درس بليغ تعلمته منذ ستين عاما، أكثر ما عصمني في رحلتي إلى الثمانين

جلسات قليلة مع عالم يتحقق فيه قول الله تعالى (وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) ربما تكفيك.

لا أريد أن أطيل عليكم، رجاء أن تقرؤوني، وكنا ثلة من شباب دون العشرين، في حضرة شيخ، لا أريد أن أقول فيه أكثر، من جزاه الله عنا كل خير..

وتفاوضنا، ونحن أحداث عن حديث "الاجتهاد" في العلوم الشرعية، وطبقاته، ورواده، وعن بابه الذي أغلق فلم يفتح…

ابتسم عندما سمعنا نتحدث، وقال: الاجتهاد لا باب له ولا شباك. ولا مغلاق ولا قفل ولامزلاج؛ وعندما يوجد المجتهد يكون الاجتهاد. وما كل من ادعى أذِن الناس له فكان!!

وحاولنا الفهم ولعلنا ما زلنا..

ثم بادرنا بسؤال فقال: ما تعدون أوفى شرط يجب أن يتحقق في المجتهد الذي يقول في دين الله، فيصيب أو يكاد؟؟!!

كنا ثلة من الشباب، ورحنا نضرب في فضاءات العلوم والفنون والملكات…

كنا كلما أضاف أحدنا جديدا، أجاب شيخنا الجميل، هذا ضروري ولكنه ليس في المقام هو المقصود.

حتى أقررنا بالعجز، وسألنا الشيخ فصل الخطاب؛ فقال أول ما يجب أن يتوفر في المجتهد مع كل ما ذكرتم من العلوم والفنون: "تقوى الله". ابن باعوراء لم يكن ينقصه علم. كثير من الأحبار والرهبان لم يكن ينقصهم علم. الذين حـملوا التوراة ثم لم يحملوها، كان كثير منهم يحفظها في صدره، أكثر من تلاعبوا بآيات الله هم الذين حفظتها عقولهم ولم تعيها قلوبهم. أولئك الذين يأكلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين..

العالم بلا تقوى يمكن أن يحلّ أي شيء، وأن يحرم أي شيء، وأن يقرب أي شيء، وأن يبعد أي شيء…!!

كلماته ما زلت أعيها. فتعصمني عندما أتابع الانزلاقات..

وما زلت أعجب حين يقول بعض من حولنا: الاختصاص.. الاختصاص…

وأظل أترحم على شيخنا وأقول: التقوى .. التقوى..

وهؤلاء بعض الناس حولنا؛ يحلونه عاما ويحرمونه عاما...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1099