أعداء الثوابت يزدادون شراسة

ما هذا التزامن المريب؟ في عز حرب الإبادة على شعب عربي مسلم أعزل وعلى أعتاب إحياء ذكرى اندلاع حرب التحرير تشهد الساحة الفكرية والأدبية الجزائرية نشاطا لافتا للأنظار يتمحور حول مهاجمة ثوابت المجتمع ونسيجه الموحد واستهداف الإسلام والعربية، بدأ الأمر بكتاب "الجزائر اليهودية" الذي يغني عنوانه عن الخوض في محتواه، تلته كتابات المثقف والصحفي السوربوني سعيد خطيبي التي تنفي بشدة علاقة ثورة نوفمبر بالدين، ليثلث أمين الزاوي بمقال يحتفي فيه احتفاء كبيرا باللغة العبرية وما يسميه اللغة الأمازيغية ويشن هجوما لاذعا على اللغة العربية ويحمّلها مآسي العالم.

صاحبة "الجزائر اليهودية" الذي صدر بالفرنسية – هادية بن ساحلي – تومئ أنها هي بذاتها يهودية إذ جعلت للكتاب عنوان ثانويا هو : "الأنا الآخر الذي أعرفه قليلا"، تقصد أن هويتها اليهودية طغت عليها الهوية العربية الإسلامية، أما مقدمته فقد وضعتها  الكاتبة الصـهيونية "فاليري زناتي" المجندة السابقة في الجيش الصهيوني والتي صدر لها كتاب بعنوان (عندما كنت جندية)، وكالعادة احتفت أوساط الفرنكوبربريست بالكتاب والكاتبة، متجاهلة  موقف الجزائر المناهض للتطبيع و للحرب على غزة ولبنان...الملاحظ أن الكتاب خطوة مدروسة تندرج في سياق تلغيم الوحدة الوطنية، فقد كان الحديث سابقا عن يهود الجزائر وكثر التباكي حولهم وتصويرهم ضحايا الشوفينية العربية الإسلامية، ثم جاء التصريح بيهودية الجزائر ذاتها !!! هكذا تعمدت الكاتبة إيذاء الذاكرة ت حين استرجعت الماضي و لوثته بحقدها الشخصي...ويفهم اللبيب أن كل هذا يدخل في أجندة التطبيع مع العدو الصهيوني والتآمر الخفي والعلني على ثوابت الجزائر، وقد صدر الكتاب في أعقاب زوبعة رواية "هوارية" التي استفزت الشعب واحتضنتها كالعادة الأوساط المعروفة بعدائها لثوابتنا ولا نستبعد استغلال هذه الأوساط المعروفة للظرف الدولي  لصناعة مظلومية عالمية تحت غطاء ما يسمى معادة السامية، باختصار تحاول الكاتبة الفرنكوفيلية "تهويد" الجزائر لإرضاء أسيادها كما هي عادة هذه الطائفة، لكن الأخطر في الأمر يتمثل في الخوف من قضية وجود عائلات يهودية بيننا تتظاهر بالإسلام وهي عبرية صهيونية، هذا موضوع كتب عنه مثقفون محترمون وحذروا منه منذ مدة، والقرائن تدل على جديته ولا يجوز بالتالي السكوت عنه بل يجب بحثه في العمق وبطرق علمية من كل الجهات المختصة سواء الثقافية أو الرسمية حتى لا تبقى حصوننا مهددة من داخلها.

من جهته شهر سعيد خطيبي السف على حرب التحرير وأنكر أشد الانكار على اعتبارها إسلامية وقرأ بيان أول نوفمبر قراءة باطنية بامتياز لنفي أي أثر للدين فيه وقال بكل تبجح ووقاحة "إن مجموعة الست الشخصيات التاريخية، التي دونت بيان أول نوفمبر كانت تعلم انتماء الجزائريين إلى الإسلام، كان إسلاما متصوفا، خاليا من التعصب إلى العقيدة" (هكذا كتب: "إلى العقيدة"، وليس "للعقيدة"، فضلتُ نقل الخطأ)، وأضاف " فحرب التحرر لم تكن مسألة ذات أبعاد دينية، ولا جهادا في سبيل الله، بل دفاعا عن الأرض، دفاعا عن الإنسان، بغض النظر عن عرقه أو هويته أو ميوله الفكرية." ثم سوّق موقف الحزب الشيوعي الفرنسي (الذي انبثق منه نظيره الجزائري في الخمسينيات وتبنى فلسفته ومواقفه) الذي يعدّ الجزائر أمة في طور التكوين، تضم المسيحيين واليهود والملحدين والمسلمين، ولا انتماء لهؤلاء إلا الرقعة الجغرافية والخلفية "الانسانية"، أي لا علاقة للجزائر بموروثها الحضاري ولا دينها ولا لغتها، وكالعادة لمز الكاتب جمعية العلماء وقلل من شأنها بل كرر الاسطوانة العلمانية المشروخة التي دأب عليها الاندماجيون الجدد والتي تنفي عن الجمعية أي علاقة بالثورة بل تتهمها بالتخاذل وأكثر من التخاذل، وأكد "إن حرب التحرير في الجزائر لم تكن حرباً ضد الفرنسيين، وهذا ما يبرر أن فرنسيين انضموا إليها، ومثقفين تعاطفوا معها، على غرار جان بول سارتر أو سيمون دو بوفوار وغيرهما، بل كانت حربا ضد المستعمرين (بغض النظر عن هويتهم)، وهي حرب لم تكن لها نزعة دينية، بل الأحرى كانت على النقيض من المتدينيين"...هكذا يبرّئ ساحة فرنسا من الدوافع الصليبية التي يقرّ بها جنرالاتها أنفسهم.

بعده بقليل أطل أمين الزاوي بواحدة من خرجاته المعهودة التي لا تحمل فكرا ولا تحليلا علميا ولا مستوى يصلح للنقاش بل هو ترديد لشعارات أعداء الهوية والثوابت، فأعلى من شأن العبرية والأمازيغية (ما هي بالضبط؟ فأنا جزائري شاوي ولا أعرف ما هي بالضبط) وسخر من العربية وقلل من شأنها وتنبأ باندحارها القريب !!!ليس بناء على علم عنده بل على هوى جمح به.

كل هذا يجعلنا نفهم لماذا لم يرفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية، ولماذا يتجدد الهجوم على قانون الأسرة ولماذا يجد التفسخ الأخلاقي أنصارا ومروجين ولماذا تمّ إفراغ المنظومة التربوية من الخلفية الدينية والخلقية ولماذا يجب أن نصنع سدا منيعا يحول دون التطبيع، لذلك نرى أن زراعة الهوية والانتماء في أولادنا هي الخطوة الكبرى والأقوى في محاربة أعداء الهوية الوطنية لتبقى الجزائر عصية على الاندماجيين الجدد كما كانت على آبائهم  و أن نعمل على أن تبقى ثوابتها و تاريخها  الاكسيجين الذي نتنفسه و لا نسمح لهم بتلويثه أبدا.

وسوم: العدد 1100