تجاوزت عن هزيمة القضية المصرية من أجل المقاومة، فليس خبراً أن ما جرى في طوفان الأقصى، وعقب فوز بايدين مباشرة، قد دعم مركز عبد الفتاح السيسي، وقد قال بايدن في حملته الانتخابية إنه لن يعطيه شيكاً على بياض، ولن يتصل به قبل أن يرى تقدماً في ملف حقوق الإنسان، لكنه اضطر للتواصل معه لطلب وساطته مع «حماس»، وقد تمكن السيسي من سرقة دورة رئاسية ونكل بمنافسه دون بيان أمريكي أو غربي واحد!
وقلنا لا بأس، فالقضية الفلسطينية هي البوصلة، وهي من تحدد خياراتها وتحالفاتها، ولم أكن أتمنى أن تحدث المقارنة بين عامي 2006 و2024، ويصل الأمر إلى الاعتراف بالهزيمة: لقد تكلفنا ضربة كبيرة وقاسية. ثم ماذا؟ لا شيء. لقد اعترف الرجل فماذا تريد أكثر من هذا؟!
لا أخفيكم سراً أن هذا الاعتراف كان مهماً ليضع حداً لبعض المحللين الذين يركبون الهواء، فيهونون من اختراق إسرائيلي لأجهزة البيجر، وقتلهم لأكثر من مئة من حامليه في اليوم الأول، ثم عادوا الكرة في اليوم الثاني فقتلوا وأصابوا، على نحو كاشف عن الترهل الكبير داخل المقاومة اللبنانية، فكيف يستمرون في حمل ذات الجهاز بعد ما جرى في اليوم الأول.. كيف يفكرون؟!
قبل «موقعة البيحر»، كان هؤلاء المحللون يستبعدون تماماً أن تقدم دولة الاحتلال على توسيع دائرة الحرب مع «حزب الله»، فالجيش الإسرائيلي منهك، ونتنياهو لا يمكنه أن يغامر بفتح جبهة أخرى. لكن نتنياهو تقدم ولم يجد أحداً يمكنه من توسيع دائرة الحرب!
والحقيقة نحن في حاجة ماسة لتحديث البنية التحتية لمنظومة التحليل التلفزيوني، فلديها مسلمات ترددها مثل نهاية نتنياهو بنهاية الحرب، وعدم قدرة إسرائيل على توسيع دائرة الحرب وعدم رغبتها في ذلك، وتقييم قدرات حزب الله بالوقوف عند 2006، حتى إذا وقعت الواقعة اندفعوا يهونون من عملية البيجر!
قرأت لمن يحمل القنوات التلفزيونية هذا التهوين، وأخطاء المحللين، لتكون هذه القنوات «مغسل وضامن جنة» كما يقول المثل المصري، ولا توجد قواعد حاكمة للتعامل مع المحلل إذا اجتهد فأخطأ، أو أخطأ الوصف، ما دام لا يستغل الشاشة في تسريب أخبار كاذبة!
استمعت إلى محلل في تلفزيون «العربي»، يشطح بعيداً، لكن الضيف الآخر فند شطحاته، وكان كلامه سبباً في تعقيب من المذيع على كل قول، تعقيباً مسكوناً بالاستنكار، لكن التحليل ليس وظيفة المذيع!
عموما ثمانية عشر عاماً تكفي لنقول: هرمنا، وهرم حزب الله، وهرم حسن نصر الله!
وسوم: العدد 1096