إرادة الله الغالبة ...

تتسارع وتيرة الأحداث الدامية ، وتتسارع معها خطوات الزمن ، ويكبر حجم المأساة من خلال هول الأحداث ، وتُفقد السيطرة على لجام جماح البغي الذي يظن أنه مالك الملك ، وأن رقاب الناس خضعت له ، في حين يتعامل طغاة الأرض الآخرون كعادتهم في كل زمان حسب ماتمليه عليهم مصالحهم الخاصة جدا ، أو أهواؤُهم التي جانبت فطرة الله ، حيث خانوا العهد الذي استجابوا له يوم إيجادهم من العدم ، فساعدوا على قتل الأبرياء ، وأمعنوا في تشجيع البغي ، ووسَّعوا دائرة الفساد في الأرض ، فصدق فيهم قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) 25/ الرعد . غير أن هذا الباغي وهؤلاء الأعوان له فاتتهم الحقيقة الخالدة وهي أن قوة الشعوب لاتُغلب ، وأن إرادتها الثابتة بإذن الله لا تُقهر ، سواء أملكت هذه الشعوب السلاح أم قاتلت بصبرها وثباتها ، ولا تبالي بالدماء الفيَّاضة من صدور أبنائها ... شبابا كانوا أم شيوخا ، رجالا أم نساء أم أطفالا رضَّعا أو حتى خُدَّجًا ، ذاك ناموس الله في الناس وقدره الغالب ، رغم سطوة الفراعنة ، وغطرسة الجبابرة ، ورغم عنفوان الأسلحة الفتاكة المخيفة في زمن الإرهاب ‘ هذا الإرهاب الذي استباح الحرمات ، ولاحق الناس في جحورهم وسراديب بيوتهم التي لم تعد آمنة ... هو الذي أيقظ الأمة ومنحها هذا الإباء وهذا التحدي لكل الطغاة والظالمين ، الذين لايملكون إلا أن يوصلوا الإنسان المجاهد في سبيل الله ، المدافع عن حريته وكرامته ، إلى جنَّات الخلود ، وبالمقابل فهم أي الطغاة والظالمون والجلادون يُساقون من حيث لايشعرون إلى جهنم وبئس المصير ، هؤلاء الأغبياء أعمتهم الدنيا عن رؤية مصيرهم المحتوم في الآخرة ، فأغواهم الشيطان ، فامتثلوا أوامره ، وخرجوا من عالم إنسانيتهم ليدخلوا عالم الاستهتار بالإنسان وقيم الإنسان وحق الإنسان في اختيار مايريد من طريقة عيش في دنياه . وأيضا صدق في هؤلاء قول الحق تبارك وتعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 107   أولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 108لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ 109 ) النحل .

لاشك أن إرادة الطاغوت هي المنكسرة في آخر المطاف ، رغم أن يده الآثمة المجرمة مزَّقت قدسيةَ وثيقةِ حرمةِ دمِ الإنسان ، وأن جبروته المنتفش ظلما وعُلوا داس على قيم كرامة الإنسان الذي أودعه في غياهب السجون والمعتقلات ، وأسلمه لقبضة وحوش التعذيب الجسدي والنفسي بكل أشكاله وألوانه ، وبكل مذاقاته الشرقية والغربية ، بل بكل فظاظته ( ال ؟؟؟؟؟؟؟؟ ) التي لاتمت أبدا إلى دين أو أخلاق أو إنسانية بأي صلة كانت . ففي ربوع البلد دماء تُراق ، وفي آفاق الأرض أجساد هائمة ، وفي ظلمات الليل آهات وأنَّات وأوجاع ... إنا لله وإنا إليه راجعون ... وفي الملأ الأعلى استقبال مهيب لقوافل الشهداء الأبرار ، الذين رأيناهم يبتسمون ويضحكون لحظة استشهادهم لِما يرون من البشريات والكرامات ، يقول الله عزَّ وجلَّ : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) . وأمام هذه المكانة هانت الحياة الدنيا أمام الشهداء الذين بذلوا الدماء ، وهان الطغاة والمجرمون أمام استعلاء المؤمنين على الباطل الآثم ،وتبقى إرادة الله هي الغالبة رغم أنف المجرمين العتاة . وهذا الاستعلاء على الباطل وأهله جاء من معرفة هؤلاء الأبرار بما أعد الله من المنازل والكرامة للشهداء ، عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما-قال:"لمّا قُتِلَ عبد الله بن عمر بن حرام يوم أحد قال رسول الله : يا جابرُ إلا أُخبرُك ما قال الله عزَّ وجلَّ لأبيك ؟قلت: بلى، قال: ما كلَّم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلَّم أباك كِفاحاً، فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَ أُعطِكَ، قال: تحييني،فأقتلَ فيك ثانيةً، قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يَرجِعون، قال: يا ربِّ فابْلغ مَن ورائي، فأنزل الله عز ّوجل هذه الآية: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) رواه الترمذي وابن ماجه .

