بيان إلى الله
لاتستغرب العنوان ، فأحوالنا فى مصر أكثر غرابة من العنوان ، لقد ضاقت بى السبل ، وفى هذه الحالة عادة يتوجه الانسان إلى الله وحده لا شريك له . ولاشك أننى ناجيت الله ألف مرة عبر السنين ولكن ليس لى – الآن على الأقل – أى مطلب شخصى ، بل لقد رحمنى الله وسترنى بحيث أخجل أن يكون لى مطلب شخصى ، وإن كان فلن يكون فى بيان علنى قد يقرأه بعض الناس .
بعد رحلات وعرة فى جبال الدنيا أيقنت منذ 45 عاما أو عدت إلى يقينى أن كتاب الله : القرآن الكريم منزل من السماء فعلا ، وانه هداية للبشر جميعا ، وأن فيه الخلاص والترياق والعلاج لكل أوجاع الناس ، وأنه هدى للمتقين كما قال فى مفتتح سورة البقرة . ولكننى أكتشفت بمعاناة كبيرة أن الأغلبية – كما ورد فى سورة يوسف
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ(106) –
أكتشفت أن الأغلبية
لا تتعامل مع القرآن الكريم بهذه القدسية بمعنى الجدية ، وليس بمعنى أنه بركة أو أيقونة لتوضع فى السيارة حتى لا تسرق وعلى باب المحل عند إغلاقه حتى لا يسرق ليلا . أو فى جيد الرجال والنساء ليحفظهم من أى مكروه.
وتأتى الجماعات الاسلامية المختلفة على رأس هؤلاء وأخطر من كل هؤلاء لأنهم يرفعون راية الاسلام . حتى لقد وصل الأمر بى أن خاطبت الاخوان المسلمين فى عام 2014 فى إحدى مقالاتى : ألم تقرأوا سور البقرة وآل عمران والنساء وغيرها من طوال السور فى بداية القرآن ، وإذا كنتم تقرأونها بل يحفظها بعضكم لماذا لا تعملون بها ؟ وهى سور الأحكام التى ركزت على التحذير من موالاة الكفار والمشركين دون المؤمنين .
ثم اكتشفت كما كتبت من قبل أن الاسلام السياسى فى أغلبه وعلى رأسه الاخوان المسلمين علمانيون يؤمنون بالصلاة والصوم والزكاة والحج ، يرون فى الاسلام الشعائر لا الأحكام المتصلة بالعمران البشرى أو ما نسميه السياسة والاقتصاد والاجتماع . ويفصلون بين الدين والسياسة كما يردد العلمانيون بل كما أعلن الرئيس السادات . حتى لقد قالها راشد الغنوشى – فرج الله كربه – بالنص : لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين. وبالتالى يمكن الوصول للحكم بالتعاون مع أمريكا كما حدث فى مصر ويحدث الآن فى سوريا وحدث من قبل فى تركيا .
ولكننى لا أتوجه إلى الله الآن لأشكو هذه الجماعات بل لأشكو حال الأمة بأسرها . فلا كهنوت فى الاسلام ، رغم أن هذا حدث مع الأسف ، ولكنه ليس صحيحا . فكل مسلم يتعين عليه أن يتعامل مباشرة مع الله ومع القرآن . حقا هناك أولوا الأمر من الأمراء أو العلماء ولكننا يمكن أن نتنازع معهم فنلجأ إلى القرآن والسنة ليحكما بيننا ، فالدين ليس غامضا كما يزعم أصحاب الهوى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء
ولابد قبل أن أبدأ فى سرد البيان الأول أن أستثنى من حديثى كل المجاهدين من رافعى راية الاسلام فى فلسطين واليمن ولبنان والعراق وإيران وأفغانستان وماليزيا .. وفى كل بقاع الأرض يتمسكون بآيات الله وسنة رسوله المؤكدة تمسكا عمليا وليس بالتمتمة والشعائر بدون عمل .
