المرتكزات الاقتصادية للمشروع الإيراني

عبد الحافظ الصاوي

في المنطقتين العربية والإسلامية

عبد الحافظ الصاوي

خبير اقتصادي

مقدمة

تفتقد المنطقتان العربية والإسلامية إلى مشروع تكاملي أو على الأقل تعاوني في الشأنين السياسي والاقتصادي. وأدى هذا الفراغ إلى سعى مشروعات أخرى لملء هذا الفراغ. ومن هنا وجدنا المشروع الإيراني يتحرك في هذه المساحة، ولا يواجه إلا جهوداً قُطرية، أو مشروعات بديلة، على رأسها في المنطقة العربية مشروع الأورومتوسطية، الذي يمثل دول الاتحاد الأوروبي. أو مشروع الشرق أوسطية الذي يهدف إلى دمج اقتصاد الكيان الصهيوني في المنطقة. أما باقي الدول الإسلامية فلديها انتماءاتها الإقليمية بحكم الجوار الجغرافي، مثل الدول الإسلامية الآسيوية التي تنتمي لتجمع الآسيان.

ويعتبر الاقتصاد الإيراني من الاقتصاديات النامية، ويلعب النفط فيه دورًا كبيرًا، ويظهر ذلك من خلال سيطرة النفط على نسبة كبيرة من الصادرات الإيرانية. ومن هنا نجد أن الاقتصاد الإيراني لا يملك ميزة تنافسية بين الاقتصاديات العربية والإسلامية تمكنه من دور حاسم، يمكن له في أدائه الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، أو على الصعيد الإسلامي.

إلا أن المتاح من بيانات يظهر أن هناك حالة من التوسع في حركة التجارة الخارجية لإيران على صعيد الدول الإسلامية غير العربية، بشكل أكبر منه مع الدول الإسلامية العربية، باستثناء دولة الإمارات العربية التي تعد الشريك التجاري الأول لإيران من بين الدول العربية والإسلامية.

وفي إطار المواجهات المستمرة بين إيران من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى، تجد إيران مندوحة في التوجه نحو الدول العربية والإسلامية، وبذلك يتحقق لها هدفان، الأول تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل أمريكا والغرب. والثاني التمكين لمشروعها الإقليمي في الشرق الأوسط.

وتهدف هذه الورقة إلى التعرف على مرتكزات المشروع الإيراني في المنطقتين العربية والإسلامية، وذلك من خلال التعرف على إمكانيات الاقتصاد الإيراني، وكذلك العلاقات الاقتصادية لإيران مع كل من الدول العربية، بوجه خاص، ومع الدول الإسلامية بوجه عام.

أولًا: الملامح العامة لأداء الاقتصاد الإيراني

بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران 331 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2009، ويلاحظ أن الناتج المحلي لإيران قد شهد زيادة ملحوظة مقارنة بما كان عليه عام 2006 حيث كان في حدود 222 مليار دولار، أي أن قيمة الزيادة بلغت 109 مليار بين عامي المقارنة[1]. إلا أن معدل نمو الناتج قد شهد تراجعًا ملحوظًا خلال عامي 2008 و2009، حيث كان 2.3% و 1.8% على التوالي، مقارنة بمعدل نمو 7.8% في عام 2007. ويرجع ذلك إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الإيراني.

 ويأتي قطاع الخدمات على رأس القطاعات الاقتصادية المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 47%، تليه الصناعة بنسبة 43.6 %، ثم الزراعة بواقع 9.4 %[2]. وقد يبدو من الوهلة الأولى أن قطاع الصناعة يمثل وزنًا كبيرُا في مكون الناتج المحلي لإيران، ولكن البيانات التفصيلية تشير إلى أن الصناعات التحويلية لا تتجاوز نسبة 11.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، وباقي نسبة مساهمة قطاع الصناعة عبارة عن صناعات استخراجية، والتي يأتي النفط على رأسها. وبالتالي نجد أن القيمة المضافة للاقتصاد الإيراني من خلال مساهمة قطاع الصناعة متواضعة عند مقارنتها بدول إسلامية وعربية أخرى. ففي مصر تصل قيمة الصناعات التحويلية إلى 16.6 %، وفي الأردن 18.7 %، وفي ماليزيا 25.1 %، وفي إندونيسيا 26.4 %، وتصل في تركمانستان 35.8 %.