         وهنا يخسأ أعداء الله من دول وأحزاب وأفراد جاهروا بعدائهم للإسلام ، وساعدوا على قتل الثورات الشعبية التي هبَّت لنصرة دينها وكرامتها وحريتها وقيمها السامية ، وللدفاع عن مكانتها العالمية التي أهًَّلتها لها شريعتها الإسلامية الغراء ،مهما ملكت تلك الدول من سلاح وكيد وحقد ، ومهما ملكت تلك الأحزاب من الأفكار الزائفة والتوجهات الضَّالة المضللة ، ومهما ملك أولئك الأفراد ( نخب الغي المؤهلة !!! ) من قدرة على النفاق وتسويق شحنات الباطل وقلب الحقائق ... فلن يغلبوا أبدا إرادة الله ، ولن يفوزوا بأضغاث أحلامهم ، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون .

         مما لاريب فيه أن دول الكفر والشر في العالم كانت وما زالت وستبقى تخطط لحرب الأمة الإسلامية ، في عقيدتها الربانية ، وفي أقطارها المتعددة ، ومن خلال نخب العملاء المأجورين ، والأحزاب العلمانية التي تجعلها تلك الدول بديلا لِما تنادي له الأمة ، عندما كانت نائمة أو مخدَّرة ، وعندما كانت ضعيفة مستهانة ، ولو رجعنا إلى صفحات التاريخ القريب لرأينا كيف استطاع ( كامل أمين ثابت ) ، واسمه الحقيقي ( إيلي كوهين يهودي إسرائيلي أصله مصري مجند محترف للموساد ) من خلال ذلك التخطيط الرهيب ، ومن خلال مايملك من مال ونساء أن يتعرف على ( عبداللطيف الخشن ) محرر أكبر جريدة عربية في الأرجنتين ويوطد علاقة وثيقة معه ، ولكن التخطيط والمؤامرة كانت أوسع وأكبر وأبعد ، فاستطاع أن يصل ( هذا العميل الصهيوني ) وبسرعة مذهلة إلى الملحق العسكري السوري بالسفارة السورية ( محمد أمين الحافظ ) رئيس الجمهورية السورية ورئيس المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي دعا إليه الماسوني الصليبي ( ميشيل عفلق ) ، وكان ماكان من نزوله إلى سوريا ، وزيارته للجبهة ، وحفلاته الماجنة مع العديد من ضباط الجيش السوري آنذاك ، ثم نقل جميع معلوماته ومشاهداته اليومية في الجبهة وفي نادي الضباط في دمشق ... إلى الصهاينة في تل أبيب ، وكلنا شاهدنا وقرأنا عما جرى ، إلى حين اكتشاف أمره كجاسوس للموساد الإسرائيلي ؟!

