شتاءُ النصر يحتضنُ ربيعَ الثورة في ذكراها الرابعة عشرة
هذا يوم مشهود في تاريخ سورية الحبيبة، لقد منّ الله علينا في هذه الأيام بيوم التحرير في: 8/ 12/ 2024، ثم تلاه اليوم يوم الثورة التي انطلقت في: 15/ آذار/ 2011م.
نقولها بأعلى صوت: لقد أهلّ الربيع، وازدهرت ثمار الحرية، وها نحن نتغنى بفرحة النصر والتحرير، المجدُ كلُّ المجد للشهداء، والفخر كلُّ الفخر بمن أصيب وتأذى في سبيل الحرية، ومبارك للثوّار كلّ الثوار الذين خرجوا وصمدوا حتى إسقاط الطاغية.
نحن الثورة، نحن الفكرة التي لا تخاف شيئًا ولا تهاب حاكمًا، نحن شعبٌ اتَّقد قلبه بضياء الحرية، وتوهجت روحه بنور العدالة، ومهَّد سبيله دمٌ زَكيّ طاهر، نحن طلاب حقّ، وحيثما تجِد حقاً تجِدُ حراً شريفاً. نحن شعوبٌ لا تعرف الهزيمة.
لا حزنَ بعد اليوم يا سوريّة، اِخلعي عنك ثوب الحدادَ، إنّ فوقَ كلّ شبرٍ منك جسدُ ضحيَّة، لا تخافي من الجلاد فلقد ولّى إلى غير معاد، اِنزعي عنك لباس الخوف، وارتدي ثوب الحرية والانتصار إلى يوم يبعثون. لقد عاد الحقُّ إلى أهله، والعَودُ أحمدُ.
إنّ القطرة الأولى من دماء أبنائك الأحرار قد صنعت أَلَق وبريقَ هذا الانتصار، إنّ الصرخة التي صدحت بها حناجر الأحرار قبل أربعة عشر عامًا جعلت الطاغية يولّي هاربًا إلى غير رجعة.
لقد قلناها وراهنّا على ما نقول: ستحسمُ القضيّةُ فوقكَ يا قاسيون. وها هو قاسيون قد فتح ذراعيه مُرحِّبًا بأبنائه الخلّص، الذين أطلّوا من فوقه معلنين: رحيلٌ إلى الأبد يا أسد.
لقد وقف السوريون شامخين كسنديانةٍ في وجهِ كلِّ طلقةٍ وكلِّ بندقية، لقد نثروا الورود الحزينة في الطرقات، فكانت شذا عطر فوّاحٍ انتشر في كل بيت وخيمة وجبلٍ وسهل.
في آذار يكون الربيع وتكتسي الأرض اللون الأخضر ممتدًا من السهل إلى الجبل، ومن البحر إلى النهر على امتداد 185 ألف كم مربّع.
في مثل هذا اليوم قبل أربعة عشر عامًا أعلناها صرَّخةً في وجوه الطغاة والمفسدين: حرية إلى الأبد يا بَلَد.
إنّه عصرٌ يولد من جديد، في آذار كانت سنة الانبعاث، كانت أسابيع الانتفاضة وأيام التمرد، كانت صرخات الإنسان وهتافات الحياة، كان العشرات والمئات، كان الألوف والملايين، كان التلميذ والمعلم، الحرفي والمهني، الفقير والغني، كان الكبير والصغير، الشاب والفتاة، الرجال والنساء، كان المسلم وغير المسلم، كان العربي وغير العربي، ينادون بصوت واحد: واحِدْ واحِدْ واحِدْ، الشعب السوريّ واحِدْ.
لقد كانت المطالب يسيرة وكانت الاستجابة مخيفة، كانت الحياة والموت، كان العدل والظلم، كان النور والظلام.
لقد كان الهتاف والرصاص، كان الحب والكره، كان السلام والقتال، كانت العدالة والاستبداد، كان الشعب والرئيس، كان الشعب والجيش، كان معه كل شيء ولم يكن بحوزتنا شيء سوى الحناجر والهتافات، كان ربيع الأمل، كانت ثورة الإنسان، كانت ثورةٌ للحياة، كانت وكان، ثورة وثائر، إنّ ثورة آذار كانت وما زالت، ثورة للحياة، والسوريّ كان وما زال، ثائرٌ في وجه الطغيان والظلم، لقد كانت ثورة السوريين على امتداد ستين سنة بوجه المفسدين والفاسدين.
