شهر رمضان كما عاصرته وسمعت عنه : (1380-1446هـ/1960-2025م)
قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). [البقرة/185]. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[البقرة:183]، فالصيام عُرف عند بعض الأمم قبل الإسلام، ثم صار صيام شهر رمضان في العصر الإسلامي أحد أركان الإسلام الخمسة. ونجد القرآن الكريم وكتب التفاسير، وكتب السنة والسيرة النبوية، ومصادر التاريخ والحضارة والأدب والتراث الإسلامي فصلت الحديث عن شهر رمضان. وهناك مئات الكتب والدراسات العربية والإسلامية والأجنبية الحديثة التي اشتملت على آلاف الصفحات عن حياة الناس في هذا الشهر الكريم عبر العصور التاريخية، ليس هدفي في هذه المقالة كتابة بحث عميق وجاد عن تاريخ شهر رمضان بشكل عام؛ لأنَّ هناك الكثير من الدراسات العلمية التاريخية، والشرعية، والأدبية، واللغوية، والثقافية، وغيرها التي وثقت الكثير عن جزئيات شهر رمضان وما يجري فيه من أنشطة متعددة خلال القرون الإسلامية المبكرة، والوسيطة، والحديثة، والمعاصرة. وحديثي في هذا العمل يتركز على شيء من حياة الناس في شهر رمضان حسبما سمعت أو عاصرت في العصر الحديث والمعاصر. وأذكرذلك في نقاط عديدة على النحو الآتي:
- عشت معظم حياتي في جنوب المملكة العربية السعودية، وسافرت إلى مناطق وأمكنة عديدة داخل المملكة العربية السعودية. وذهبت أيضًا إلى بلدان عربية وإسلامية وأجنبية خلال هذا القرن (15هـ/20-21م)، ومنها أمريكا الشمالية، والمملكة المتحدة (بريطانيا) حوالي عشرسنوات (1401-1409هـ/1981-1989م)، وشاهدت صورًا كثيرة من أنشطة السكان، وبخاصة المسلمين في شهر رمضان. وخلال العقدين الأخيرين من القرن الهجري الماضي عرفت وعاصرت حياة البشر خلال شهور رمضان في مناطق عسير، والباحة، والطائف، وجازان ونجران، فكانوا جميعًا يبذلون ما في وسعهم في نهاية شهر شعبان استعدادًا لقدوم شهر الصيام، وتعم صغارهم وكبارهم، ذكورهم وإناثهم الفرحة والشوق إلى دخول هذا الشهر الكريم الذي تنشط فيه جميع الأعمال الدينية والشرعية من صيام، وصلاة، واعتكاف، وصدقات، وقراءة قرآن، وذكر ودعاء، ورحمة، وتعاطف، وتكاتف، وتقارب بالأرواح والصلات الاجتماعية المختلفة.
2- شاهدت الحياة الاقتصادية في بلاد السروات وتهامة خلال الثمانينيات والتسعينيات متباينة من القرى والبوادي والأرياف إلى المدن والحواضر. وقد انعكس ذلك على حياة السكان في شهر رمضان، فالغالبية في البوادي والأرياف يمارسون حرفهم المختلفة من رعي، وجمع والتقاط، وصيد، وزراعة، ويعملون طوال النهار لكسب أرزاقهم وهم صائمون، وإذا جاء الليل أفطروا على القليل من الطعام والشراب، وبعد أداء صلاة العشاء والتراويح ينامون إلى الصباح، ونادرًا ما يقومون لصلاة التهجد في جماعة. وأحوال الناس في المدينة والحواضر الكبيرة لا يختلفون كثيرًا في حياتهم بالليل والنهار عن أهل القرى والأرياف والبوادي، إلَّا أنَّ حياتهم الاقتصادية كانت أفضل من حيث توفر بعض الأطعمة والأشربة، وأيضًا في أنشطتهم المتنوعة ومجالسهم الاجتماعية، وقد اطلعت على بعض الكتب والوثائق التاريخية المحلية، والتقيت ببعض كبار السن الذين عاصروا العقود السبعة الأولى من القرن (14هـ/19-20م)، فوجدت أنَّ الحياة المعيشية والأمنية كانت عندهم صعبة وقاسية، لكن أهل البلاد (تهامة وسراة) يصومون شهر رمضان بفرحة وروح عالية، وذلك لما عرفوه وتعلموه عن قدسية هذا الشهر الكريم. وسمعت عشرات القصص التي تعكس حياة الألفة والمحبة والرحمة والتآخي في كل بادية، أو قرية، أو ناحية خلال شهر رمضان. مع أنَّ الحياة السياسية كانت غير مستقرة، لكن في هذا الموسم الكريم (رمضان) تسود الراحة النفسية والتقارب والتعاطف بين الناس. وبحثت بشكل جاد لعلي أجد دراسات تاريخية توثق حياة السكان في شهر رمضان في مناطق جنوب البلاد السعودية خلال القرن الهجري الماضي، فلم أجد شيئًا من ذلك. وأقول: إن إنجاز دراسة علمية رصينة في هذا الموضوع جديرة بالاهتمام البحثي.
