فكرت الباشا باشا، طلع الباشا زلمة...!!!
هنادي نصر الله
يحسدني الناسُ عندما أبتسم، عندما أمازحُ مقربين مني، عندما أخرجُ مع أبي، عندما أشارك صديقاتي رحلةً ترفيهية، عندما أغني في حفلة زفاف، عندما أتألق في تقريرٍ تلفزيوني، عندما أصادق صانع قرارٍ من العيار الثقيل، عندما أُراجعُ أكبرهم عن تظلمٍ عشته، يحسدني الناس عندما أرتدي جلبابًا جديدًا، عندما يُثني عليّ شخصٌ ما، عندما أكتبُ مقالا أو خاطرة.. على كل شيءٍ يحسدني الناس..
بتُ أكرهُ كل التجمعاتْ التي أرى بها الناس، أتعامي عن رؤيةِ من أعرفهم فيها؛ أطلبُ من عيني آلا تأتي في عيونهم؛ كي لا أُحرج لأسلم عليهم؛ وبعدها يسألونني" كيف عملك؟ وكم راتبك؟ ومع من أنتِ هنا في هذا المكان الترفيهي؟ والله برافو عليك بتعيشي حياتك وما بتخلي الشغل يأخذ وقتك...!!
زيك الجديد من أين اشتريته، وبكم أخذتيه؟ لِم حتى الآن لا تتزوجين؟ من الآخر الناس تعشقُ أن تعرف حكايتي من الألف إلى الياء، مثلما يهتم البعض بمعرفة البيضة من بيضها؟الديك أم الدجاجة..!!!
يقول البعض هي ضريبة الشهرة، بل هي مأساتُها ووجهها الآخر القبيح، عندما تتناول طعامك تشعر أنك مراقب، وعندما تمشي في الشارع كل العيون تُشير إليك، بل هناك من يستوقفك غير مراعٍ لحالتك النفسية أو دون أن يضع في حسبانه أنك قد تكون على عجلةٍ من أمرك...
في الأسواق تراهم يتحدثون عنك، يسألونك عن أدق تفاصيلك، لو بمقدورهم أن يصطحبوك إلى بيتك أو غرفة نومك لما قصروا، تتحولُ رحلتك الترفيهية أو جولتك في السوق إلى أسئلةٍ استقصائية عن حياتك الشخصية فقط لأنهم يعرفونك عبر شاشات التلفزة التي تدخل قلوبهم وعقولهم قبل بيوتهم دون استئذان..
في هذه الحالة .. ترى كثيرين منهم؛ يصيحون بأعلى صوتهم لقد شاهدتُ المراسل أو المراسلة، واللهِ شاهدتُه، وسلمتْ عليه، ولإثباتِ ذلك يطلبُ منك بكل فخر أن يلتقط صورةً تذكاريةً معك؛ كبرهانٍ أنه التقى بك كي لا يُكذبه أحد من عائلته ورفاقه..!
من يراكْ يُباهي من يشتاقُ لرؤيتك وجهًا لوجه، ومن يُعجبُ بالزي الذي ترتديه؛ يذهبُ ليشتري مثله؛ فلا تستغرب عندما يُقر لك البائع بأن أناسًا جاؤوا يطلبوا نفس الزي الذي اشتريته من عنده؛ فقط لأنك ترتديه...
أقتنعُ بأن عيون الناس لا ترحم أحد، كما ألسنتهم أيضًا، ما أصعب أن يُسلطوها على شخصيتك؛ لتذهب إلى بيتك مسطوحًا، ملقى على الأرض، لا تقوى على شيء، تُداوي نفسك مِن عينِ مَنْ في العالمين؟؟
في شعوركَ هذا لا أحد يفهمك، بل قد يزيد الأمر تعقيدًا عيونُ زملائك في العمل، فأن يُحابيك الله بشخصيةٍ مميزة، اجتماعية، بها من الحيويةِ ما بها، يعني أن تبقى محط إعجاب المعجبين، وحسد الحاسدين، مع العلم أن نظرات الإعجاب والثناء والإطراء قد تتحول دون قصد إلى حسد..
أقولُ لكلِ من يُحبون رؤية من يُسميهم البعض بالنجوم والمشاهير، أيقنوا أعزائي، هم مثلكم بشر، يأكلون ويشربون ويمشون على الأرض، ولديهم من الهموم مثل ما لديكم، بل قد يفوقكم، لكن قُدر لهم أن يعملوا في أعمال هي محط أنظاركم...
يُذكرني حالكم وأنتم تُفتشون عنهم وعن أخبارهم بمثلِ جدتي الشعبي عندما رأتْ أحد الباشاوات " فكرت الباشا باشا، طلع الباشا زلمة"...!!