هل نسير الـيوم على خطى معاوية؟

شعرة معاوية: دروس قيادية خالدة من التاريخ

لا تزال حكمة "شعرة معاوية" تمثل نموذجًا خالدًا للقيادة الرشيدة، والدهاء السياسي الذي يثير الإلهام.. هذا المثل المأخوذ من سيرة الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ،يختزل في معناه فلسفة قيادية متكاملة، تقوم على الموازنة بين الحزم والعزم، والمرونة واللين.

حكم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يرتكز على مقولته الشهيرة  : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حين يكفيني لساني، ولو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها.

القائد الناجح لا يخشى النقد، بل يراه مرآة لتطوير الذات والارتقاء بالأداء، ومع فريق يمتلك الجرأة على تصويب الأخطاء واقتراح البدائل، يتحقق التوازن بين الطموح والواقعية، وبين القيادة الملهمة والقرارات الحكيمة

فالناجحون يجمعهم خيط رفيع من السمات النبيلة، في مقدمتها التسامح الذي يغلق أبواب النزاعات، والسمو عن تصيّد الأخطاء الذي يمنح فرصًا للنمو والتعلم،

فالقيادة الفعّالة تتطلب فريقَ عملٍ قويًا وملتزمًا، يقدم أفكارًا جديدة ومهارات متنوعة، تسهم في تطوير الأداء الجماعي.

معاوية بن أبي سفيان لم يكن مجرد زعيم سياسي؛ بل كان نموذجًا يُحتذى به في إدارة الجموع وتعزيز الاستقرار وسط الأزمات، شغل مكانة فريدة كأحد كتبة الوحي للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وهي شهادة على أمانته ودقته.

والثقة التي منحها له رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لم تكن سوى دليلٍ قاطع على استحقاقه تلك المهمة الجليلة التي أوكلها إليه، تجسيدًا لقدرته على الوفاء بالمسؤولية التي أُلقيت على عاتقه.

فقد استطاع معاوية إدارة دولة متعددة الأعراق والثقافات بنجاح يُحتذى به، مؤكدًا أن التنوع قوة وليس ضعفًا؛ وإدراكه أهمية إشراك جميع المكونات في الحكم، وتعزيز روح التسامح، ساعد على خلق مجتمع أكثر تماسكًا

معاوية بن أبي سفيان هو رمزٌ للدبلوماسية والفهم العميق لفن الحوار والمفاوضات، كانت فترة حكمه مليئة بالتحديات والنزاعات، ولكنه استطاع أن يحافظ على الاستقرار والسلام عبر الحوار والتفاهم مع الأطراف المختلفة،

لقد كان معاوية مدركًا أن الناس مختلفون في طبائعهم وتوجهاتهم، في أفكارهم وفهمهم، وهو ما تطلب منه تحقيق التوازن بين الحزم واللين.

فحين تكون الشدة ضرورية لحسم موقف معين، كان يملك الجرأة لاستخدامها، وحين يكون الموقف قابلًا للتفاهم، كان يلجأ إلى اللين!. هكذا حافظ على تلك "الشعرة الرفيعة" التي كانت بينه وبين قومه لمدة أربعين عامًا.

تُعتبر شعرة معاوية فلسفة متكاملة، تجمع بين البصيرة السياسية والحكمة القيادية، لتبقى درسًا خالدًا في فن قيادة الأمم، وصناعة الاستقرار.

وسوم: العدد 1119