الانقلاب بين أمارات الحق والباطل
عبد العزيز كحيل
فتح الانقلاب العسكري في مصر على الدعاة إلى الله احتمالات متعدّدة ليس من بينها بكلّ تأكيد استسلام الإخوان، فيمكن الجزم أن أعين العسكر وغلاة العلمانيّين ومن ظاهرهم من المبطلين لن تقرّ أبدا باستسلام أصحاب الحق، فهم لن يرفعوا الراية البيضاء لعلمهم أن ذلك لن يمنعهم من الموت فاختاروا موتة الشرف وشرف الاستشهاد من أجل المبادئ حتى لا يهنأ أصحاب المصالح بانتصارهم الظرفي المؤقت، إنهم – قبل أن يخوضوا العمل السياسي وأثناءه وبعده – دعاة إلى الله يؤمنون به ويعتزّون بالانتساب إلى دينه، يعتمدون عليه ويستعينون به في كلّ الأحوال فلا يخافون غيره ولا يرهبون سواه، إن الانقلاب العسكري الغاشم لم يفاجئهم لأنهم يعلمون من قديم أن غلاة العلمانيّين والحاقدين سيتذرّعون بكلّ طريق لمناهضة دعوتهم الربانية وإطفاء نورها – كما قال الإمام الشهيد حسن البنا منذ سبعين سنة – وسيستعينون في ذلك بذوي الأخلاق الضعيفة والأيدي الممتدّة بالإساءة والعدوان ويثيرون حولها غبار الشبهات و ظلم الاتهامات، ويحاولون إظهارها بأبشع صورة، لكن من إيجابيات الانقلاب تمحيص الصفوف وكشف خبايا أصناف من الناس،فها قد زالت الشكوك نهائيا من اصطفاف الكنيسة المصرية ومعظم المنتمين إليها ضدّ الإسلام ،كما انكشف أمر بعض الرموز الدينية المنتمية شكلا للإسلام والتي لم تكتفِ بالتسوية بين الظالم والمظلوم فراحت تدعّم الظالم وتؤيد بغيه وتفتيه بتقتيل الإخوان وعموم الإسلاميين والإمعان في ذلك، وكأنها تشبع غيظا أثقل صدورها وتسعى إلى إزاحة ما تسميه " الإسلام السياسي " من الساحة ليخلو لها الجوّ الذي لن تستطيع اكتسابه بأطروحاتها الضحلة وأدائها الرديء.
يعلم الإخوان ومعهم المخلصون من أنصار المشروع الإسلامي أنهم ليسوا لصوصا سرقوا عنزة أو تِبنا حتى يتوقعوا من خصومهم إنصافا أو أحكاما مخفّفة، فهم دعاة دين قيّم وحملة رسالة تحرّرية لا مكان فيها لمهادنة الطغاة والمبطلين، فلا يتورّع هؤلاء عن منازلتهم بجميع الأسلحة الممكنة واعتماد أخبث الطرق وأقسى الوسائل لعرقلة مسيرتهم، يجنّدون حتى بعض الدراويش الذين ألغوا عقولهم ليفكروا بعقول غيرهم ممّن لا عقل لهم أصلا !!!
