خيانة وجريمة الإفك من خلال من كتاب نور اليقين 26

نتائج غزوة بني المصطلق:

الأولى: خطورة المنافق عبد الله بن أبيّ وإخوانه

ذكر الكاتب أنّه حصل في غزوة بني المصطلق "نادرتان":

الأولى: ما بثّه المنافق عبد الله بن أبيّ في صفوف المهاجرين والأنصار بقوله المشؤوم: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ"، وسعيه لإشعال العداوة. ونزول "سورة المنافقين التي فضحت عبد الله بن أبيّ وإخوانه. واستأذن عبد الله بن عبد الله ابن أبيّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في قتل أبيه. فأمره سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم "بالإحسان إلى أبيه". 154-156

الثّانية: خيانة وجريمة الإفك:

قال: "وكانت عائشة جارية حديثة السن". 156

أقول: يفهم من هذا أنّ سيّدتنا الصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة رحمة الله، ورضوان الله عليها في مثل هذا السّنّ تصرّفت بتلقائية، وفطرة سليمة، وصفاء، ونقاء. فشأنها في ذلك شأن أيّ امرأة في مثل حداثة سنّها. ولذلك كان وقع خيانة وجريمة الإفك عليها عظيما.

الحجاب في منع الخيانة:

قال: عرفها صفوان بن المعطل "لأنّه كان رآها قبل الحجاب". 156

أقول: وقعت خيانة وجريمة الإفك قبل نزول آيات الحجاب. وعقب غزوة بني المصطلق التي كانت في السّنة الخامسة للهجرة. ما يعني أنّه ولغاية هذه السّنة لم يكن الحجاب فرضا.

من جهة ثانية: أعتقد -وإلى أن تكذّبني الأيّام- أنّ عدم فرض الحجاب كان من العوامل التي ساهمت في ظهور خيانة وجريمة الإفك، وانتشارها، وتأجيجها، وخطورتها. ولذلك لم تظهر تلك الخيانة والجريمة بعد فرض الحجاب، ولا بتلك القوّة والشّراسة لو افترض أحد أنّها وقع بما يشبهها. ما يدلّ على أهمية الحجاب من حيث ستر المرأة، وستر المجتمع، والتّقليل من حدّة الخيانة والجريمة. ولا داعي للدخول فيما هو مشاهد يوميا عبر المجتمعات. فتلك حالات يقرّها الجميع، ولا ينكرها أحد.

المنافق وراء خيانة وجريمة الإفك:

قال: "والذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبيّ". 156

أقول: المنافق كإبليس يأتي أصحابه "مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ"، سورة الأعراف 17. والمنافق عبد الله بن أبيّ سعى لتحطيم الدولة الفتية عبر إشاعة "دعوى الجاهلية" داخل المجتمع للتّفريق بين أبنائه، وتفتيت مكوّناته.

وفي المرّة الثّانية سعى لتحطيم الدولة الفتية عبر نشر سمومه المتضمّنة خيانة وجريمة الإفك. مستعملا هذه المرّة الأسرة. وأيّة أسرة. إنّها أسرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. المتمثّلة في زوجه سيّدتنا الصّدّيقة بنت الصّدّيق أمّنا عائشة. وبنت أحب النّاس إليه وهو سيّدنا الصّدّيق رحمة الله ورضوان الله عليه. وأحبّ الأصهار إليه وهو سيّدنا الصّدّيق. ومن هنا كانت الخطورة البالغة على الدولة، والمجتمع. لأنّ الخيانة، والجريمة مسّت القائد، وزوج القائد، وحبيب القائد، وصهر القائد.

قال: "ولما قدموا المدينة مرضت عائشة شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك، وهي لا تشعر بشيء، وكانت تعرف في رسول الله رقة إذا مرضت فلم يعطها نصيبا منها في هذا المرض بل كان يمر على باب الحجرة لا يزيد على قواه: كيف حالكم؟ مما جعلها في ريب عظيم". 156

أقول: قضاء سيّدتنا أمّنا عائشة شهرا كاملا دون علمها بما يقال حولها من كذب، وزور يدلّ كما قلنا في الأعلى أنّها ما زالت على الفطرة النّقية السّليمة لا تعي ما يدور حولها، وبين جنبيها. باستثناء ما يدور بين الزّوج، وزوجه.

تصرّف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مع زوجه سيّدتنا أمّنا عائشة ببرودة ودون غلظة لغاية وضوح الأمر هو قاعدة في التّعامل في المرحلة الأولى مع كلّ خبر يمسّ العرش، والفرش. لأنّ الاندفاع دون التّأكد يهدم الأسرة، والدولة، والمجتمع.

المجاهد، وكلّ عظيم يحترم ولا يسبّ:

قال: "فلما نقهت خرجت هي وأمّ مسطح بن أثاثة أحد أهل الإفك للتبرز خارج البيوت فعثرت أم مسطح في مرضها فقالت: تعس مسطح!  فقالت عائشة: أتسبين رجلا شهدا بدر؟". 156

أقول: المجاهد، وكلّ عظيم قام بإنجاز عظيم خدمة للأمّة لا يسبّ. وأسيادنا الصحابة رحمة الله، ورضوان الله عليهم جميعا يوقّرون، ويحترمون ولا يسبون. لأنّهم قاموا بإنجازات عظيمة خالدة مازالت آثارها على الكون، وستبقى.

وتخصيص أسيادنا أهل بدر بهذا الفضل. لأنّها الأولى، والفاصلة. ولولاها ما كان ما بعدها من عظائم الأمور.