إنّ إرادة السوريين لم تنكسر لأنّها من إرادة الله الذي يمقت الظلم والفساد.
لا يفنى ثائرٌ، ولا تموت ثورة قامت لإحقاق العدل وإزهاق الباطل.
لا ينفع سلاح ولا يجدي إرهاب بوجه طُلَّاب الحقّ،
لم تقهروا أرواحَنا، لم تخُر عزيمتنا، بقينا صادمين، وكنتم الساقطين الراحلين.
لقد صرخ الإنسان، صرخ الشعب وثارت الجموع، اِنتفضت الأهالي وقامت الشوارع، اِمتلأت المساجد والساحات، تعالت الصيحات وامتزجت الأصوات، تلونت الهتافات وتعدَّدت المطالب. جموعٌ بشرية تأنف الضراعة والمهانة، تسمو للعظمة والكرامة، طماحة لا ترضى بالقناعة، تصبو للعُلا والسَمَا.
بقلب واحد وجسد واحد؛ من السهل إلى الجبل، من البحر إلى النهر: الشعب يريد إسقاط النظام.
هتافٌ جَلْجلَ الأرض وهزّ الجبال ورفرف يشق عنان السماء يُرعِب أركان الاستبداد ويقضُ مضاجع الطغاة.
كنا نُضرب بالعصي ونذبح بالسكاكين، كان المعتقل جحيمًا والموت رحيمًا، الداخل مفقود والخارج مولود، لاحقنا الموتُ في الشوارع والمنازل، في المساجد والمعابد، لكن النفوس سَمَت، والأرواح علَتْ عن هذا القدر الخطير وتطلعت إلى حياة السماء، حياة الكرماء والأشراف، فلم نرتضِ حياة العبيد والأتباع. غنينا للحياة، حياة الأحرار، صلينا لها وأنشدنا نطلبها في الساحات والشوارع.
لقد استعان النظام بكلّ شُذّاذ الأفاق والسَّفَلة. لقد كثرت الانتكاسات وتوالت الخيانات، لقد عظمت الخسارات واجتمعت أمم الظلم علينا، وتكالبت قوى المصالح على أرضنا وبلادنا؛ غير أنّ الثائر الجليل، العظيم الشريف، ثابتٌ على مبدأه قائم على قضيته، يغُزُّ السير لأجلها، ويبذل نفسَه في سبيلها، لا يحيد عنها ولا يخلف وعدَه معها، لا يخون دماءَ شهدائها وأنّاتِ معتقليها، فكانت الثورة تزداد بهم صموداً ويزداد بهم شرفًا ومجدًا.
أيها الأحرار في سورية الحبيبة:
نحن الأمل، نحن الوطن القادم، نحن التاريخ المضيء، نحن طلاب الحرية، نحن أهل الحق، نحن من سيحمل التاريخ اسماءَهم، وتروي الأجيال قصصهم، وتسطِّر الصفحات تضحياتهم، نحن بذور دولة العدالة والحرية، نحن من قوّض أركان دولة الاستبداد ورفع دعائم الحريّة.
نقول لمن رحلَ شهيدًا، ولمن أصيب وبذل:
أجرُكم لن يضيع، ويكفيكم شرفًا أنّكم ممّن حمل شعلة الثورة ووضعَ أُسُسَها.
ونقولها لسورية:
نحبُّ البلاد…
كما لا يحبُّ البلادَ أحد
صباحَ مساء
وقبل الصّباحِ، وبعد المساء
ولو قتّلونا كما قتّلونا
ولو شرّدونا كما شرّدونا
لقد انتصرنا يا بلدْ
وعدنا يا قاسيون
وعادَ إلى أرضنا الشجر
وعادَ إلى ليلنا القمرُ
وصاحَ الشهيد:
سلامٌ
سلامٌ
على من صمدْ
نحبُّ البلاد
كما لا يحبُّ البلادَ أحد
قادمون قادمون، وبيدنا شعلة الانتصار والتحرير كي نبني البلد بعد هزيمة الأسد. اليوم أو بعد غد، نحن الباقون، وأنتم الساقطون، نحن أصحاب الإرادة والكلمة الأولى والأخيرة. فالشعب فوق الحكومة، والشعب فوق الرئيس، الشعب أبقى من الحكومة.
حرية وانتصار إلى الأبد يا بلد، رغم أنف وجبروت الأسد
وسوم: العدد 1120