ويصل عدد سكان إيران نحو 75.4 مليون نسمة حسب بيانات عام 2010[3]، وبلغت نسبة الأمية بين سكان إيران البالغين 18%، أما البطالة فقد بلغ معدلها 13.2 % في عام 2010. وقد بلغ نصيب الفرد من الدخل القومي 4500 دولار في عام 2009، وبما يزيد عن معدل عام 2006 بنحو 1600 دولار. إلا أن معدل التضخم يصل إلى 10% في عام 2010، بعد أن وصل إلى 25.5 % في عام 2008.

وعلى صعيد الصادرات السلعية لإيران نجد أن عام 2008 يعد من أفضل المعدلات حيث وصلت الصادرات السلعية فيه إلى 116.9 مليار دولار، ثم تراجعت الصادرات السلعية إلى 71.3 مليار دولار في عام 2009، ولم يكن أداء الواردات السلعية لإيران ببعيد عن أداء الصادرات السلعية فقد وصلت الواردات في عام 2008 نحو 70.1 مليار دولار، ثم تراجعت إلى 60.4 مليار دولار في عام 2009. ويمثل البترول النسبة الأكبر في الصادرات الإيرانية حيث وصل لـ 80% من حجم الصادرات في عام 2009/2010، كما تعد إيران الدولة الثانية في منظمة الأوبك بعد السعودية من حيث حجم إنتاج البترول. أما الواردات فتأتي العدد والآلات ووسائل الانتقال على رأس قائمة الواردات الإيرانية بنحو 16.4 مليار دولار، ثم الحديد والفولاذ بنحو 8.8 مليار دولار، ثم مشتقات البترول بنحو 4 مليار دولار.

ومن الملاحظات الإيجابية تراجع الدين العام الخارجي لإيران حيث وصل إلى 13.4 مليار دولار في عام 2009، بعد أن كان 19.3 مليار دولار في عام 2006، وكذلك يتميز الوضع الاقتصادي في إيران بوجود معدلات جيدة على صعيد المدخرات المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حيث تصل إلى نحو 38%.

ويعكس الأداء السياحي لإيران حالة التوتر السياسي الإقليمي والدولي التي تعيشها منذ سنوات، فحسب البيانات الخاصة بالفترة من 2003 – 2008، تبين أن أفضل عائد سياحي تحصلت عليه إيران خلال هذه الفترة، كان في عام 2008 بنحو 1.9 مليار دولار. وأن أفضل الأعوام من حيث عدد السائحين كان في عام 2006 حيث وصل عدد السائحين إلى 2.7 مليون سائح[4]

ويمكن رصد بعض المؤشرات الدالة على أثر انغلاق الاقتصاد الإيراني وتأثير العقوبات المفروضة عليه من قبل أمريكا والغرب خلال السنوات الماضية، من خلال  انخفاض معدلات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي حققت أحسن أداء لها في عام 2010 بنحو 3.6 مليار دولار بعد أن كانت في حدود 1.6 مليار دولار على مدار السنوات السابقة لعام 2010. كذلك تسيطر الدولة على النصيب الأكبر من النشاط الإنتاجي وكذلك مؤسسات التمويل[5].

ثانيًا: العلاقات الاقتصادية الإيرانية العربية

تعتبر اقتصاديات كل من الدول العربية وإيران من الاقتصاديات المتنافسة التي تكون نتيجة التعاون الاقتصادي بينهما ضعيفة، فالجانبان يصدران سلعاً أولية مثل النفط وبعض السلع الزراعية، أو السلع الصناعية التقليدية، والكيماويات، وغيرها، ويستوردان العدد والآلات ووسائل النقل، بالإضافة إلى تكنولوجيا الصناعة والاتصالات.

وتشير بيانات التجارة الخارجية لإيران أن هناك ثلاث دول عربية من بين أكبر عشر دول تستقبل المنتجات الإيرانية غير البترولية، وهي الإمارات بنحو 2.3 مليار دولار، والعراق 2.1 مليار دولار، والمملكة العربية السعودية بنحو 454 مليون دولار. أما بالنسبة لأكبر عشر دول تستورد منها إيران احتياجاتها السلعية فليس بينها سوى دولة عربية واحدة وهي الإمارات العربية بنحو 12.9 مليار دولار. وبذلك تعتبر الإمارات أكبر شريك تجاري عربي لإيران، وثاني شريك تجاري على مستوى العالم، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لإيران بحجم تعاملات يصل لنحو 28 مليار دولار، فقد بلغت الصادرات السلعية للاتحاد الأوروبي إلى إيران 18.4 مليار دولار بينما يستورد الاتحاد الأوروبي بترول إيراني بنحو 10.3 مليار دولار[6].