لكن ماذا عسى أن يفعل كلّ هؤلاء الذين يُغريهم الدعم الأمريكي والترحيب الصهيوني والمال الخليجي والذين يعدّون أنفسهم على حق بينما هم باطل صريح تحميه القوّة الباطشة أمام حقّ بيّن لا يملك قوّة؟ إنه زمن توحّش الطواغيت واستضعاف الشعوب، لكنّها قلة متجبّرة ظالمة أمام كثرة مؤمنة صابرة ثابتة، فهل تظنّ الطغمة وحاشيتها أن استضعافها للجماهير المؤمنة سيستمرّ طويلا؟ لن يحدث هذا بإذن الله لأن أنصار الحق يفتقرون إلى القوة المادية لكن لديهم رصيدا كبيرا من علوّ الهمّة وقوة الروح والتمسك بالكرامة، ومن المهمّ جدا ألا يشغلوا أنفسهم بموعد النصر فهو آتٍ في موعده المقدّر عند الله تعالى، وإنما عليهم الانشغال بموقعهم بين الحق والباطل حتى لا يحدث لهم تردّد ولا يتسرّب إلى صفّهم بليلة أو وساوس أو نزعة إلى تنازل عن شيء من الحق لتلين قبضة الباطل، فهم أكبر منه ومن تبجّحه وانتفاخه، هذا ما تعلّموه من كتاب ربهم وسنة نبيّهم، لا يزيدهم حين يُلمّ بهم سوى إيمان بقضيّتهم وتسليم لأمر ربّهم ، وهم ينتظرون الفرَج والنصر انتظار الموقنين، لا يحول حجاب المعاصرة بينهم وبينه، فهم لا يتصاغرون أمام الباطل المسلّح المتسلّط ولا يتساءلون كيف يزول ، فالقدَر الإلهي لا تعوزه الوسائل والأساليب حين يبطش بالظالمين، النمرود الذي زعم أنه يحيي ويميت قتلته حشرة سكنت أذنه وفتكت بمخّه – كما ورد في الأثر - ، أما فرعون الذي نسب لنفسه الربوبية والألوهية فكفته لجّة البحر التي ينجو منها – عادة – السباح الماهر،وعندما تجنّدت القبائل العربية المشركة ومعها اليهود والمنافقون وجيّشوا 10000مقاتل لاستئصال الإسلام في غزوة الأحزاب كانت الريح عامل الحسم في المعركة فهزمت الأعداء وانتصر المسلمون بغير قتال، فلا مكان إذًا لليأس والقنوط، بل ينبغي أن يكون الإيمان سيّد الموقف والثبات دأب المؤمنين حتى يأذن الله بالنصر، والدفاع عن الحق المغتصب الشغل الشاغل للجموع المتمسّكة بالشرعية وبالمشروع الإسلامي.
فويل للظالمين والطغاة المجرمين، وويل لمن عادى المظلومين المضطهدين بسبب هوى نفسه ومرض قلبه وغلبة شقوته وقلّة عقله، وطوبى للجموع المتمسكة بالحق وللقادة الذين قدّموا المبدأ على المصلحة وآثروا خدمة الإسلام والأمة مهما كانت التكاليف على حياة الراحة والعافية...سينتهي السيسي كما انتهى بينوشي، وسينتصر الرئيس مرسي كما انتصر منديلا، وسيستفيق من خدعتهم الدعاية المعادية للإسلام وجماعة الإخوان وسيعرف أتباع أولئك " الشيوخ " الحمقى الحقودين مدى جنايتهم على القرآن والسنة حين تابعوهم على الباطل وكانوا جزا من الانقلاب ورضوا بموالاة غلاة العلمانيّين والشيعة والصوفية والأقباط ضدّ أهل الصلاح من القائمين الصائمين الذاكرين الله كثيرا ،ألم يروا مناصرة قادة الانقلاب للصهاينة ضد غزة وللنصيرية والبعث ضدّ الشعب السوري الجريح؟...ومن قديم أعيت الحماقة من يداويها...وهؤلاء ّ الشيوخ " لم يعودوا من أعوان الظلَمَة بل هم من صميمهم،فمتى يُفيق أتباعهم؟
وللمرشد العام للإخوان عزاء في سلفه المرشد الثاني رحمه الله الذي قبع في سجون عبد الناصر – ظلما وعدوانا – قرابة 20 سنة ثم خرج منها قويّ الشكيمة أقوى من الطغيان الذي هوى، وقرّت عينه بالتئام شمل الجماعة بعد أن حلّها النظام العسكري، وسيرجع بديع إلى إخوانه ويزول الاستبداد وأعوانه.