بيان إلى الله
يا الله .. يارب العالمين
أنزلت إلينا كتابك وقلت لنا إنه “لا ريب فيه ” وإنه كتاب أحكمت آياته وفيه تفصيل كل شىء .. وما فرطنا فى الكتاب من شىء .
ولكن منذ فترة طويلة نشأت حركة فقهية أدت فعليا إلى رفع مستوى الاهتمام بالسنة على القرآن . والمشكلة الأكبر أن مستوى تأكيد السنة لا يقارن بتأكيد القرآن المتواتر الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولم تتصد أى جهة علمية موثوقة لمراجعة عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الأحاديث وكثير منها مدسوس أو ضعيف أو آحاد ومتعارض مع بعضه بعضا . أشير فحسب إلى هذه المعضلة التى سأفصلها فى كتابات خاصة .
الذى يشغل الآن أى انسان عاقل أو مخلص هذه الهجمة العدوانية على أمتنا التى تستهدف الأخضر واليابس ، وتقف الأمة لا تحرك ساكنا .. وتستسلم للذبح . طالما أنه يجرى فى بلد مجاور أو حتى فى بيت مجاور ولم يصل بعد إلى بيتك .
منذ وقع حكامنا اتفاقية كامب ديفيد وحتى قبلها بسنوات قليلة أى منذ وقف إطلاق النار فى 24 أكتوبر 1973 قررت مصر حكاما ومحكومين إلا قليلا : إلغاء الجهاد والاعتراف بضياع فلسطين والارتماء فى أحضان العدو الأمريكى .. ماليا وتسليحيا وفى إطار حالة عامة من التبعية . أى منذ 51 عاما .
ولا يوجد فى كتابك يارب أى نص أو مسوغ لهذا القرار . هناك مجرد حديث عن تهدئة أو وقف إطلاق نار أو هدنة .
وعندما كنت ومن معى نناقش قوم كامب ديفيد الذين تحولوا إلى أغلبية كاسحة فى الحكم والمعارضة .. كانوا يقولون لى : إنك مجنون فلا طاقة لنا بأمريكا أو اسرائيل . ليس هذا ما يهمنى . الذى كان ولا يزال يهمنى أنهم اتخذوا هذا القرآن مهجورا .
لسان حالهم يقول : عندما نزل القرآن الكريم ربما غاب عن علم الله أو لعله كان ينزله لأهل الصحراء فى الجزيرة والذين يحملون السيوف بالكاد ، غاب – وحاشا لله – عن علمه أن أمريكا ستمتلك بعد 14 قرنا أسلحة نووية وطائرات إف 35 وستعطيها لاسرائيل وبالتالى فإن القول ب ” قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ” لم يعد له محل ، فإذا نحن وقفنا مع غزة سنتعرض للتدمير مثلها وهكذا قال نتنياهو بنفسه ، وفعل ذلك جزئيا فى لبنان واحتل 600 كيلومتر مربع من سوريا ولا يزال يقصفها ويدمر الآن الضفة الغربية . لم تعد آيات القرآن تسعفنا أو تصلح لنا . بل هاهم يهددون إيران واليمن بالنووى . فكيف نقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة . فليدمروا اليمن وإيران بعد غزة والضفة وجزء من لبنان والجيش السورى كله ، لتبقى مصر “قوية مرفوعة الرأس” ، أبنيتها لا تزال واقفة ، أما مسألة الكرامة فيمكن أن نجد حلا لها ، يمكن أن نعيش بدون كرامة ولكن لا يمكن أن نعيش بدون بيت وبعض المأكولات .