ولابد أن نأخذ في الاعتبار أن ارتفاع حجم التعاملات التجارية بين إيران والإمارات يأتي كنتيجة لفرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وتعد الإمارات بمثابة دولة ترانزيت، فليس كل ما تستورده الإمارات من إيران لاستهلاكها المحلي، فجزء كبير منها يعاد تصديره للخارج. ولا يتوقف الأمر على الحركة التجارية بين البلدين فقط بل يمتد ليشمل استثمارات إيرانية في دبي تصل إلى 37 مليار دولار وفق بيانات 2007، وبشكل عام تعتبر الاستثمارات الإيرانية الخارجية التواجد في الإمارات وعلى وجه التحديد بإمارة دبي ملاذ آمنا في ظل تصاعد العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل أمريكا والغرب.

ومنذ حدوث استقرار نسبي في العراق، شهدت العلاقة بين البلدين نشاطًا ملحوظًا على الصعيد الاقتصادي، وبخاصة أن الاقتصاد العراقي فقد جزءًا كبيرًا من بنيته الأساسية، واعتمد على الاستيراد في كثر من احتياجاته. وبالتالي مثلت التجارة المباشرة، وتجارة الحدود جانبًا لا يستهان به. وفضلًا عن هذا الحركة السياحية بين البلدين والمتمثلة في السياحة الدينية للمزارات السياحية والمدارس الدينية في كلا البلدين.

ونجد أن علاقات إيران التجارية مع الدول العربية غير الخليجية هاشة وضعيفة، فوفق بيانات صندوق النقد الدولي نجد أنه في أحسن الأحوال يصل حجم العلاقات التجارية لإيران مع سورية 1.2 مليار دولار، منها 1.1 مليار صادرات إيرانية إلى سورية، أي أن العلاقة التجارية في صالح إيران، إلا أنه ومنذ وقوع أحداث الثورة السورية شكلت المساعدات الاقتصادية الإيرانية للحكومة السورية سندًا قويًا.

 ثم الأردن الذي تبلغ الصادرات الإيرانية إليه 126 مليون دولار وتستورد إيران منتجات لبنانية بنحو 112 مليون دولار (وفق بيانات 2008)، أما مصر فقد بلغت الصادرات الإيرانية إليها 42 مليون دولار، وتستورد إيران منتجات مصرية بنحو 110 مليون دولار. ويرجع ضعف العلاقات التجارية بين مصر وإيران إلى حالة التوتر السياسي بينهما منذ سنوات طويلة، على الرغم من فرص التعاون الممكنة وبخاصة في مجال السياحة حيث تمتلك مصر عددًا كبيرًا من مزارات آل البيت التي يمكن أن تجتذب عددًا كبيرًا من السائحين الإيرانيين.

وعلى الرغم من أن إيران من الدول المصدرة للنفط ومن الأعضاء البارزين في منظمة “الأوبك”، إلا أن علاقاتها مع الدول العربية المستوردة للنفط محدودة، ولا تكاد تذكر، حتى في ظل المساعي الإيرانية لتسويق نفطها بأسعار منخفضة، لتفادي الآثار السلبية المفروضة في إطار العقوبات الاقتصادية على إيران من قبل أمريكا والغرب.

والملاحظ أيضًا أنه لا يوجد تنسيق يذكر بين منظمة الأقطار العربية المصدر للنفط (الأوابك) وإيران فيما يتعلق بالسياسات النفطية لدول المنطقة. بل في كثير من الأحيان تتعارض السياسات النفطية للطرفين تجاه سوق النفط، وبخاصة في فترات الأزمات. حيث تسعى إيران إلى الاستفادة من هذه الأزمات لتعظيم العائد من مبيعات النفط، إلا أن الدول النفطية العربية تسير عكس هذا الاتجاه وتعمل على أسعار توازنية من وجهة نظرها، تتعارض مع المصالح الإيرانية.