3- عاصرت بساطة الحياة، وتواضع أحوال الناس الاقتصادية، وعدم وجود شواغل أو ملهيات، مما جعل أهل البلاد (سراة وتهامة ) يمارسون وظائفهم وأعمالهم اليومية المحدودة، ويعيشون الحياة الطبيعية، العمل في النهار، والنوم في الليل. وإذا كان لهم أنشطة اجتماعية أو ترفيهية، أو علمية وثقافية أو غيرها فغالبًا تكون في آخر النهار، أو في أول الليل حتى صلاة العشاء أو بعده بقليل، ولا ترى من يسهر الليل. والذي جعلهم يسيرون على هذا المنهج الحياة العامة التي يعيشونها من أجل كسب لقمة العيش من
حرفهم المحلية. وبعض أبناء تهامة والسراة ذهبوا من بلادهم إلى بلدان أخرى في المملكة بحثًا عن وظائف حكومية؛ مدنية وعسكرية، وعاشوا في شهور رمضان في الأمكنة التي ذهبوا إليها، وأحيانًا يعودون لصيام هذا الشهر مع أهلهم في مواطنهم الأصلية، ولم يكن هناك اختلاف كبير من حيث اليسر والسهولة والبساطة في الحياة الرمضانية وغيرها.
4- من يدرس التركيبة الأسرية في المملكة العربية السعودية عمومًا، وفي بلدان السروات وتهامة خصوصا، (من مكة المكرمة والطائف إلى جازان ونجران) يجد أنَّها تتفاوت حسب المهن والظروف التي تعيشها الأسر. ففي البادية الجميع (ذكورًا وإناثًا مشغولون بأعمال الرعي والجمع والالتقاط. أما أهل القرى والحواضر فهم أكثر استقرارًا، فيمارسون الزراعة، وأحيانًا التجارة والحرف والصناعات اليدوية، ومنهم من يعمل في وظائف حكومية ودراسية وغيرها. وكل هذه الفئات لهم أنشطة ومساهمات متعددة في أسرهم خلال شهر رمضان، فالرجال عمومًا يقومون على إدارة بيتوهم وجلب ما تحتاج أسرهم من أغراض ولوازم، وغالبًا يساعد الأبناء الذكور في ذلك. أما النساء صغارًا وكبارًا فأعمالهن داخل البيوت، وأحيانًا يشاركن الرجال في بعض الأعمال الخارجية مثل الزراعة، والري، والحصاد، والرعي وغير ذلك.