إنهم يارب لا يدركون أن الآية التى يرفضون تنفيذها ” قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ” هى ذاتها مفتاح الحل . قيل لو أن 2 مليار مسلم ألقى كل منهم كوب ماء على اسرائيل لغرقت . وهذا صحيح ولكن هناك صعوبة فى التطبيق العملى . كيف ستصل هذه الأيادى إلى اسرائيل . لذلك فإن القتال أسهل . وإذا قامت الجيوش العربية المجاورة لاسرائيل بإمكانياتها الحالية بفتح النار على اسرائيل فى وقت واحد لارتدعت اسرائيل وأمريكا وأوقفتا حرب إبادة غزة وكل ما يحدث فى الضفة ولبنان وسوريا . وهنا كان أمام أمريكا واسرائيل أحد احتمالين : ضربنا جميعا بالقنابل النووية وهذا ما ألمح إليه جالانت وزير الدفاع الاسرائيلى المقال . عندما وقف فى إحدى القواعد وصرح بأن سلاح الجو الاسرائيلى قادر على أن ينال من كل العواصم فى المنطقة . وكتب الاعلام الاسرائيلى صراحة عن ضرب السد العالى بالنووى . الاحتمال الثانى : هو احتلال كل سوريا ومصر ولبنان والأردن . أو ماتيسر من أراضيها .
الاحتمال الثانى
أسهل فى المناقشة . وترد عليه واقعة أن المقاومة المسلحة بدأت فى درعا بسوريا ضد القوات الاسرائيلية وهى العملية الثانية من نوعها وقتل فيها جندى اسرائيلى والعملية الأولى كانت فى القنيطرة . الاحتلال يعنى أن تجوث القوات خلال الديار وبين ملايين البشر حيث يمكن إصطيادك بالمدفع الرشاش والمسدس والسكين والحجارة . ألاتعلمون حالة الجيش الاسرائيلى الآن وفقا للتقارير الاسرائيلية : 48 % من قوات الاحتياطى ترفض الاستجابة لأى استدعاء للقتال من جديد . وأن عدد المصابين والقتلى 120 ألف منذ 7 أكتوبر 2023 ولذلك لا يستطيعون اجتياح غزة المنهكة ولا لبنان . ويكتفون بالقصف البعيد المدى الذى يقتل الأطفال والنساء ولا يحقق هدفا عسكريا . إن هذه أنسب لحظة للهجوم على اسرائيل إذا أخطأت وبدأت هى بالعدوان عندما نقوم بفتح معبر رفح بالقوة لإدخال المساعدات .
ولكن ماذا عن الاحتمال الآخر : ضربات نووية اسرائيلية وأمريكية ؟ يقولون يارب أو هذا هو لسان حالهم إنك لم تضع السلاح النووى فى تقديرات وأحكام القرآن . وهذا الأمر يحتاج إلى بيان ثان. .
إنهم لم يقرأوا أو لم يعترفوا بما ذكرت فى محكم تنزيلك ” أن القوة لله جميعا” . قالوا هذه ترانيم الصلاة .. بل إن القوة جميعا فى الواقع لأمريكا واسرائيل . لقد حركت أمريكا طائراتها القاذفة لقاعدة دييجو جارسيا فى المحيط الهندى لضرب إيران بالنووى . وقد قال مفسرون كبار إن هذه القوة لله المقصود بها عذاب الآخرة فحسب ، وكأن الله لايقدر على تعذيب المجرمين فى الدنيا قبل الآخرة ” لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم ” 114 – البقرة”
يارب أحكم بيننا بالحق وأنت أحكم الحاكمي.
****************************
البيان الثانى إلى الله : فى هذه اللحظة لا يلتزم بآيات القتال سوى أهل فلسطين واليمن
أعلم أنك تعلم كل شىء فى السموات والأرض فى الماضى والحاضر والمستقبل وأنك عليم بذات الصدور ولكنك سبحانك أمرتنا أو سمحت لنا بالدعاء إليك ، لأن الدعاء مخ العبادة . إننى بهذه البيانات المتتالية أحاول أن أضع الناس خاصة المؤمنين فى مواجهتك مباشرة فلا يختفون وراء شيخ أو حزب أو نظام أو أى أكمة ليهربوا من واجباتهم الوجودية ، و حتى لا يضعوا أصابعهم فى آذانهم ويستغشوا ثيابهم رغم أنهم يعترفون لفظيا بوجودك . وأنت قلت لهم :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ – الصف 14
قال الحواريون : نحن أنصار الله .