ثالثًا: العلاقات الاقتصادية الإيرانية الإسلامية

تظهر البيانات بالجدول أدناه أن التجارة البينية لإيران مع دول العالم الإسلامي تشهد تطورًا ملحوظاً، فبعد أن كانت لا تتجاوز 4.6 مليار دولار في عام 2000 وصلت في عام 2010 إلى 33.2 مليار دولار. وهو ما يعني أن تجارة إيران مع دول العالم الإسلامي قد شهدت زيادة قدرها 28 مليار دولار عند المقارنة بين أداء عامي 2000 و2010، وبنسبة تقدر بنحو 6 أضعاف ما كانت عليه في عام 2000.

وعلى مدار الفترة التي تغطيها بيانات الجدول نجد أن هناك عجزًا بالميزان التجاري لإيران مع دول العالم الإسلامي يتراوح ما بين 0.2 مليار دولار في عام 2000 و6.6 مليار دولار في عام 2008. ويعد ذلك أمرًا طبيعيًا في ظل هذا العدد الكبير من الدول أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي (57).

ووفق بيانات عام 2010 وصلت التجارة البينية لإيران مع دول العالم الإسلامي 33.2 مليار دولار، بما يعادل نسبة 6.1 % من إجمالي التجارة البينية للدول الإسلامية في نفس العام، والتي بلغت 539 مليار دولار.

وتحتل إيران المرتبة السادسة في قائمة الصادرات البينية للدول الإسلامية، ويسبقها في هذا الترتيب السعودية والإمارات في المرتبة الأولى والثانية على التوالي، ثم ثلاث دول إسلامية غير عربية وهي تركيا، وماليزيا، وإندونيسيا.

وتبلغ الصادرات الإيرانية للعالم الإسلامي في عام 2010 نحو 13.4 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 5.1 % من إجمالي الصادرات البينية لدول العالم الإسلامي لنفس العام والبالغة نحو 257.7 مليار دولار. 

أما على صعيد الواردات البينية لإيران من الدول الإسلامية فقد بلغت في عام 2010 نحو 19.8 مليار دولار، وبما يمثل نسبة 7 % من إجمالي الواردات البينية لدول العالم الإسلامي لنفس العام والبالغة 7 %. وتأتي إيران في المرتبة الرابعة في قائمة الواردات البينية، ويسبقها في هذا المجال تركيا، والإمارات، وإندونيسيا.

التجارة البينية لإيران مع دول العالم الإسلامي

القيمة بالمليار دولار

العام

صادرات

واردات

إجمالي التجارة

الميزان التجاري

2000

2.2

2.4

4.6

- 0.2

2006

9.4

12.5

21.9

- 3.1

2007

10.7

14.2

24.9

- 3.5

2008

14

20.6

34.6

- 6.6

2009

7.9

15

22.9

- 7.1

2010

13.4

19.8

33.2

- 6.4

الجدول من إعداد الباحث

المصدر: التقرير الاقتصادي السنوي حول الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي لعام 2011، ص 134 و135.

وعلى صعيد الدول الإسلامية غير العربية فتعد تركيا الشريك التجاري الأول بنحو 8 مليار دولار، ويرجع هذا الرقم للتجارة البينية بين البلدين، إلى الواردات التركية من النفط الإيرانية، حيث تعد تركيا من الدول المستوردة للنفط، وبخاصة بعد نهضتها الصناعية خلال العقد الماضي. وتظهر الأرقام أن الميزان التجاري بين البلدين لصالح إيران بنحو 7.5 مليار دولار، بينما تصل الصادرات التركية إلى إيران بأقل من نصف مليار دولار. ولولا الظروف السياسية الإقليمية المتعلقة بسورية، واختلاف وجهة نظر كل من إيران وتركيا بشأنها، لزادت معدلات التجارة والاقتصاد بشكل عام بين البلدين. ويضاف إلى الشأن الإقليمي العقوبات الاقتصادية الأوروبية على إيران، مما فرض على تركيا بعض القيود، وإن كانت تركيا قد تحللت من هذه القيود في فترات سابقة، بل سعت إلى توطيد علاقاتها بإيران اقتصاديًا، كنوع من الضغط على أوروبا لإنهاء مصالح تركية تتعلق بانضمامها للاتحاد الأوروبي، أو لمعالجة مواقف أوروبية وأمريكية سلبية تجاه تركيا. وهو ما صنف على أنه نوع من تعظيم المصالح في سياسة تركيا الخارجية.

وتأتي باكستان في الترتيب الثاني من حيث الشراكة التجارية من بين دول العالم الإسلامي مع إيران، بحجم تعاملات تجارية بنحو 1.5 مليار دولار، وتأتي نتيجة الميزان التجاري لصالح إيران بما يزيد عن مليار دولار.

