بلسان واحد: «كلنا أفيخاي أدرعي»…!

 لعلها من علامات الساعة أن تجد «عربًا» يهاجمون المقاومة الفلسطينية بالعبارات نفسها التي يستخدمها الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي! بقي لهم فقط أن يرددوا بصوت واحد: «كلنا أفيخاي!» المثير في المسألة أن هذا الهجوم جاء بتناسق مريب مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وكأن البعض قرر أن يكون بوقًا مجانياً للـ»ترامبية» الجديدة، ناطقًا بلسان واشنطن وتل أبيب دون الحاجة إلى مترجم. فجأة، تحوّل بعض العرب إلى مدّاحي الاحتلال، وانهالوا على المقاومة باللوم، وكأن المطلوب من الفلسطينيين أن يقدّموا أنفسهم قربانًا لإسرائيل دون مقاومة أو رفض!

ومن المفارقات العجيبة، أنه بينما يرفع فنانون وطلاب وبرلمانيون وإعلاميون في دول غربية أصواتهم تنديدًا بالمجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين في غزة، ويجاهرون بدعمهم للمقاومة ضد الاحتلال، نجد في بعض البلدان العربية من يتماهى مع أطروحات العدو، بل ويفضل إلقاء اللوم على الضحية عوض الجلاد، في انسلاخ تام عن الحد الأدنى من المروءة والضمير الإنساني. هؤلاء أنفسهم، لا ينطقون ولو ببنت شفة عن الجرائم الوحشية التي تُرتكب أمام العالم أجمع: تقتيل للمدنيين، إبادة للأطفال، قصف للمستشفيات، تحطيم للمباني السكنية فوق رؤوس سكانها. أي عقلية بائسة تلك التي تبرر الصمت أمام هذه الفظائع؟

ومن غرائب المشهد، أن قياديا اشتراكيا مغربيا، قرر الانقلاب على التاريخ النضالي المشرّف لحزبه، متناسيًا أن هذا التنظيم الحزبي العتيد كان جبهة يسارية مناصرة للقضية الفلسطينية على مدى عقود. أما الآن، فالظاهر أن الرجل وجد في مهاجمة المقاومة هواية جديدة، ناسيًا أن الفلسطينيين لا يطلبون من أحد أن يميز لهم بين «المقاومة الصالحة» و»المقاومة الطالحة»، بل يطلبون فقط موقفًا واضحًا ضد الاحتلال.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ ظهر على قناة «سكاي نيوز عربية» شخص يُقدّم نفسه على أنه مدير مركز بحث في القاهرة، ليطالب المقاومة الفلسطينية بصيغة أقرب إلى الأمر العسكري، بأن تلقي السلاح وتحل نفسها بنفسها! يا للعجب، هل تراه كان يحاضر في معسكر تدريب للمجنّدين الجدد في جيش الاحتلال؟ لو قال هذا الكلام أفيخاي أدرعي، لكان الأمر متوقعًا، لكن أن يصدر عن شخص يُفترض أنه «محلل عربي»، فهذه شهادة براءة اختراع في العمالة المجانية.

والحال أن مثل هذا الخطاب يسقط الشرعية عن كل حركات التحرر في التاريخ، فهل سيقولون الشيء نفسه عن المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني؟ هل كانوا سينصحون نيلسون مانديلا بأن يلقي السلاح ويقبّل أيدي جلاّديه؟ هل سيخبرون الفيتناميين بأن عليهم التصالح مع المحتل الأميركي؟ أم أن كل مقاومة في العالم مشروعة، إلا عندما يكون المحتل إسرائيليًا والمقاوم فلسطينيًا؟

لكن، وعلى النقيض من أصحاب المشروع الاستسلامي، نجد وعيًا شعبيًا عميقًا في الشارع المغربي، حيث تُثبت الجماهير الكروية في مختلف الملاعب أن قضية فلسطين لم تغب عن وجدانها أبدًا، فتصدح المدرجات بشعارات قوية تدين العدوان وتعلن الانخراط الوجداني في المقاومة، وترفع الجماهير الأعلام الفلسطينية، وكأنها تخوض معركتها الخاصة ضد الاحتلال بوسائلها المتاحة. مشجعو كرة القدم في المغرب ليسوا مجرد متفرجين، بل هم صوت ثائر يرفض الخضوع لمنطق التطبيع، ويُذكّر الجميع بأن الشعب المغربي ظلّ دومًا وفيا للقضية الفلسطينية، مهما حاول البعض الالتفاف على هذا الموقف.

