مصر كما تراها فرنسا وبريطانيا

لورد كرومر "الثورة العرابية"، ترجمة عبد العزيز عرابي، الطبعة الأولى 1958، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، من 257 صفحة.

أوّلا: قراءة القارىء المتتبّع:

إلى إخواني المصريين حفظهم الله، ورعاهم:

لم يكن للمصري يومها، هذه النظرة التي نملك حقيقتها الآن. ولا ألزم إخواننا المصريين، حفظهم الله ورعاهم، ولا غيرهم بقراءتي، والنتائج التي توصلت إليها.

لايمكن للمحتلّ أن يصف عدوه بالثّورة، والثّوري:

أوّل ملاحظة لفتت انتباه القارئ المتتبّع، هو خيانة الترجمة من طرف المترجم. فالكتاب الأصلي بعنوان: "Modern Egypt". أي "مصر الحديثة". والمترجم ترجمه إلى "الثورة العرابية"، والعنوان المترجم لاعلاقة له بالعنوان الأصلي للكتاب. ولم أقف على الموضوع الذي يدل على العنوان المترجم للكتاب. ولذلك تعمّدت أن لاأقوم بتصوير غلاف الكتاب، حتّى لايكون إشهارا للكذب والزور.

يرى المترجم أنّ "الثورة العرابية"، جزء من الكتاب المذكور الذي تطرقنا إليه، والذي لم أقف عليه.

كان على المترجم أن يقول في مقدمة ترجمته للكتاب، أنّه يترجم "الثورة العرابية"، من كتاب كرومر المعنون، بـ: "حضارة مصر".

زاوية الجزائري يعرف الاستدمار الفرنسي، وتضرّر منه، وما زال:

أقرأ الكتاب من زاوية الجزائري الذي اكتوى بنار الاستدمار الفرنسي. ولا أفرض نظرتي على إخواننا المصريين، حفظهم الله ورعاهم، ولا غيرهم. ولذلك تعمدت أن لاأقف على كثير من الجزئيات المنثورة في الكتاب. ومازال يعاني آثار الاستدمار الفرنسي، ويحذّر إخوانه المصريين، والعرب، والمسلمين من الوجه الحقيقي، وغير المعلن للاستدمار الفرنسي.

ممّا وقفت عنده، ولم يشر إليه الكاتب، لاتصريحا ولا تلميحا، هو: لفهم غاية الكتاب غير المعلنة، لابدّ من فهم حقيقة الاستدمار الفرنسي، رغم أنّ الكتاب يتحدّث عن مكر وخبث الإنجليز في مصر، وبشهادة الإنجليزي، بل وبافتخاره واعتزازه .

أقول: أجرمت مصر حينها، وأتحدّث عن سنوات 1879 وما بعدها، حين تعاملت مع فرنسا على أنّها الصّديق، والشريك الذي يوثق به. وفرنسا محتلّة مغتصبة بالفطرة.

أؤكدّ على حقيقة، وهي: فرنسا لها وجه بشع، ومجرم، ولصّ، ومحتلّ ظهر جليا في احتلالها للجزائر. ووجه "حضاري، وإنساني، وعالمي، ورحيم؟!"، انخدع به جمال الدين، ومحمد عبده، وأحمد شوقي، وطه حسين حين راحوا يمتدحون فرنسا. وفي الحقيقة مدحوا الوجه الآخر للاستدمار الفرنسي. وبالإضافة إلى الخونة الحركى، والمثقفين الجزائريين، وعلماء وفقهاء بعض الجزائريين.

أظهرت فرنسا للمصريين يومها، "الوجه الحضاري، والإنساني، والعالمي؟!"، حين يستلزم الموقف إظهار وجهها. لكن، وهي في مصر، أخفت عنهم وجهها الحقيقي، وأظهرته سرّا حين تكون مع الإنجليز لقمع المصريين، وانتهاك سيادتهم، وقمع حرياتهم، والحطّ من شأنهم، ووضع اليد على خزينتهم وثرواتهم. وظلّ المصري أضحوكة الوجه الأوّل، ولا يعرف شيئا عن حقيقة الوجه الثّاني.