رابعاً: المرتكزات الاقتصادية للمشروع الإيراني

من خلال ما ذكر في الصفحات السابقة نجد أن العلاقات التجارية لإيران مع كل من الدول العربية والإسلامية، آخذة في النمو، وإن كانت الأرقام متواضعة، مقارنة بحجم العلاقات التجارية الخارجية للدول العربية والإسلامية مع بقية دول العالم. وهذه سمة رئيسة في علاقات دول الجنوب، أو الدول النامية، والتي تضم غالبية الدول العربية والإسلامية، حيث تقل التجارة البينية وبقية العلاقات الاقتصادية فيما بينها، بينما تتجه للزيادة مع الغرب وأمريكا. وفيما يلي نشير إلى المرتكزات الاقتصادية للمشروع الإيراني في المنطقتين العربية والإسلامية.

تركز إيران في علاقاتها الاقتصادية على الصعيد العربي على دول بعينها على رأسها الإمارات العربية، ثم سورية ولبنان والعراق والبحرين والكويت. حيث استطاعت إيران أن تستفيد من الجوار الجغرافي مع دولة الإمارات، والسياسات الاقتصادية الانفتاحية التي انتهجتها الإمارات على مدار السنوات الماضية. فزادت من الحضور البشري داخل الإمارات العربية. فحسب البيانات المنشورة فإن الإيرانيين يستحوذون على نسبة 12 % من مشترى الوحدات السكانية التي تعطي حق الإقامة لفترة طويلة في الإمارات[7]. كما أن بيانات عام 2005 توضح أن نحو 10000 (عشرة آلاف) شركة إيرانية أسست بدولة الإمارات، وأن عدد الأفراد الإيرانيين المقيمين بدولة الإمارات قد بلغ حتى ذلك التاريخ 450 ألف نسمة[8].

ونفس المنهج تمارسه إيران في كل من لبنان وسورية والعراق، مستغلة في ذلك الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقلة في هذه الدول. إلا أن الملاحظ هو وجود قوي وموجه على الصعيد السياسي، وكذلك النشاط الاقتصادي لإيران داخل هذه الدول. وإن كانت الأرقام المنشورة على صعيد التجارة البينية لإيران مع هذه الدول لا تعكس حقيقة الواقع. فالواردات الإيرانية من العراق ولبنان وسورية، في عام 2010 كانت على التوالي هي، 93.7 مليون دولار، 43.3 مليون دولار، 16.3 مليون دولار، بينما كانت صادرات إيران للبنان 14.6 مليون دولار، وسورية 980 مليون دولار.

تحرص إيران على علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإسلامية غير العربية أيضًا، باعتبارها منفذاً للخروج من العقوبات الاقتصادية، كما هو الحال مع تركيا واندونيسيا وماليزيا. وكذلك بقية الدول الإسلامية بأوروبا الشرقية، باعتبار الامتداد الفارسي في هذه الدول.

لوحظ على الممارسات الإيرانية منذ نجاح ثورتها في عام 1979 أنها توظف العمل الخيري والتعليمي والإغاثي لصالح مشروعها بالمنطقة، وهو ما ووجِه باعتراضات ومواجهات في كل من مصر والسودان وماليزيا. وإن كان يحقق بعض النجاحات في باكستان وبنجلاديش.

تحاول إيران تسويق برنامجها النووي على أنه ثمرة لتقدم علمي واقتصادي، وبالتالي على الدول العربية والإسلامية أن تفتح أسواقها للمنتجات أو المشاركات الاستثمارية مع إيران. والحقيقة أن البرنامج ساهم فيه دول عدة، وبخاصة فيما يتعلق بالجانب التكنولوجي، وإن كان لا ينكر امتلاك إيران لعلماء متخصصين في هذا المجال.

ثمة مدخل آخر عن التعاملات الاقتصادية لإيران مع بقية الدول، وبخاصة في الدول العربية والإسلامية وهو رخص السلع الإيرانية مقارنة بمثيلاتها من الدول الأخرى. ولكن هذا الأمر لا يرجع لمزايا تنافسية أو تقدم تكنولوجي للصناعة الإيرانية، بقدر ما يرجع لسيطرة الدولة على مؤسسات الإنتاج، وتقديم الدعم بصورة كبيرة للمؤسسات الإنتاجية. وبالتالي فأسعار السلع الإيرانية لا تعبر عن التكلفة الحقيقية، بقدر ما تعكس الدعم الحكومي.

