حدث هذا خارج الأرصفة النفطية في الفاو
كاظم فنجان الحمامي
هذا ما حدث معي صباح يوم أمس 27/10/2013 عند بوابة الأرصفة النفطية لميناء الفاو بشهادة الجهات المعنية بالأمر. ربما لا يعلم بعضكم أن الأرصفة النفطية في الفاو عبارة عن أرصفة قديمة أُعيد تأثيثها قبل بضعة أعوام, وخصصتها شركة نفط الجنوب لإيواء زوارقها ووحداتها الخدمية.
كنت مكلفاُ في ذلك اليوم بإرشاد السفينة الأجنبية (PARHAM) من البحر إلى البصرة, وبرفقتي المرشد البحري جواد كاظم رشم المكلف بإرشاد السفينة الأجنبية (AROOS DARYA).
وصلنا الفاو بالسيارة المخصصة لنقلنا من البصرة, وترجلنا خارج بوابة الأرصفة النفطية, على بعد بضعة أمتار من الزورق الذي كان ينتظرنا هناك لنقلنا إلى البحر. وما أن اقتربنا من البوابة السلكية المفتوحة حتى أوقفنا رجل الشرطة المكلف بحماية البوابة, ألقينا عليه التحية الصباحية, وأخرجنا بطاقاتنا التعريفية, وطلبنا منه السماح لنا بالتوجه نحو الزورق القريب, فرفض رفضاً قاطعاً, ولم يسمح لنا بالدخول, لأننا لسنا من العاملين في شركة نفط الجنوب, ولم تجد نفعاً كل المحاولات الاسترضائية التي بذلناها معه ومع زملائه.
اتصلنا بسلطة الموانئ, واتصلنا بإدارات الجهات المعنية في شركة نفط الجنوب, واتصلوا بدورهم بالشرطة طالبين منهم السماح لنا بالوصول إلى الزورق, فرفضوا السماح لنا, ما اضطرنا إلى الجلوس على قارعة الطريق بانتظار الفرج.
مرت نصف الساعة ونحن ننتظر هناك خارج سياج الرصيف الخدمي, فاتصلنا بالسيد قائمقام الفاو, فتعاطف معنا إلى حدٍ بعيد, وأبدى كل ما بوسعه للتعاون معنا, بيد أن مفرزة الشرطة أصرت إصراراً عجيبا على منعنا من الدخول.
اتصل بهم بعد لحظات مدير القسم البحري في شركة نفط الجنوب, واتصل بهم مدير قسم المرافئ في الشركة نفسها, واتصل بهم مدير قسم الملاحة في الموانئ, لكن جهودهم باءت بالفشل, وظل الحال على ما هو عليه.
مرت علينا أكثر من ساعة, وكدنا أن نهدر الوقت كله في البقاء في الشارع العام, في الوقت الذي كان فيه الموظفون وبعض العاملين على القطع الأهلية يدخلون ويخرجون من دون اعتراض.
اتصلت شخصيا بمدير عام الموانئ, الذي أبدى غضبه وانفعاله لهذا المنع غير المبرر, ولم يتغير في الموقف شيئاً, فاضطررنا إلى التوجه نحو جنوب الأرصفة, وتوقفنا في مكان مفتوح على ضفاف شط العرب, خلعنا أحذيتنا, وحملنا حقائبنا فوق ظهورنا, وخضنا في الأوحال الباردة, وسط أكوام المخلفات الفولاذية, وأكداس القناني الزجاجية المهشمة, فقطعنا أكثر من سبعة أمتار في الأطيان الرخوة, حتى وصلنا إلى زورق المرشدين.
ثم أمضينا وقتاً طويلا في تنظيف أقدامنا, وملابسنا, وحقائبنا. وسط ذهول الناس الذين تجمعوا على الساحل وهم يشاهدون المرشد البحري الأقدم في عموم الموانئ العراقية ملطخاً بالأطيان, ومبهدلا بهذه الهيئة المقرفة.
انطلق بنا الزورق السريع بأقصى سرعته, ووصلنا البحر بعد مضي أكثر من ساعة, فتوجهنا مباشرة إلى السفن المكلفين بإرشادها, وما أن رآني ربان السفينة الأجنبية حتى بدت عليه علامات الدهشة والاستغراب, لكنه عندما عرف السبب استلقى على قفاه من الضحك, وهو يقول: أيعقل أن تصنع الجهات الأمنية العراقية مثل هذا الصنيع بالمرشدين البحريين المدافعين عن شط العرب ؟.
من المفارقات العجيبة أن مخافر خفر السواحل ومنصات القوة البحرية والدفاع الساحلي لم تتخلف في يوم من الأيام عن الترحيب بنا, والسماح لنا بالتجوال أو الانتظار, وأحياناً تنقلنا بزوارقها وسفنها من دون تكلف.
ربما تتساءلون: هل في هذه الأرصفة النفطية أنابيب لتصدير البترول ؟. الجواب: كلا. هل فيها أسلحة فتاكة تخشى عليها الدولة العراقية من التلف أو الضياع ؟, الجواب: كلا. هل تتمتع بطابع السرية وتخشى عليها الدول أن نبوح بأسرارها ؟. الجواب: كلا. هل يوجد بداخل الأرصفة قاعدة صاروخية أو ثكنة عسكرية ؟. الجواب: كلا. ثم ألا تكفي هذه الاتصالات الرسمية المكثفة التي قام بها مدراء الجهات المعنية بالأمر حتى تسمح لنا اللجان الأمنية بالمرور ؟.
انتهى الموضوع, وأقسمت أنني لن أعبر إلى زورقي بعد الآن إلا عبر الضفاف الطينية, فالخوض في الأوحال والسباحة في المياه الضحلة أهون مئات المرات من الوقوف بهذه الأوضاع المهينة خارج بوابات الأرصفة الخاوية, فلم تبق في العمر بقية ونحن على أبواب التقاعد بعدما وصلنا إلى هذا الزمن, الذي ضاعت فيه المعايير الوطنية, ولا حاجة لنا بعد الآن بالمرور من نقاط التفتيش, أو العبور من الأرصفة النفطية, أو تلك المخصصة لصيد الأسماك, ونرفض أن نمر من هناك ما لم تتوصل الجهات المعنية إلى حلول جذرية ونهائية لهذه الإجراءات التعسفية, التي ليس لها ما يبررها البتة, لكن الذي أغضبني وأحرجني هو علامات السخرية والتهكم التي أبداها ربان السفينة الأجنبية, وهو يرى تقاسيم الإحباط والانكسار بادية على وجهي المبلل بالتعاسة.