إنه الزمن الرديء الذي بات فيه بعض العرب يرددون – بوعي أو بدونه – كلمات الناطق الرسمي لجيش الاحتلال نفسها. وعلى غرار عبارة «كلنا إسرائيليون» التي أطلقها ناشر ورجل إعلانات مغربي، مباشرة بعد هبوب «طوفان الأقصى» منذ حوالي عام ونصف، لن يكون مستغربًا إذا جاء يوم ووجدناهم يرفعون شعارًا جديدًا في قاعات المؤتمرات وعلى شاشات التلفزيون: «كلنا أفيخاي!»

أصوات نشاز!

اللافت للانتباه أنه بجانب هذه الأصوات النشاز، اختارت هيئتان لم يسمع أحد بهما من قبل، مهاجمة المسيرات التضامنية في المغرب مع فلسطين، واعتبرتاها تهديدا للأمن العام، وطالبتا بالتدخل العاجل للنيابة العامة. وعلى منوال البيان/ النكتة الصادر عن كل من «الائتلاف الوطني لجمعيات المجتمع المدني» و«المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد» جاز لنا أن نصوغ النداء التالي: «أيها المواطنون الأوفياء، يا درع الوطن الحصين، يا حراس الفضيلة السياسية، نحييكم تحية يقظة دائمة لا يزعزعها مناخ مشبوه ولا نسيم ملوث بأفكار غير مصرح بها رسميًا! لقد رصدنا، بفضل جهودنا الجبارة في تحليل الأزمات محاولات مريبة لضرب استقرار الوطن، بدءًا من «مسيرات مشبوهة» تتستر خلف شعارات رنانة، مرورًا بأحزاب ضالة تجرؤ على التفكير، وليس انتهاءً بأشخاص يتكلمون عن المقاومة وكأنها ليست مرادفًا للفوضى المطلقة! وعليه، فإننا نطالب، ونصرخ بأعلى صوت، بضرورة إنزال العقوبات الرادعة بكل من تسوّل له نفسه النطق بكلمات غير مصادق عليها من الجهات المختصة، أو التجرؤ على مناقشة قضايا تُحسَم فقط في أماكن مغلقة ذات سقف مرتفع. ونخصّ بالذكر صاحب اللحية المشاغبة الذي لا يزال مقتنعًا أن الأحزاب يجب أن يكون لها رأي سياسي! يا للفضيحة السياسية! هل نسي أن الحزب الوحيد المعترف به هو «حزب الوفاء المطلق»؟ حزب لا يعارض، لا يناقش، ولا يرى إلا ما يراه أهل الحل والعقد؟ أما بخصوص المسيرة المزعومة لدعم فلسطين، فنحذر الجميع من الوقوع في هذا الفخ العاطفي المدمر! فالجهات المنظمة ليست سوى تجمع لأصحاب «النيات الخبيثة جدًا» الذين يختبئون خلف شعارات براقة لتغطية أجنداتهم الخفية التي تهدف، بالطبع، إلى زعزعة المصالح العليا للبلاد! هل يعقل أن تنطلق مسيرة دون استشارة مسبقة مع أولي الأمر؟ من يضمن أنها لن تتحول إلى حفلة تفكير جماعي، أو أسوأ من ذلك، إلى مساحة للنقاش الحر؟!» هكذا هو لسان حال الذين يجاهرون بعدائهم للمقاومة الفلسطينية!

وسوم: العدد 1122