فرنسا، وبريطانيا توأم في الاحتلال، والنّهب، واستعباد الشعوب:

ممّا وقفت عنده، ولم يصرّح به صاحب الكتاب: هناك تنافس فرنسي إنجليزي، فيما يتعلّق بالنفوذ، ومن يسبق الآخر، وحول جزئيات. لكن هناك اتّفاق جلي وواضح ومعلن، حول احتلال الشعوب ونهب خيراتها، ومنها الاتّفاق الفرنسي الإنجليزي حول احتلال مصر.

المحتلّ الفرنسي والإنجليزي، قد يقبل بكلّ شيء، وممّا لايخطر على البال، إلاّ مسألة واحدة وهي سيطرة تركيا على مصر. وأذهب أبعد من ذلك وأقول: باستطاعة الإنجليزي والفرنسي أن يتنازل عن كلّ شيء، وبما فيها الذي لايخطر على البال، إلا مسألة واحدة وهي التنازل عن مصر لتركيا، وهذا مالا يمكن حدوثه لدى الفرنسي والإنجليزي.

التّوريث الذي يلغي الشريعة الإسلامية وتدافع عنه فرنسا، وبريطانيا:

ممّا وقفت عنده، أن فرنسا وبريطانيا، لايعارضان تطبيق الشريعة الإسلامية، شريطة أن لاتمسّ مصالح المحتلّ المغتصب. وهذا ماطبّقته مع مجلس الشعب المصري أيّام الخديوي. وبما أنّه لايمكن مسّ مصالح المحتلّ بأيّ حال من الأحوال لو طبّقت الشريعة الإسلامية، فإنّه لايمكن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا ماانتهجه مجلس الشعب المصري في عهد الخديوي، حين وافق على تفضيل حماية مصالح المحتلّ المجرم، على غيرها من القضايا الدينية الوطنية المصرية الجوهرية.

منحت فرنسا وبريطانيا، الحماية الكاملة للخديوي، الذي رفض تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم، واستبدالها بالتوريث لابنه. والتوريث يضمن مصالح المحتلّ المغتصب باسم الدين، ويضمن بقاء الحكم للعائلة، ويبعد الشريعة الإسلامية عن الحكم، لأنّها تعارض المحتلّ المفتصب. مايعني، أنّ كلّ توريث، هو توريث للمحتلّ المغتصب، وتثبيت أقدامه، وتقوية سيطرته، وتسهيل عبثه ونهبه وجرائمه، وباسم "الشريعة الإسلامية الثّانية؟!"، والرّافضة للشريعة الإسلامية الأولى، حسب توريث الحكم للاستدمار والاحتلال والاغتصاب والنّهب والسّطو.

المصري الذي باع مصر وترك الفرنسي، والإنجليزي ينهب مصر:

ممّا توصّلت إليه: أنّ المحتلين المغتصبين لمصر من فرنسا، وبريطانيا -وغيرهم-، كانوا يتعاونون، ويتنافسون فيما بينهم حول نهب، واحتلال مصر. وفي الوقت نفسه، كان المجرم خديوي، والمجرمين من ساسة مصر، يتنافسون فيما بينهم، أيّهم يسبق أخاه المصري، في بيع مصر، وإهانة، وإذلال إخوانه المصريين.

بغض، وكره فرنسا الشديد للتركي واضح، وجلي، ومعلن، وثابت، ومستمر، وشرس، وقوي، ودون رجعة، ولا تتساهل أبدا ومطلقا بشأنه، وتحض غيرها باستمرار وبكلّ السّبل، على إبعاد تركيا بكلّ الوسائل، وتحضّ غيرها على ذلك، وتهدّد كلّ من يقترب من مصر.

الحملة في قاموس الاستدمار الفرنسي تعني الاحتلال، والنهب المستمر. والإنفاق على المحتلّ المغتصب إلى الأبد، ودون شبع. ومن عاش الاستدمار الفرنسي. وهذا هو الوجه الحقيقي للاستدمار الفرنسي.

ثانيا: متن الكتاب:

نظرة الإنجليزي لمصر:

يرى كرومر الانجليزي، أنّ الاحتلال الانجليزي لمصر، أنفع وأكثر فائدة. ولا بدّ لمصر من حكم مطلق.

قال كرومر: حركة عرابي كانت ضدّ تركيا بمصر.

قال كرومر: تفضّل فرنسا الاحتلال الإنجليزي على الاحتلال التركي لمصر، حتّى لايمتد تأثيرها ونفوذها إلى دول شمال إفريقا. (أقول: والجزائر يومها 1880، تحت الاحتلال الفرنسي منذ سنة 1830).

