مرة أخرى : دفاعاً عن نظرية المؤامرة
مرة أخرى :
دفاعاً عن نظرية المؤامرة
د. محمد أحمد الزعبي
1. تعود جذور هذه المقالة إلى عام 2002 ، أي إلى ماقبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ، وماقبل ثورة الشعب السوري على الحكم الوراثي الديكتاتوري الطائفي في سورية عام 2011 (تحديداً 18 آذار 2011 ) ، ولذلك فقد تمحورت الأمثلة آنذاك على القضية الفلسطينية ( تم نشرها آنذاك بجريدة القدس العربي ، بتاريخ 21.04.2002 ) . أما الآن فقد أضيفت إلى القضية الفلسطينية قضيتان جديدتان هما القضية العراقية والقضية السورية . ولذلك فإن دفاعنا عن نظرية المؤامرة ،في هذه المقالة الجديدة ، سوف يتضمن شواهد تتعلق بمجمل هذه القضياالقومية الرئيسية الثلاث.
2. درج بعض المثقفين العرب ، والذين عادة مايوصفون بالمحللين الاستراتيجيين (!) ،على التوكيد على أنهم لايؤمنون بنظرية المؤامرة وتراهم على شاشات الفضئيات ، يحركون رؤوسهم ذات اليمين وذات الشمال ، حركة غالباً ما تكون مشفوعة بابتسامة خفيفة ساخرة تشير إلى أنهم ينؤون بأنفسهم عن مثل هذه النظريات غيرالعلمية الساذجة (كذا!) ، التي يغلب (بضم الياء وتشديد اللام ) فيها المرغوب على المطلوب .إن القبول بنظرية المؤامرة ، يعني بنظرهم إعفاء " الداخل" (البلدان النامية) من مسؤولية تخلفهم الاجتماعي والاقتصادي ، ووضعها على عاتق "الخارج" (البلدان المتطورة ) ، والتي هي عمليا البلدان الرأسمالية الكبرى التي تمتلك ناصية العلم والتقانة وبالتالي الحداثة ،والتي تمثل بنظرهم النموذج المثالي الذي على الدول النامية أن تقرأ مستقبلها فيه ، لاأن تحملها مسؤولية تخلفها .
3. إن الحوار العلمي والموضوعي مع مثقفي نفي نظرية المؤامرة ، يقتضي ، من الناحية المنهجية ، التوكيد على أمرين اثنين ، أولهما ، هو حق ومشروعية الاختلاف في الرأي ، وثانيهما ، هو أ ن تحديد مضمون المفاهيم المستخدمة بين المختلفين في الرأي بصورة دقيقة ، ووضع هذه المفاهيم على محك الممارسة ، ينبغي أن يكون هوالفيصل في الحكم على صحة أو عدم صحة هذا الرأي أو ذاك ، وهو العاصم من ألاَّ يكون الحوار بين المختلفين في الرأي ، نوعاً من حوار الطرشان .
4.. إننا نعرًّف نظرية المؤامرة ـ كتعريف إجرائي ـ بأنها ، لجوء الطرف المتآمر ، من أجل تنفيذ مخططه التآمري ( المسكوت عنه عنده ) ، إلى أشكال متعددة ومتباينة ومتناقضة ، من المواقف النظرية والعملية ، التي يختلف ظاهرها عن باطنها ، وغدها عن أمسها ، وحاضرها عن مستقبلها ، حيال الطرف الآخر الذي يقع عليه التآمر .
5. وإذا ماتوقفنا عند موقف بعض الدول الكبرى المعروفة ، من بعض قضايا العرب القومية ، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم ، وأيضاً عند موقف بعض المثقفين العرب من موقف هذه الدول الكبرى ، فإنه يمكننا أن نلحظ ، أن مواقف هؤلاء المثقفين من منتقدي نظرية المؤامرة ، إنما ينطوي ـ واقع الحال ـ على ثلاث هنات أساسية ، تتعلق بالوطن العربي ككل ، وبالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص هي :
أولاً، التعتيم على دور النظام الرأسمالي العالمي والصهيونية العالمية ، في خلق ورعاية وتكريس الحالة المأساوية الراهنة ، في الوطن العربي عامة وفي فلسطين والعراق وسورية خاصة ، والتي ترتبت على المرحلة الاستعمارية في القرن الماضي ، والتي كان طرد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ، وتسليمها لقمة سائغة لـ" إسرائيل " عام 1948 ، والغزو الإنجلو أمريكي للعراق عام 2003 ، وتسليم سوريا لعائلة الأسد عام 1970 ، من أبرز نتائجها المأساوية التي مازلنا نعاني منها حتى اليوم .