5- جاء هذا القرن (15هـ/20م)، وبدأت أحوال الناس تتطور تنمويًّا وحضاريًّا، وتراجعت مهن الزراعة، والرعي، والصيد وزادت وتضاعفت الحياة التجارية والحرفية والصناعية. أما الوظائف الحكومية ثم الأهلية فتوسعت بشكل كبير حتى أصبح معظم السكان يسعون ويجتهدون في تطوير أنفسهم تعليميًّا ووظيفيًّا. وهذه التحولات الحضارية أثرت في كل شيء، ومن ذلك شهر رمضان، فالفرحة عند عموم الناس بقدوم الشهر مازالت عالية عند الجميع، لكن التعامل مع شهر رمضان بدأ يختلف من حيث كثرة الاستعدادات وتوفير كميات كبيرة من الأطعمة والأشربة، وذلك انعكس على المبالغة في إعداد وتقديم أنواع كثيرة من الطعام. كذلك أوقات العمل والنوم، فالغالبية من الناس خلال هذا القرن (15هـ/20-21م) يسهرون الليل كله حتى الفجر، ثم ينامون ساعات كثيرة من النهار. ومازال هناك فئات قليلة وبخاصة كبار السن ينامون جزءًا من الليل، لكن نمط الحياة وما جرى من تغيرات اجتماعية وثقافية شملت معظم شرائح المجتمع. وتحسن الأوضاع الاقتصادية وزيادة الوظائف الحكومية وتوفر الأموال في أيدي الناس من الأسباب الرئيسية التي أوجدت هذه التبدلات الحضارية
6- ذهبت خلال العقد الأول من هذا القرن (15هـ/20م ) إلى أمريكا ثم بريطانيا، وقضيت هناك حوالي تسع سنوات، وأدركني شهر رمضان في تلك البلدان مرات عديدة، ووجدت الجاليات الإسلامية من العرب وغيرهم تسودهم الفرحة بقدوم شهر رمضان، ولهم مساجد ومراكز إسلامية يجتمعون فيها للإفطار ثم صلاة المغرب والعشاء والتراويح، ولهم أيضًا العديد من البرامج والأنشطة الدعوية والدينية والتوعوية التي يقوم عليها نساء ورجال محتسبين. ولاحظت تعدد المذاهب والفرق الإسلامية في تلك البلدان الغربية، وكل فرقة أو حزب ديني لهم مساجدهم وأنشطتهم المختلفة خلال شهر رمضان. وكان أكثر اتصالي وحضوري مع المساجد والمراكز الإسلامية المعتدلة التي تسير على منهج أهل السنة والجماعة، ورأيت في تلك المقرات الكثير من الدعاة والصالحين والمحتسبين وأغلبهم من الدول العربية وبعض الدول الإسلامية. ومما عاصرته في مدن هيوستن، وأوستن، وبلومنقتون، وواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي مدن لندن، ومانشستر، وبرمنجهام ببريطانيا مساجد ومراكز إسلامية تعمل ليلًا ونهارًا خلال شهر رمضان على خدمة المسلمات والمسلمين الذين يرتادون تلك المراكز وجمعت الكثير من القصص والوثائق والصور الفوتوغرافية التي تعكس شيئًا من تلك الأنشطة في عدد من المناسبات الإسلامية الاجتماعية والدينية من عام (1401-1409هـ/1981-1989م)، آمل أن أعمل عليها دراسة علمية توثيقية وأنشرها في قادم الأيام.
7- قضيت معظم حياتي من عام (1415-1446هـ/1995-2025م) في منطقة عسير، وفي مدينة أبها تحديدًا، لكنني أسافر باستمرار إلى مدن وحواضر عديدة في السروات وتهامة، وفي مناطق المملكة العربية السعودية الأخرى، مثل: الحجاز (مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة)، والرياض، وبعض مدن المنطقة الشرقية وغيرها وأشاهد حياة السكان خلال شهر رمضان كيف توسعت اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وإعلاميًّا، وتعليميًّا وتوعويًّا. وذلك يعود إلى أساب كثيرة، منها ـ كما ذكرت ـ تطور وتحسن الأحوال المالية والوظيفية، بالإضافة إلى تطور التعليم في شتى مناحي الحياة، وبخاصة التعليم الشرعي فتعددت المدارس الدينية، والكليات، والأقسام العلمية التي تقوم على خدمة المجتمع تعليميًّا، وتوجيهيًّا في أمورهم الدينية من الكليات والمعاهد الشرعية الذين عملوا واجتهدوا في توعية أسرهم، وعملوا في الدعوة إلى الله، والتدريس، وخدمة الناس في إمامة المسجد، وخطب الجمعة وغيرها، وبالتالي تأسست قاعدة كبيرة للعلم والمعرفة وممارسة الأعمال والواجبات الدينية عند الرجال والنساء. ومن يتجول في أرجاء المملكة خلال شهر رمضان يجد المساجد والجوامع مليئة بالمصلين وبخاصة في صلاتي التراويح والتهجد، وكثرة الدروس الوعظية والإرشادية، وإن ذهبت إلى الكثير من المؤسسات الحكومية والأهلية والجمعيات الاجتماعية والخيرية تجدها تعمل بشكل كبير ومستمر على مساعدة المحتاجين، وتلمس أحوال الفقراء والمساكين، وتوزيع الصدقات، وإفطار الصائمين، وتوزيع زكاة الفطر على الكثير من الأسر والأفراد المعوزين. ومن يتأمل في وضع المسجد الحرام والمسجد النبوي وما يحدث فيهما خلال شهر رمضان من أعمال جليلة وكثيرة ومتنوعة، فذلك موضوع كبير يكتب فيه عشرات الكتب العلمية. وكان الحرمان الشريفان عبر عصور التاريخ في حركة وأنشطة دينية وخيرية كثيرة، لكن حالهما من حيث التطور الإسلامي والدعوي في شهر رمضان وغيره من الشهور خلال هذا القرن (ق15هـ/20-21م) لم يسبقه مثيل لا في النوعية، ولا في الجودة، ولا في الخدمات الكثيرة والمتعددة. ومن يدرس أي ناحية في المملكة خلال شهر رمضان في هذا القرن (15هـ/20-21م) فسوف يقف على تاريخ حديث ومعاصر يختلف تمامًا عن حياة الناس في رمضان خلال القرن الهجري الماضي وما سبقه. ومثل هذا الموضوع يستحق أن يكون عنوانًا للعديد من الكتب والبحوث العلمية الرصينة.