يرى كرومر، أنّه لايوجد أنفع لمصر من الاحتلال البريطاني.

قال غاميتا، سفير بريطانيا بفرنسا مخاطبا تركيا، بتاريخ: 15 ديسمبر 1881: "يجب أن يفهم أعداء مصر، أن الدولتين اللّتين أجلستاه (الخديوي توفيق) بنفوذهما على عرش مصر لن توافقا على خلعه بحال".

نظرة الفرنسي لمصر:

كان الاحتلال الفرنسي من الرّافضين بقوّة، وشراسة لأيّ تقارب بين تركيا ومصر.

عملت فرنسا على منع التدخل التركي لمصر بأيّ ثمن، وفضّلت الاحتلال البريطاني لمصر.

رفضت فرنسا كلّ أشكال -أقول كلّ أشكال-، التّسامح مع مصر فيما يخصّ حرية تسيير شؤونهم الداخلية، وسعت بكلّ الطرق -أقول بكلّ الطرق-، لممارسة الضغوط على مصر، وتحريض الإنجليز على ذلك، وعدم اللّيونة معهم، حتّى لايكون الحكم والتّسيير بأيدي المصريين، ويبقوا إلى الأبد تحت سيطرة الأجنبي، والممثّل بالدرجة الأولى الفرنسي والإنجليزي.

التّعاون الفرنسي الإنجليزي لاحتلال مصر:

كان هناك اتّفاق فرنسي بريطاني بشأن السّيطرة على مصر.

ابتداء من سنة 1882، كانت مصر تحت سيطرة المراقب المالي الإنجليزي وهو كرومر، والمراقب المالي الفرنسي. وبينهما تعاون، واتّفاق، وكانا يتجنّبان الظهور.

لاتملك الحكومة المصرية أيّة مقاومة ضدّ المصالح الأوروبية، ولا أيّة قدرة على الضّغط.

فرنسا وبريطانيا رفضتا تدخل تركيا، واحتجتا على إرسال تركيا لرسولين في ذات الشأن، وأجبرتا تركيا على أن يكون الرسولين دون صلاحيات، وأن لايطيلا الإقامة بمصر أكثر من أسبوع.  

تتدخل فرنسا لدى بريطانيا، للتعاون قصد التدخل العسكري، ومنع تركيا من الاقتراب من مصر، وكأنّها المحتلّة الفعلية لمصر.

ظلّت فرنسا تحضّ الإنجليز على مسك مصر بالقوّة، والضّغط، وعدم اللين.

رفضت فرنسا أن يشارك مجلس الشعب المصري، في إعداد الميزانية المصرية. وخضع مجلس الشعب المصري للأوامر الفرنسية البريطانية.

الخديوي: دمية في يد فرنسا وبريطانيا، ويأتمر بأوامرهما في كلّ صغيرة تهم مصالح المحتلين المغتصبين، ولا يعنيه في شيء مصالح مصر، والمجتمع المصري.

اتّفقت فرنسا، وبريطانيا على الرفض القاطع والمطلق، للتدخل التركي في مصر.

تعيين، وتنصيب رئيس الحكومة المصرية، من صلاحيات فرنسا وبريطانيا، أوّلا ودائما، ثمّ يأتي الخديوي ليباركها.

نظرة المصري لمصر:

الخديوي مجرم، وأجرم في حقّ مصر وإخواننا المصريين، حفظهم الله ورعاهم.

طالب الخديوي من الإنجليز، بالسرعة الفائقة بالتدخل العسكري في مصر، وكان على عجلة من أمره. وجاء في العنوان، وبالحرف: "الخديوي يتعجل نزول مدافع الإنجليز إلى البر".

شتائم إنجلترا لفرنسا:

يصف الكاتب الإنجليزي فرنسا بـ: الحمق، والتقلب، والمداورة، ولا تحسن استغلال الفرص لصالحها، ولم تتعلّم شيئا من تجارب الأمم، والرعاع، والمتردّد، والمتأخر.

وصف الكاتب الإنجليزي المصريين، بكونهم: رعاع الإسكندرية الجبناء.

اشترطت فرنسا وبريطانيا على مصر، تحمّل النفقات المناسبة للحملة القادمة على مصر.

وسوم: العدد 1105