لباس التقوى

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

تناقلت وسائل الاتصال الاجتماعي نصيحةً لأحد خطباء المساجد ينصح فيها المصلين بلباس التقوى لمواجهة غلاء أسعار الملابس وارتفاع الضريبة عليها.

وأصبحت هذه النصيحة حديث الساعة كما هو شأن ارتفاع الأسعار ، بل إن هذه النصيحة أخذت شكل النادرة والأضحوكة في زمن اليأس والبكاء، فهل هذه النصيحة تناسب ذلك القرار وذلك الارتفاع؟! وهل جمهور المصلين من السذاجة ليتقبل هذه النصيحة التي تأتي في غير سياقها؟! وسياقُها يبطل أثرها وتأثيرها.

إننا في زمن العلم والمعلومات، وفي عصر الفضائيات ،والمتلقي متعلم  مثقف بل قد يكون عالماً، وربما يكون أكثر علماً من الخطيب أو القائل نفسه، فهل يناسب هذا الخطاب وهذا التبرير ذاك القرار؟!!

إن كلمةً تلقى هنا، أو تقال هناك، قد تقع في مصيدة الشبكة العنكبوتية وتصبح سائرة شائعة وحديث الرأي العام ، ومن منا يُنْكر بأن لباس التقوى هو الأفضل والأزكى وهو الخير كله، ومن لنا بهذا  اللباس ؟؛  لنرتديه ويرتدينا، ويردنا إلى ديننا الحنيف، ويرد عنا جهل الجاهلين ، وفساد الفاسدين؟؟ ، من لنا به ليُرى بنا ونرى به ، فنفرق بين الصالح والطالح ؟؟!!!

من لنا به لكي نقول الحق حقاً ، ولا نخشى فيه لومة لائم ، فلا نجامل مسؤولاً ، ولا نُجَمِلُ به قراراً خاطئاً .

من لنا به لنحارب الفقر ونقتله – حيث كان – ؟؟؟

لباس التقوى أزكى لنا وأفضل عندما يكون لباسا للسائل والمسؤول ، وللغني والفقير ، للأعلى والأدنى ، بذلك يعرف  كلٌّ واجباته وحقوقه ، وبذلك يتحابون ويتقاربون .

لباس التقوى خير عندما تحفظ أموال المسلمين  فلا تصل إليها يد فاسد أو مرتش، عندها ستزداد تلك الأموال، وتجد مصارفها الشرعية ، لباس التقوى خير لأولئك الذين سرقوا في أن يعيدوا المال لأهله ، خير لأولئك الظالمين ليتقوا دعوة المظلوم التي تصل عنان السماء، لباس التقوى أن نحترم عقول الناس  ، وأن نقدر احتياجاتهم وطموحاتهم ، أن نؤمنهم من الجوع والخوف ، لا أن نجلدهم ونقودهم إلى الجوع والخوف الدائم من ارتفاع الأسعار !!!!

لباس التقوى سَتَرَ عورات الفقراء والمساكين  والذين تحسبهم أغنياء من التعفف ، وكَشَفَ عورات  بعض الأغنياء والمسؤوليين والمنافقين الذين تحسبهم فقراء من شدة التزلف!!

لباس التقوى أن تجُبَّ الغيبة عن نفسك وعن مسؤولك ، لا أن تُوجبها ، وتجعلها حديث الساعة إلى قيام الساعة !!!!

لباس التقوى خير عندما نحمي الطلاب  والطالبات الصغار من توقيت أحرج العائلة الأردنية وأخرجها عن سمتها وخصوصيتها ، ففرق شملها ، وأخرج بعضهم في جُنح ليل وبرد شتاء!!!

الناس بحاجة إلى النصيحة ، وديننا كله نصيحة ، لكننا بحاجة إلى الحكمة والموعظة الحسنة ، وبحاجة أن نُخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ومن الضيق إلى السعة ، ومن الحزن إلى السعادة ، أن نفرج الكرب، وأن  نُيسر السبل للعيش الكريم ، لقد ضاقت الناس بأحوالها حتى ضاقت بالنصيحة التي جاءت في غير سياقها ، وأخطأ المُخاطِبُ في المُخاطَبِ ، لباس التقوى خير لنا ولك إن قلت حقا وصدقا وخيرا ، وخير لنا و لك إن بقيت صامتا عن التبرير !!!!