ثانياً ، اعتبار الطريق الأوروـ أمريكي ( الطريق الرأسمالي ) في التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وحتى الثقافي ، هو
النموذج المثالي ، بل والممر الإجباري ،الذي على كافة شعوب العالم أن تسلكه ، كيما تستطيع الوصول إلى أهدافها الوطنية والقومية.
ثالثاً ، ازدواجية المعايير عند الكثيرمن هؤلاء المثقفين ، من حيث إعجابهم في آن واحد ، من جهة بديموقراطية الغرب وبالتالي إسرائيل ، ومن جهة ثانية ، بديكتاتورية الأنظمة العميلة لهما في الوطن العربي ، والتي وصل حكامها إلى السلطة على ظهر دباباتهم كما هو معروف .
6. وقد تمثلت في الماضي ، وتتمثل اليوم ، أبرز هذه المواقف النظرية والعملية التي تدخل ـ من وجهة نظرنا الخاصة ـ في إطار نظرية المؤامرة المتواصلة على الأمة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى هذه اللحظة ، بصورة أساسية ، بـ :
+ إخفاء خارطة تقاسم الوطن العربي بين انجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية عام 1916 ، والتي كشفها لينين عام 1917 ،وأطلع العرب عليها ، والتي أخذت لاحقاً اسم وزيري خارجية إنكلترا مارك سايكس ، وفرنسا فرانسوا جورج بيكو ( سايكس ـ بيكو) ،
+ المسافة المدروسة والمقصودة والواسعة بين القول والعمل ، وهو مانلمسه لمس اليد هذه الأيام في موقف أمريكا وأوروبا من الصراع في سورية بين غالبية الشعب السوري ، وديكتاتورية الأقلية العلوية الحاكمة ،ولا سيما بعد استخدام النظام ( بشار الأسد) للسلاح الكيماوي في غوطتي دمشق ، يوم 21.08.2013 وقتله لأكثر من 1400 إنسان معظمهم من الأطفال والنساء ، وتقاسم الأدوار بينهما وبين روسيا وإيران وإسرائيل ، بما يطيل أمد هذا الصراع ،ويحول سورية إلى بلد فاشل أو شبه فاشل ، الأمرالذي سيريح إسرائيل من عقدتي فلسين والجولان ، لعدة عقود قادمة ، ويسمح لإيران بمزيد من القوة ، ومن الهيمنة على المنطقة العربية المحيطة بها كلها ، ولا سيما في العراق والخليج العربي ،
+ ويدخل في إطار هذا الطلاق بين القول والفعل ، حث الدول الغربية المتواصل ، دول العالم الثالث على الالتزام بالديموقراطية وبصندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، وعندما تأتي نتيجة هذا الاقتراع مخالفة لرغبتهم وتوقعاتهم ، ينقلبون على هذه الديموقراطية ، وعلى هذاالصندوق دون أن يرف لهم جفن ، وهو ماشاهدناه في فلسطين وفي بعض بلدان الربيع العربي ، حين أوصلت الديموقراطية إلى سدة الحكم في هذه البلدان ، من لايرغبونه ولا يثقون به ،
+ ويمكن رصد هذه المسافة أيضاً من خلال التصريحات الزئبقية الأمريكية والإسرائيلية والعربية حول " القضية الفلسطينية " ، على قاعدة " كلمة حق يراد بها باطل " ، فمن جهة التطمينات التي لاتعد ولا تحصى على مستوى القول ، ومن جهة أخرى النعمات
والسكوت على الممارسات المعاكسة ، التي بدورها لاتعد ولاتحصى على مستوى التطبيق ،
+ تقاسم الأدوار بين أطراف العملية التآمرية ، من أجل تمرير وتبرير" المؤامرة " ، وهو ماتمثله المسرحية السوداء التي شاهدناها
قبل ستة عقود في فلسطن ، وقبل عقد واحد في العراق ، ومنذ ثلاثين شهراً في سورية ، على مسرح مجلس الأمن الدولي ، ومسرح
جامعة الدول العربية ، وأحياناً باشتراك خجول وغير مباشر من بعض الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ،
