شارع خائب وحكومة فاشية: زوايا إسرائيلية لا تقبل التربيع
أجرت القناة 12 الإسرائيلية استطلاع رأي أظهر مستويات جديدة من اتساع الفجوة بين شارع واضح المطالب، وحكومة يمينية فاشية مبطّنة الأجندات؛ كما أوضحت الآراء المُستطلَعة أنّ ما يقترن بهذه الهوة الفاغرة من خيبة رجاء صريحة لدى الجمهور، لا تتردد أصداؤه لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شخصياً، فالعكس هو الصحيح، والحال ذاتها لدى رهط الوزراء المنصاعين لهيمنته أياً كانت أحزابهم الليكودية أو اليمينية المتطرفة أو الدينية المتشددة أو الفاشية.
الاستطلاع يقول، من جهة أولى، إنّ 69% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب ضدّ قطاع غزّة مقابل الإفراج عن الرهائن؛ في عدادهم 54% من ناخبي التحالف الحاكم؛ بينما توصي نسبة 21% الاستمرار في الحرب. أصحاب الآراء على إدراك تامّ بأنّ عدد الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية يبلغ 59، يُعتقد أنّ 24 منهم ما يزالون على قيد الحياة. يدركون، أيضاً، أنّ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار تنطوي على إطلاق سراح الرهائن الأحياء، مقابل إنهاء دائم للحرب وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، وأنّ المرحلة الثالثة تتضمن الإفراج عن الجثامين لدى الطرفين.
والاستطلاع ذاته يقول، من جهة ثانية، إنّ 70% من المشاركين فيه لا يثقون بحكومة نتنياهو، مقابل 27%. وفي صفوف ناخبي التحالف الحاكم، يثق بالحكومة 51% مقابل 36%. وعلى صعيد ملفّ حساس يمسّ مستوى المعيشة، أي ميزانية 2025 التي تمّ إقرارها مؤخراً في الكنيست بأغلبية 6652؛ يقول الاستطلاع إن 54% من الإسرائيليين يعتقدون أنها سوف تُلحق الضرر بأوضاعهم المالية الشخصية، مقابل 20%، و7% فقط يؤمنون بأنها سوف تحسّن أوضاعهم.
شارع خائب الرجاء، مقابل حكومة فاشية السياسات، في إطار معطى أوّل يؤكده هذا الاستطلاع؛ ولكنّ الشارع ذاته، بشرائح تبدّلت أو تحوّلت أو رسخت أو ركدت، بهذا المقدار أو ذاك، هو محصّلة صندوق الاقتراع الذي أبقى نتنياهو على رأس حكومات دولة الاحتلال خلال 17 سنة ونيف، أطول من أيّ سياسي إسرائيلي بمَن فيهم روّاد الكيان أمثال دافيد بن غوريون. ليس هذا فحسب، بل هو ملاحَق قضائياً بتهم الفساد والرشوة وإساءة الأمانة، ولا يمرّ شهر من دون أن يخضع لابتزاز وزراء يمينيين في حكومته، أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترش؛ كما أنه يواصل تحدّي سلطات القضاء والمحكمة العليا وجهاز الشاباك، وأجندات إفلاته من المساءلة السياسية والقانونية والحزبية هي الأعلى شأناً وأولوية في دولة الاحتلال…
في خلاصة أخرى، بين خيبة الشارع وتعنت الحكومة الفاشية، ثمة تناحر جلي يرسل مئات آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع، إشفاقاً على الرهائن أو دفاعاً عن رئيس الشاباك ومستشارة الحكومة القضائية اللذين أطاح بهما نتنياهو؛ أو، في سردية أخرى تتوخى تلميع صورة الكيان، دفاعاً عن «دولة القانون» الإسرائيلية بوصفها الواحة الديمقراطية الوحيدة في بيداء الشرق الأوسط. لكنه غير بعيد عن أمثولة الجعجعة العالية التي تُسمع وتكاد أن تصمّ الآذان، لكنها لا تُري طحناً من جهة أولى، ولا تزيد نتنياهو إلا إمعاناً في العربدة والتسلط والاستهانة من جهة ثانية.
لا تربيع للزوايا، إذن، بين شارع خائب يتظاهر ويصرخ ويتباكى، وحكومة متغطرسة لا تخجل البتة من كونها الأشدّ يمينية وفاشية على امتداد تاريخ الكيان؛ الأمر الذي لا يسري بالضرورة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا أو ذاك من كبار أركان إدارته، أو هنا وهناك حيث تتمتع دولة الاحتلال بصفة فتى الغرب المدلل (مع الاعتذار من المسرحي الإرلندي الكبير جون ملنغتون سينج!)، وحيث من الميسور تربيع الزوايا، حتى باستخدام «مكبس» واحد وحيد يُدعى حقّ الكيان في الدفاع عن النفس.
وسوم: العدد 1122