والملفت للنظر أن أنصار الله فى زماننا اتضح أنهم هم الذين سموا أنفسهم أنصار الله وكانوا صادقين أو أثبتت الأيام صدقهم . أنصار الله اليمنيون هم وحدهم فى هذه اللحظة من يجسد هذا الامتثال الكامل لنداء الله ، لذا لا أدعو لشىء عجيب بل أدعو للإقتداء ببشر مثلنا فى هذا الزمن الذى يمتلك فيه الأعداء السلاح النووى ، ولم يجفلوا ولم يهابوا أو يوجلوا . لذلك أدعو كل عربى ومسلم لديه سلاح يطال الكيان الصهيونى أن يفتحه فورا الآن وفى وقت واحد حتى يتحقق الردع الكامل و حتى نوقف ذبح الفلسطينيين فى غزة والضفة . وهذا ينطبق على مصر الكبيرة المحازية لحدود غزة وأنت سبحانك من قلت فى كتابك : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ” التوبة 123
وسوريا الجولانى التى قتلت أكثر من ألفي سورى فى الشهر الماضى والأردن ولبنان جيشا ومقاومة ثم عودة المقاومة العراقية للقصف وإيران التى ضربت من قبل مرتين وتركيا والجزائر . وبالترافق تطلب جيوش هذه البلدان السماح لها بدخول مصر وسوريا والأردن ولبنان استعدادا للزحف البرى إذا لزم الأمر . وقد طلب اليمن ذلك صراحة .
الرد جاهز
الاتهام بالجنون والانفصال عن الواقع أو موقف خيالى رومانسى لافائدة منه ولن يستجيب أحد له . لا بأس أعلم أن النظام الرسمى العربى ومؤتمر الدول الاسلامية لا يستجيب لمثل هذه الدعوات ولا يسمعها أصلا . ولكن أهمية طرح هذا الموقف أنه يوضح الهوة بين موقف معظم المسلمين حكاما ومحكومين والموقف القرآنى ” و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ” التوبة 36
شارك فى إبادة أهل غزة الاسرائيليون والأمريكيون والانجليز ومرتزقة من شتى أصقاع الأرض وشارك هذا الحلف فى العدوان المستمر على لبنان والضفة وسوريا بالتجسس والمعلومات وتقديم الأسلحة وشارك الأمريكيون مباشرة فى قصف الضاحية الجنوبية وإيران . وشارك الغربيون جميعا فى الناتو فى حماية أجواء اسرائيل من الصواريخ الايرانية مرتين . والأمريكيون والانجليز يتعاونون فى ضرب اليمن وانسحبت أساطيل غربية أخرى خوفا من ضربات اليمن .
فكيف نترك الآن غزة والضفة واليمن ولبنان وسوريا تتعرض للعدوان ؟
ستقولون أغلب الحكام لن يوافقوا وهم على اتصال بأمريكا واسرائيل ، ولكن الشعوب ليست كذلك والنخب خارج الحكم أغلبها ليس على اتصال باسرائيل وأمريكا فلماذا لا تعلن هذا الموقف ؟ إذا تحركت الشعوب وحركاتها السياسية من أجل نصرة غزة حقا بالقتال ، لن يكون أمام الحكام بدا من التحرك ، وإذا لم يتحركوا فلتعلنوا العصيان والتظاهر و تمارسوا كل الضغوط السلمية الممكنة ، ولماذا لا تنشأ حركات مسلحة تعمل عبر الحدود لضرب الكيان المحتل بدلا من قتال الجيشين المصرى والسورى كما حدث فعلا فى السنوات الأخيرة ؟ المشكلة أنكم ركنتم جميعا إلا من رحم ربى و قليل ما هم إلى منطق كامب ديفيد . وأن مقاومة التحالف الصهيونى الأمريكى صعبة أو مستحيلة إلى حد أن التخلى عن تعاليم القرآن يبدو الموقف الأسلم والأعقل والأقرب إلى المنطق . لسان حالكم يقول إن آيات القرآن نزلت قبل استحداث الأسلحة ذات الدمار الشامل والصواريخ . وأن الله قال : لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة . فى حين أنك إذا راجعت الآية ستجدها تتحدث عن التهلكة فى حالة التخلى عن الجهاد بالمال !
وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة
نحن لا نتحدث عن موقف خيالى لأن الجيش الاسرائيلى منهك كما أوضحنا والجيش الأمريكى عاجز عن فرض إرادته على اليمن الذى أغلق البحر الأحمر عليهم وعلى اسرائيل منذ أكثر من عام . وكل هذا بفعل نضالات غزة واليمن و المقاومة فى لبنان والعراق . بينما معظم الأمة أنظمة وشعوب فى مقاعد المتفرجين .
توقفنا عند الآية الكريمة ” أن القوة لله جميعا “
وأيضا نقرأ قوله تعالى :
إنهم ينكرون آياتك يارب عمليا ولسان حالهم يقول : هذه ترانيم للصلاة أو تخويف بعقاب الآخرة .. وأن التنزيل حدث قبل السلاح النووى والصواريخ والاف 35 .
وقلت لهم من قبل وأكرر الآن : ليست هذه ” دروشة ” والقرآن ليس دروشة ” بل إن ” القوة لله جميعا” كقانون يمكن التثبت منه بالعقل . حتى فى زمن انتهاء الآيات أى المعجزات الخارقة لقوانين الطبيعة .
وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) الاسراء
قلت لهم يارب فى مقال قديم : معادلة السكين أمام القنبلة النووية
إن أمريكا إذا ضربت عاصمة عربية الكبرى بالقنابل النووية الساحقة فإنها لن تستفيد شيئا لأنها لن تستطيع أن تحتل البلد الذى ضربته وتديره من العاصمة لأنها ستكون مشبعة بالاشعاع . وإذا نزل أى جندى أمريكى فى هذا البلد فى أى مكان فسيتم استهدافه بالسكين ولن يتعامل أحد مع أى ممثل للحكومة الأمريكية وسيتم طردهم يدويا من البلاد . والقوة الاستعمارية تستهدف السيطرة على بلد ما للاستيلاء على ثرواته والتحكم فى موقعه وهذا لن يحدث فى بلد موبوء بالاشعاعات والكراهية المطلقة .
قال محدثى يارب : ولكنهم ضربوا هيروشيما بالقنبلة النووية .
قلت له إن هذه الضربة لم تكن ضرورية فقد كانت نتيجة الحرب العالمية قد حسمت لصالح أمريكا ولكنها أرادت الاعلان عن هذا السلاح الجديد لتخيف العالم كله . ولذلك ضربت بلدة صغيرة : هيروشيما على بعد أكثر من 800 كيلومتر من طوكيو ثم نجازاكى على بعد قرابة 900 كيلومتر من طوكيو . أشبه بالبعد بين القاهرة وأسوان . وهى تريد إدارة اليابان المحتلة من العاصمة طوكيو . هناك ملابسات مرتبطة بحرب عالمية وبطبيعة اليابان التى قبلت استمرار الخضوع لأمريكا كخيار دنيوى جعل اليابان عملاقا اقتصاديا وقزما سياسيا وهاهى تتحول الآن إلى التقزم اقتصاديا وهى ظاهرة لايمكن القياس عليها وتتصل بعقائد اليابان حيث انحنى الامبراطور أمام القائد العسكرى الأمريكى بعد الاستسلام والامبراطور شخصية مقدسة !! . لكن ما يهمنا الآن أن هذا السلاح لم يستخدم بعد ذلك خاصة وقد أمتلكه الاتحاد السوفيتى عام 1949 ثم الصين عام 1964 وبريطانيا وفرنسا والآن تمتلكه الهند وباكستان وكوريا الشمالية واسرائيل . وهناك شكوك حول تسرب السلاح النووى إلى إيران وبدرجة أقل للسعودية وتركيا وبلدان أخرى . وأصبح من مصلحة العالم تقييد استخدام وانتشار هذا السلاح . لأنه سيكون مضرا لكل الأطراف .