تروج إيران لسياحتها الخارجية المتجهة للدول الإسلامية، وعلى وجه الخصوص نحو مصر، لما تمتلكه من مزارات تخص آل البيت. كنوع من المداخل الاقتصادية للتمكين لمشروعها. إلا أن الموقف المصري رافض لهذه السياحة لما تحمله بين طياتها من عمليات ترويج للتشيع في مصر. وبخاصة أن الشعب المصري بفطرته محبٌ لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثوب الذي يقدم به العرض الإيراني ثوب اقتصادي، إلا أن حقيقته ثوب سياسي ترويجي للمشروع الإيراني. ففي الوقت الذي تتوقف فيه مصر أمام السياحة الدينية القادمة من إيران، فإنها تسمح لطائفة البهرة، حيث يأتون من الهند وباكستان بأعداد ملحوظة كل عام.   

خاتمة

يظل الحديث عن المشروع الإيراني في المنطقتين العربية والإسلامية، ضرباً من العبث، ما لم تكن هناك مشروعات عربية وإسلامية بديلة، تعكس هوية ومصالح المنطقتين. فلقد كان لفشل المشروع العربي على الصعيدين السياسي والاقتصادي الأثر الأكبر في تواري قوى إقليمية عربية مثل مصر والسعودية، وبروز كل من إيران وتركيا، كقوى فاعلة في المنطقة.

والعمل على مواجهة المشروع الإيراني تقتضي العودة إلى المشروع العربي، وأن ينظر إلى إيران على اعتبارها دولة يمكن استيعابها، لا محاربتها. في إطار المصالح الاقتصادية المشتركة، ولكن ليس على حساب الهوية العربية، وأن تكف إيران عن تصدير مذهبها الشيعي، الذي يعده المتخصصون أحد أدوات تمكين مشروعها القومي الفارسي.

ولدى كل من المنطقتين العربية والإسلامية ما يمكنهما من إنزال مشاريعهما الإقليمية على أرض الواقع، كما توجد قواسم مشتركة للمشروعين، تمكن لكل منهما. ولكن تبقى الإرادة السياسية حجر عثرة. مما يصرف الجميع إلى المعالجات القطرية لمواجهة المشروع الإيرانية وباقي المشروعات البديلة.

ولعل الظرف السياسي الحالي لكل من مصر وتركيا يجعلهما حجرزاوية في تفعيل المشروعين العربي والإسلامي على أرض الواقع.

ولابد من الأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد الإيراني يعيش ما يمكن أن نطلق عليه “اقتصاد أزمة” منذ عام 1979 ونجاح الثورة الإيرانية. مما يجعل العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية طي الكتمان داخل المجتمع الإيراني. ويتوقع أنه إذا ما خرج الاقتصاد الإيراني من هذه الحالة، فإنه سوف يواجه موجات اقتصادية عنيفة لمعالجة مشكلاته الداخلية، سواء فيما يتعلق بدور الدولة، أو استيفاء الأبعاد الاجتماعية للأفراد داخل المجتمع الإيراني.

               

[1] قاعدة بيانات البنك الدولي،

 http://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD

[2] منظمة المؤتمر الإسلامي، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، التقرير الاقتصادي السنوي حول الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي لعام 2011، ص 116.

[3] منظمة المؤتمر الإسلامي، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، التقرير الاقتصادي السنوي حول الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي لعام 2010، ص 73.

[4] منظمة المؤتمر الإسلامي، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، السياحة الدولية في البلدان الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي.. الآفاق والتحديات 2010، ص 32 و33. 

[5]   عبد الحافظ الصاوي، أثر العقوبات على علاقات إيران العربية، الجزيرة نت،

http://aljazeera.net/Home/GetPage/f138ebfe-da19-4e0b-ade7-9c3d3ee6ff34/6a06ad6a-4c67-4add-b4ba-2994edef548d

[6]  صندوق النقد الدولي، إحصاءات اتجاهات التجارة 2008.

[7]   د. عمر هشام الشهابي، اقتلاع الجذور.. المشاريع العقارية وتفاقم الخلل السكاني في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مركز الوحدة العربية، بيروت 2012، ص 32.

[8]  مركز الإمارات للدراسات والإعلام، تقرير الإمارات الاستراتيجي، 2007/2008. ص 256.