         وهذا اللعين يؤكد الحرب المكشوفة علينا كمسلمين ... وهي نتيجة تلك المخططات السرية المحكمة والمحمومة للحرب على هذه الأمة وقرآنها وسُنَّة نبيِّها صلى الله عليه وسلم ، فالأمة استيقظت ولم يبق في صف الطغاة الجناة إلا مَن أعمى الله بصرهم وبصيرتهم ، وهل بعد الحق إلا الضلال المبين ؟ قد يتراءى لضعاف الإيمان بالله أن كفة الباطل هي الراجحة ، وأن القوة وقرارت القوة والبطش بيدها ، وهذا ربما يبدو مقبولا أيضا عند ضعاف النفوس ، ولكن هذا الدم الجاري بغزارة ، وهذا البذل للغالي والنفيس في سبيل الله ، وهذا الصمود المتجدد رغم تجدد المذابح وقسوة النوازل ، وهذا الإصرار الذي لايباع في أسواق أهل الدنيا ، وإنما هو هبة من جبار السموات والأرض لخاصة عباده ... وغير هذا كثير ، لن يذهب هدرا ، وحاشا لله أن يضيع أجر مَن أحسن عملا ، إن أبواب السماء لتُفتح لدعوة مظلوم واحد في فجاج الأرض ، فما بالك بملايين المظلومين ؟ إن أبواب السماء لتُقرعُ ثم تُفتح لشهيد واحد فما بالك بعشرات الآلاف من الشهداء ؟ أرى أن لاقيمة لمعنى الحياة إذا بقيت باهتة جامدة مترهلة ، لاينزل على ربوعها وبواديها ودقُ الرحمة ، ولا تهب على أمسياتها المقمرات نسائم الرضوان الإلهي ، ولا تحيا صدور أبنائها بروح هذا الإسلام العظيم ، إنَّ بين أيدينا عزائمنا وقدراتنا التي وهبنا الله ، وقبل ذلك وبعده نوايانا التي يعلمها الله ، وإنما النصر والفتح فمن الله وحده . وحده لاشريك له ، تلك هي الحرية التي نشعر بها ونعيشها ونحن نجابه طغاة الأرض ، لاسلطان لأحد علينا إلا سلطان الله ، ومن هنا نستمد تجديد القوة لتغيير الواقع المرير ، باعتمادنا على الله ، وبأملنا برحمته وتأييده ، فالأمل بالله وحده رغم الشدائد التي منحتنا بإذن الله هذا العنفوان وهذا الصمود الأسطوري كما يُقال   كفرنا باليأس ، ودفنا الخوف من أعدائنا مهما كانوا ومهما ملكوا ، واستقبلنا مطلع النور الذي الذي نزل منه الوحي على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم . لقد انتصرنا على أنفسِنا ، وانتصرنا على سطوة ظالمينا ، وانطلقنا على بركة الله وبدأ المشوار ... مشوار الصحابية الجليلة أم شريك الأنصارية : (حيث أسلم زوجها وأسلمت معه، قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أسلم زوج أم شريك، وهي غزية بنت جابر الدوسية من الأزد، وزوجها: أبو العكر، فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة من د وس حين هاجروا. قالت أم شريك: فجاءني أهل أبي العكر فقالوا: لعلك على دينه؟ قلت: إي والله إني لعلى دينه، قالوا لا جرم والله لنعذبنك عذاباً شديداً، فارتحلوا بنا من دارنا، ونحن كنا بذي الخَلَصة وهو من صنعاء –اليمن-، فساروا يريدون منزلاً، وحملوني على جمل ثفال – أي بطيء - شر ركابهم وأغلظه، يطعموني الخبز بالعسل، ولا يسقوني قطرة من ماء حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس ونحن قائظون – أي في أشد أيام الحر والقيظ - نزلوا فضربوا أخبيتهم – أي خيامهم - وتركوني في الشمس، حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، ففعلوا بي ذلك ثلاثة أيام، فقالوا لي في اليوم الثالث: اتركي ما أنت عليه، قالت: فما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة، فأشير بإصبعي إلى السماء بالتوحيد. فوالله إني لعلى ذلك، وقد بلغني الجهد – أي التعب الشديد والتهالك من العطش وشدة الحر- إذ وجدت برد دلو على صدري، فأخذته فشربت منه نفساً واحداً ثم انتزع مني، فذهبت أنظر فإذا هو معلق بين السماء والأرض فلم أقدر عليه، ثم دلي إلي ثانية فشربت منه نفساً ثم رفع، فذهبت أنظر فإذا هو بين السماء والأرض، ثم دلي إلي الثالثة فشربت منه حتى رويت وأهرقت – أي صببت- على رأسي ووجهي وثيابي. فخرجوا فنظروا فقالوا: من أين لك هذا يا عدوة الله؟! فقلت لهم: إن عدوة الله غيري من خالف دينه، وأما قولكم: من أين هذا؟ فهذا من عند الله رزقاً رزقنيه الله تعالى، فانطلقوا سراعاً إلى قربهم وإداواهم – أوعية مائهم - فوجدوها موكأة – مربوطة - لم تحل، فقالوا: نشهد أن ربك هو ربنا، وأن الذي رزقك ما رزقك في هذا الموضع، بعد أن فعلنا بك ما فعلنا: هو الذي شرع الإسلام، فأسلموا جميعاً وهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يعرفون فضلي عليهم وما صنع الله إلي )

يا أبناء الإسلام فاعتبروا ، وليبدأ المشوار ...

وسوم: العدد 1102