8- سافرت إلى الكثير من الدول والمدن في العالم العربي والإسلامي، مثل: دول الخليج، ومصر، وبعض دول شرق آسيا كإندونيسيا، وماليزيا وغيرها وعاصرت شهر رمضان في عدد من تلك الدول فكانت في السابق متواضعة في الإمكانيات المادية، لكن الناس كانوا وما زلوا يفرحون بقدوم شهر رمضان لما يعيشونه من روحانية وعادات وأعراف اجتماعية تنشط أو تظهر أثناء شهر الصيام. واطلعت على الكثير من الكتب والدراسات والمقالات المتعددة التي ترصد صورًا من حياة الناس خلال شهر رمضان في تلك البلدان، وخلال هذا القرن (15هـ/20-21م )، فوجدت الكثير من التغيرات بشكل عام على جميع المسلمين في أرجاء العالم، بعضها إيجابية وأخرى سلبية، واتصال بلدان العالم مع بعضها، وظهور ثم تطور مجالات التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكل ذلك من العوامل الرئيسية في التحولات التي تحدث في العالم، وشهر رمضان وما يجري فيه من مناشط وعبادات وطقوس وتقاليد من المواسم التي تأثرت كثيرًا بهذا التواصل الحضاري والتقني الواسع والمتنوع.
9- ربما يقول بعض القراء الكرام أنَّ عنوان المقال محدد في فترة محدودة من خلال المشاهدات والانطباعات، ثم يذهبون إلى أكثر من ذلك فيقولون: كان من المفروض أن أوثق جزئيات ومقارنات معينة عن طبيعة الحياة البشرية العامة والخاصة، الداخلية والخارجية خلال شهر رمضان سواءً في المملكة العربية السعودية أو البلدان الإسلامية والأجنبية التي زرتها أو عشت فيها. وهذا قول جميل، وتوصية مهمة لمن يعمل على بحث أو كتاب كبير يفصل فيه تاريخ دقيق وتحليلي. أما هذا المقال المختصر فلا يتسع لمثل هذا المقترح. ومن خلال هذه الفترة الحديثة والمعاصرة المدونة في عنوان المقالة فقد خرجت ببعض النتائج والتوصيات التي أذكر بعضها في المحاور التالية:
أ - إنَّ معظم التاريخ المدون في عنوان هذه الورقة عشته في ربوع المملكة العربية السعودية، واجتهدت في جمع مصادر تؤرخ لحياة المجتمع السعودي من مواطنين ومقيمين خلال شهر رمضان، لكنني للأسف لم أجد أعمالًا علمية مطولة ودقيقة وموثقة. وإن حصرت كلامي على بلدان السروات وتهامة، من مكة والطائف إلى جازان ونجران، فالواضع يزداد ضبابية. ومثل هذا العنوان يكتب فيه عشرات البحوث، أو الكتب، أو الرسائل الجامعية. وأرجو من أقسام التاريخ أو المؤرخات والمؤرخين وأساتذة علم الاجتماع في جامعاتنا المحلية أن يشجعوا دراسة مثل هذا الموضوع التاريخي الحضاري المهم.