+ ممارسة الكذب والتزوير لإخفاء هذا التقاسم ، ذلك أن أحد الطرفين يتظاهر بالانحياز إلى هذا الطرف قولاً، في حين يمارس الطرف الآخر سلوكاً معاكساً على المستويين النظري والعملي .( والشاهد هنا هو ، تقاسم الأدوار والموقف بين أمريكا وروسيا وأوروبا ،حول ثورة آذار 2011 ، حيث يرفعون جميعاً شعارالتعاون المشترك في مكافحة الإرهاب والعصابات المسلحة في سورية (!) ، في الوقت الذي يسكتون فيه عن تدخل كل من إيران وحزب الله اللبناني و ميليشيات نوري المالكي، بصورة معلنة ومكشوفة، إلى جانب قوات بشا رالأسد في القتال ضدالثورة السورية ، وذلك لإخفاء الموقف الحقيقي لهم (المسكوت عنه) المتمثل بخوفهم المشترك على حليفتهم وحامية مصالحهم ، إسرائيل ، من الربيع العربي ، ومن أبعاده الديموقراطية ،
+ توظيف مقولة " كلمة حق يراد بها باطل " في تنفيذ بعض المؤامرات ، وذلك بالتوكيد المتواصل في بياناتهم وتصريحاتهم حول ثورات الربيع العربي ،على مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة ، وحماية الطفولة ، ...الخ ، والسكوت الفعلي عما جرى ويجري من انتهاك لهذه الحريات الإنسانية في كل من إسرائيل نتنياهو ، وعراق المالكي ، وسورية الأسد صباح مساء ،
+ استخدام الدول القوية والغنية عنصري ( العصا والجزرة )، في تعاملها مع الدول الضعيفة والفقيرة ( تسليح إسرايل بالقنبلة الذرية والغواصات النووية ، ورشوة العرب بالبترودولار وبالماكدونالد والهمبورغر وأحياناً بالسلاح المنتهية صلاحيته عندهم ) ،
+ الكيل بمكيالين في التعامل مع الآخر ،( موقف مجلس الأمن الدولي ، من تنفيذ كل من صدام حسين وبشار الأسد وإسرائيل للقرارات الدولية ) ، فمن نفذ كل القرارات الدولية تم شنقه ، ومن لم ينفذ منها سوى قرار واحد تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام ، أما من لم ينفذ أبداً أيًّا من هذه القررات ، فقد تم منحه هذه الجائزة فعلاً !!،
+ اللعب المتعمد والمدروس بورقة العلاقة الجدلية بين السبب والنتيجة ( النظر إلى العمليات الاستشهادية،بوصفها سبباً للاحتلال والاستبداد وليس نتيجة لهما ) ،وشيطنة منفذي هذه العمليات وربطهم بتنظيم القاعدة المشيطن أصلاً،
+ اللعب المتعمد والمدروس بورقة العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون ( السكوت على تحول بعض الأنظمة من أنظمة جمهورية إلى أنظمة وراثية ، شبه ملكية / جملكية ، وبطرق التفافية لاعلاقة لها لابالديموقراطية ولا بحقوق الإنسان ، ولا حتى بالدساتير والقوانين السارية المفعول في تلك الدول العربية نفسها ) ،
+ اللعب المتعمد والمدروس بورقة الألفاظ والمفاهيم ، حيث تم استبدال الاستسلام بالسلام ، والأنظمة التابعة بالأنظمة المعتدلة ، والحكم الذاتي بالاستقلال ، والإرهاب بالمقاومة المشروعة ...الخ (مابعد الباء هو المستبعد).
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه هنا ، ألا يدخل كل هذا تحت اسم " المؤامرة " ؟ ،
نعم إنها لمؤامرة ، لابل مؤامرات على شعوبنا الفقيرة التي يحكمها الطغاة المستبدون والفاسدون من مختلف الملل والنحل ، وهم من فتح ويفتح أبواب أوطاننا مشرعة أمام هذه المؤامرات ، ويفتحون بذات الوقت أفواههم بالكلام الكاذب المعسول ، وجيوبهم للدولار ولليورو ، وكراجاتهم وبيوتهم لأحدث السيارات ولأغلى أنواع الأجهزة التكنولوجية ، التي لايحسن التعامل معها إلاَّ القليلون ، حتى في البلدان التي صنعتها .
ويحضرني في ختام هذه المقالة بيتان من الشعر ، قالهما المرحوم نديم محمد ( وليسمح لي القارئ الكريم أن أصفه ـ وللضرورة ـ بالشاعر العلوي )، في ختام مشاهدته لقصر " فخم حتى العظم "، لأحد الضباط السوريين من كبار الحرامية ، وبالتالي من كبار الطغاة والمستبدين والفاسدين ، فيما يسمى الجيش النظامي ، المسؤول عن تدمير بلده سوريا وذبحها من الوريد إلى الوريد :
يا صاحب القصر هل شيء يضاهيه على الزمان ، وهل شيء يدانيه
لو أنصف الدهر يوماً وهو فاعلـها فسوف يخرى على أشلائكم فيه ( بضم ياء يخرى )