السلاح النووى برهن على أن الانسان خلق ضعيفا وأن “القوة لله جميعا” ثبت أنها ليست كلاما بلاغيا . وحتى الذين لا يؤمنون بالله ويقولون بالطبيعة فإن الانسان يظل عندهم أضعف من الطبيعة ونواميسها . لقد تأكد الأمريكان والسوفيت ومن بعدهم الأمريكان وروسيا والصين أن استخدام السلاح النووى لايمنع استخدام الطرف الآخر لسلاحه النووى ردا على الضربة الأولى التى توجه إليه لأن هذه الضربة الأولى لا يمكنها أن تضرب كل ترسانته فى البر والبحر والجو وأن جزءا يسيرا من هذه الترسانة التى لم تضرب قادر على إفناء الطرف البادىء بالعدوان ، وهذا ما أسموه توازن الرعب النووى ، ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن العالم لم يشهد أى حرب نووية بعد استعراض هيروشيما وهو استعراض من جانب واحد ، أى منذ عام 1945 حتى الآن أى منذ 80 عاما ، وربما لن يشهد أبدا والله أعلم ورغم وجود مجانين فى الغرب إلا اننى لا أرجح ذلك لسبب بسيط ومعروف : ان الغربيين يحبون الدنيا ولا يسعون ولا يريدون الفناء . نعم إنهم يسعون إلى السيطرة ولكن بشرط ألا تعرضهم لأى احتمال للفناء ولو بنسبة 1 % .
وهذا من جنون البشر فقد أنفقوا أموالا طائلة بالمليارات لإنتاج أسلحة لن يستخدموها على الأغلب . ثم نجد فى بلادنا العربية والاسلامية من يخوفنا من أمريكا لأنها نووية .
قالوا لى يارب – وأنا أشهدك عليهم لأننى أحاجيهم بالعقل والذى تأكدت أنه لا يتعارض مع نواميسك – أنت تتحدث عن مواجهة بين روسيا وأمريكا . ولكن نحن العرب لا نملك سلاحا نوويا لنوازنه مع السلاح الأمريكى .
وأقول لهم: مرة أخرى حتى فى إطار هذه المعادلة فستظل القوة لله جميعا ومن ثم للمؤمنين أصحاب الحق .
لن نسمح فى حالة أى ضربة نووية لبلد عربى أو مسلم أن يسير أمريكى يمثل الحكومة الأمريكية مدنيا كان أو عسكريا على الأرض العربية أو الاسلامية . وقبل الاستطراد أؤكد لكم ان هذا الخيار غير مطروح فى أروقة الحكم الأمريكية لهذا السبب ، أى للحفاظ على حرية حركة ممثلى الحكومة الأمريكية على الأرض العربية والاسلامية بدون خوف من الاشعاعات أو من المطاردة التى ستبدأ بالسكين ولن تنتهى بالسلاح الكيماوى . ولكن المعادلة لا تزال أكثر تعقيدا وتركيبا من ذلك . وسنواصل الحديث عن التهديد النووى الأمريكى ثم التهديد النووى الاسرائيلى .
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .
وسوم: العدد 1122