ثورة شعب

ثورة شعب

هي لله .. هي لله

في الخامس والعشرين من شهر يناير عام 1951 الميلادي، كانت ثورة الشعب المصري على الاحتلال الإنحليزي قد بلغت ذروتها بعد التحام كل القوى الوطنية وقتها من شرطة وجيش والقوى الشعبية الحرة وجماعة الإخوان المسلمين في معمعة معاركها، وكان هدف الاستقلال والتحرر هو الجامع والمحرك .

وفي معركة غير متكافئة دارت رحاها في مدينة الإسماعيلية في هذا اليوم بين جيش الاحتلال وأفراد من الشرطة المصرية مزودين بسلاحهم الفردي البدائي للدفاع من مقارهم، تم كتابة صفحة مشرفة مليئة بالبطولات لمجموعة من رجال الشرطة الذين رضوا بالموت دفاعا من مقارهم حتى نقذت ذخيرتهم، بديلا عن الاستسلام أمام جبروت عدوهم.

وأصبح هذا اليوم عيدا لشرطة مصر وشعبها ويوم عطلة رسمية للبلاد إحياء لذكرى معركة عزة وكرامة ورمزا لبطولة شعب ثائر، اتحدت  في سبيل تحقيق استقلاله، كل قواه الشريفة.

ويمضي تاريخ مصر ليرحل بعدها بسنوات قليلة الاحتلال العسكري وتنتهي فيها الملكية، ولكن تبقى مصر كعهدها طوال تاريخها العريق، نقطة صراع بين القوى العالمية، لا يعرف معها شعبها الأصيل حالة السلام الداخلي إلا عندما يحرر إرادته الداخلية، ويكون ولاء نظام حكمها كاملا لشعبه وأهله وهوية بلاده، وعندما تنتفي وتزول من جينات حكامها، جينات الأجداد من الفراعنة الأولين.

وبهذه الآمال استقبل شعب مصر، حركة الجيش في 23 يوليو 1952 بشعارها البراق " على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل "، ولكن ما كان يدري أهل المحروسة أن احتلالا عسكريا من بعض بني جلدتها قد حل محل الاحتلال الأجنبي، ليعيد مصر إلى عهود مضت، وليحيي في حكامها الجدد الروح الفرعونية من جديد، فلم تعد مصر هي مصر المصريين، إنما أضحت مصر فلان ، ثم مصر فلان، ولتصبح تركه لمن يرث السلطة من الفراعين الجدد .. وليحيل فراعينها الجدد عيد رمز بطولة شرطتها في 25 يناير 1951 ، ليوم من أيام زينتهم هم، بعد أن أضاعوا معنى الاستقلال واحتكروا الحكم ومزقوا أواصر الأخوة بين أبنائها، وأخذوا يستحيون المستسلمين ويضطهدون المعارضين لهم، يقتلونهم بقوانين ودساتير وضعوها على مقاساتهم لتحقق لهم الإستعلاء في الأرض، ويحيلوا مهمة شرطة الأمس التي عبرت عنها بطولة معركة 25 يناير 1951، إلى شرطة وأمن يضيق بها الناس بعد أن أصبح سلاحها وإجراءاتها موجهة إلى صدور شعبها، وأصبحت امتيازاتها بل وبلاياها أقرب إلى امتيازات وبلايا جنود فرعون .

وتمر السنون وتتنوع الذكريات حتى تأتي مرحلة جديدة بعد إثنتين وستون عاما، تغيرت فيها الاحوال، وغابت معها دولا وظهرت أخرى، ولكن بقيت مصر وشعبها لتسطر مرة أخرى صفحة من التاريخ، حين يخرج بشبابه وشيبه ورجالة ونسائه وفي القلب منه جماعة الأخوان المسلمين شعلة الضياء فيه، يوم 25 يناير 2011 ، ليعطي لليوم ذكراه الحقيقية، ولتجري الأحداث بعده بحراك شعبي عظيم ، يشاهده العالم أجمع، ينتهي بذهاب آخر فرعون لحركة الجيش، ويبدأ شعب الكنانة في استرداد حقوقه المسلوبة، وتتم انتخابات ديموقراطية عديدة، تختتم بأخرى رئاسية شفافة، اختار من خلالها شعب الكنانة، رئيسا مدنيا لأول مرة في تاريخه، من بني جلدته، بشفافية راقبها العالم أجمع.

ويبدأ أهل المحروسة كتابة صفحة جديدة من التاريخ، السيادة فيها لشعب مصر العظيم، ولكن ما أن انقشع غبار المعارك الإنتخابية، حتى أطلت قرون شياطين الداخل والخارج من جديد، تحاول وأد التجربة الوليدة  بمؤامرات أبانت أن دولة العسكر التي استمرت منذ 1952، لم تصغ يوما لآمال شعبها صاحب الولاية الحقيقة عليها، فاستأنف التآمر دوره، وزادت وتيرته يوما بعد يوم، متخذا صورا عدة ظاهرة وخفية، ومنتهيا بإنقلاب مشئوم في 3 يوليو 2013 قوامه بعض قادة الجيش وأجهزة الأمن، على إرادة الشعب المصري صاحب السيادة في وطنه.

ولكن يأبى شعب مصر العظيم إلا ان يواصل نضالاته، فيخرج في حشود هادرة وملايين زاحفة ليدافع عن شرعيته المعتدى عليها، ولتشهد ميادين مصر وشوارعها ملحمة بطولية وروحا نضالية جديدة مستمرة منذ أكثر من 100 يوم بالرغم من كل الوحشية وصور الإرهاب التي تواجه مظاهراته ومسيراته السلمية ...

وتزداد وتيرة صمود هذا الشعب العظيم مع كل التضحيات الهائلة التي قدمت آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين من ابناء هذا الشعب الأصيل وفي القلب منه التحالف الوطني للدفاع عن الشرعية وشعلة الضياء فيه جماعة الإخوان المسلمين، وترتفع وسط هذا الصمود المذهل من بين دموع اليتامي ولوعة الأرامل والثكالى وأنات الجرحي والمصابين ، شعارها وهتافها ...

هي لله .. هي لله ... لا للمنصب ولا للجاهه

الأمر كله يجري بعد ذلك بقدر الله ، وما النصر إلا صبر ساعة

وإلى الرسالة القادمة بإذن الله تعالى.