ويدلّ من زاوية أخرى أنّ سيّدتنا أمّنا عائشة حتّى بعد انقضاء شهر من مرضها ما زالت لا تعرف شيئا عن ما يحاك حولها من تزوير، وكذب، وتشويه.

استشارة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في فرشه الطّاهر الشريف:

سألت سيّدتنا أمّنا عائشة أمّها "عما يقول الناس". "وفي خلال ذلك كان عليه السلام يستشير كبار أهل بيته فيما يفعل". 157

أقول: طبيعي أن تسأل البنت أمّها فيما يهم النّساء. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يستشير "كبار أهل بيته" فيما قيل من زور، وكذب، وإفك عن زوجه سيّدتنا أمّنا عائشة.

في القضايا الكبرى، والخطيرة يستشار "كبار أهل بيته". والصغار لا يستشارون في قضايا الكبار. خاصّة فيما تعلّق بالفرش. والقائد العظيم من يستشير الكبار في قضايا تهمّ العرش، والفرش.

قال: "فدعا عليه السلام بريرة جارية عائشة وقال لها: "هل رأيت من شيء يريبك". 157 أقول: حين يتعلّق الأمر بشخص، أو مكان، أو وسيلة يستشار الأقرب منها، والمسؤول عنها، والأعلم بها. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، استشار الجارية وهي امرأة، والقريبة من سيّدتنا أمّنا عائشة، والأعلم بشؤون سيّدتها.

وبهذا يكون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، استشار الرّجال والنّساء، والكبار والصغار فيما يتعلّق بزوجه سيّدتنا أمّنا عائشة.

قرار القائد بعد الاستشارة:

قال: "فقام عليه السلام من يومه وصعد المنبر والمسلمون مجتمعون وقال: من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاّ خيرا وما يدخل على أهلي إلا معي". 157

أقول: تدخل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بصفته الزوج. وبصفته رئيس الدولة. لأنّه حين يمسّ الفرش يهتز العرش. والاستشارة لا تعني أبدا الخضوع للكذب، وشهادة الزور. وكان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واضحا ومؤيّدا لزوجه سيّدتنا أمّنا عائشة حين أعلنها مدوّية: "والله ما علمت على أهلي إلا خيرا". وكان قويا، وصريحا بشأن الرجل: "ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاّ خيرا". وهكذا يكون الزّوج، والقائد.

عظمة سيّدنا الصّدّيق في صمته:

تحدّث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لزوجه أمّنا عائشة بشأن ما يقال في المجتمع. "فتقلص دمع عائشة وقالت لأبويها: أجيبا رسول الله، فقالا: والله ما ندري ما نقول". ثمّ قالت: "والله يعلم أنّي منه بريئة". 158

أقول: تحدّث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لزوجه سيّدتنا أمّنا عائشة بصفته الزّوج. وتحدّث في حضور سيّدنا الصّدّيق باعتباره أحبّ النّاس، وأقربهم إليه، وصهره، والمفضّل لديه.

وتكمن عظمة سيّدنا الصّدّيق في أنّه التزم الصّمت في حضور حبيبه، وصهره سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكأنّه يقول له: صدّقتك في الغيب، والوحي، والإسراء. وأعرف ابنتي وهي الشّريفة الطّاهرة النّقية. وزوجتك إيّاها لأنّها كذلك. وما كان لك أن تتزوّجها لو لم تكن كذلك. ورغم ذلك لا أردّ لك حكما تحكمه، ويسرّني كثيرا لو وافق ما في صدر ما في صدرك، وصدر ابنتي وزوجك.

البراءة للبريئة:

أنزل الله تعالى وحيا يتلى إلى يوم الدين يبرّىء سيّدتنا أمّنا عائشة، وفراش سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وحبيبه وصهره سيّدنا الصّدّيق مصداقا لقوله تعالى: " اِنَّ اَ۬لذِينَ جَآءُو بِالِافْكِ عُصْبَةٞ مِّنكُمْ لَا تَحْسِبُوهُ شَرّاٗ لَّكُمۖ بَلْ هُوَ خَيْرٞ لَّكُمْۖ لِكُلِّ اِ۪مْرِےٕٖ مِّنْهُم مَّا اَ۪كْتَسَبَ مِنَ اَ۬لِاثْمِۖ وَالذِے تَوَلّ۪يٰ كِبْرَهُۥ مِنْهُمْ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞۖ ١١ لَّوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ اَ۬لْمُومِنُونَ وَالْمُومِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراٗ وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفْكٞ مُّبِينٞۖ ١٢ لَّوْلَا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَۖ فَإِذْ لَمْ يَاتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ اَ۬للَّهِ هُمُ اُ۬لْكَٰذِبُونَۖ ١٣ وَلَوْلَا فَضْلُ اُ۬للَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ فِے اِ۬لدُّنْي۪ا وَالَاخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِے مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ١٤ اِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِۦ عِلْمٞ وَتَحْسِبُونَهُۥ هَيِّناٗ وَهُوَ عِندَ اَ۬للَّهِ عَظِيمٞۖ ١٥ وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٞۖ ١٦ يَعِظُكُمُ اُ۬للَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِۦٓ أَبَداً اِن كُنتُم مُّومِنِينَۖ ١٧ وَيُبَيِّنُ اُ۬للَّهُ لَكُمُ اُ۬لَايَٰتِۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌۖ"، سورة النور ١٨ .

قال: "فسرى عن رسول الله وهو يضحك وبشر عائشة بالبراءة". 159

أقول: هذه البراءة تعني العرش، والفرش، والصاحب، والحبيب، والصهر، والمجتمع. وبما أنّ خيانة وجريمة الإفك مسّت الجميع. فوجب تبرئة الجميع وإلى يوم الدين.

وسوم: العدد 1123