ب - وجدت حواضر الحجاز ( مكة المكرمة، والمدينة المنورة) أحسن حالًا من غيرها من حيث وجود بعض الدراسات العلمية التي تعكس شيئًا من تاريخ رمضان في هذه المدن المقدسة عبر أطوار التاريخ وبخاصة في العصر الحديث. لكن الموضوع ما زال بحاجة إلى دراسة علمية نوعية. وفي كتب الرحالة والمذكرات والوثائق غير المنشورة مادة علمية جيدة لها صلة مباشرة بأحوال الناس في رمضان خلال القرن الهجري الماضي وهذا القرن (15هـ/20-21م)، وأوصي طلاب البحث العلمي المتخصصين أن يخدموا مثل هذا المشروع العلمي المهم.
ج - إنَّ بلاد المملكة العربية السعودية عمومًا، وأوطان السروات وتهامة خصوصًا تعيش طفرة حضارية كبيرة، وهذا مما جعل ملايين البشر من العالم العربي، والإسلامي، والأجنبي يفدون إلى هذه البلاد للحج والعمرة، أو العمل في قطاعات اقتصادية واجتماعية كثيرة. وهذه الفئات لها عادات وتقاليد كثيرة لها صلة بشهر رمضان، فمنهم المسلمون الذي يصومون هذا الشهر الكريم، وآخرون غير مسلمين. ولهم جميعًا تاريخ مع سكان البلاد واحتكاكهم وتواصلهم مع بعضهم البعض خلال شهر رمضان، وهذا المجال لا أجده مخدومًا في ميدان البحث والتوثيق. وقد رأيت وجالست الكثير من هذه الفئات الوافدة خلال العشرين سنة الأخيرة (1425-1445هـ/2004-2024م)، فوجدت هناك تأثيرًا وتأثرًا كبيرين بين السعوديين وغيرالسعوديين أثناء مواسم رمضان، وهذا التاريخ ليس محصورًا في مجال محدد، لكنه متنوع (اجتماعيًّا، وثقافيًّا وفكريًّا ومعرفيًّا، واقتصاديًّا)، ومثل هذا المقترح جيد جدًا لمن رغب بحثه ودراسته من المؤرخين والمتخصصين.
د - رأيت الطلاب السعوديين المبتعثين في أمريكا وبريطانيا، وفي بلدان عربية، وإسلامية، وأجنبية أخرى، يمارسون أنشطتهم الدينية المختلفة، ومنها صوم شهر رمضان. والشيء الجميل الذي عرفته أنَّ هناك كوادر سعودية كثيرة كان لهم جهود وتأثيرات إيجابية على من يحتكون بهم من غير المسلمين، أو بعض المتهاونين في أداء عباداتهم من صلاة وصيام. وعاصرت وسمعت عن كوادر بشرية طلابية سعودية بذلوا جهودًا كبيرة في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام حتى صار من هذه الشريحة دعاة وطلاب علم شرعي قاموا بنشر الإسلام في مجتمعاتهم غير الإسلامية. وهناك أعلام عديدون سعوديون أثروا على بعض العرب والمسلمين الذين كانوا مقصرين في صيام شهر رمضان وغيرها من العبادات الرئيسية. ومثل هذه الأنشطة مازالت غير مدروسة ولا مخدومة بحثيًّا وتوثيقيًّا.
هـ - نلحظ في العقدين الأخيرين (1425ـ1445هـ/2004ـ 2024م) اتساع وكثرة وسائل الترفيه الإيجابية والسلبية، وكذلك تأثيرات التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي. وهناك الكثيروبخاصة من الشباب من يقضي الأوقات الطويلة مع هذه الوسائل، بل يوجد العديد من المؤسسات والتجار والمستثمرين الذين يدعمون ويشجعون انتشار وتوفر هذه الأدوات أو المحلات التي تمارس أعمالها طوال العام حتى في شهر رمضان فلا تراعي حرمة هذا الوقت المبارك، وهذه بدون شك لها آثار غير جيدة على الفرد والمجتمع دينيًّا وسلوكيًّا. ومثل هذه المناشط لا يوجد لها دراسات جادة تخرج بتوصيات إيجابية في صالح البلاد والعباد، ويجب توفر البرامج والدورات والأنشطة التوعوية لكل الفئات ذات الصلة المباشرة بهذه التقنيات ووسائل التواصل الحديثة.
و- لا أدعي أنني استوفيت الحديث في هذا المقال، لكن حسبي أني اجتهدت وآمل أن أكون سجلت مادة علمية ذات فائدة يُستفاد منها ثقافيًّا، أو يكون فيها بعض الآراء والتوصيات التي تفيد في دراسات أو بحوث أو مقالات مفيدة أخرى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله .
وسوم: العدد 1119