العزلة الدولية لنظام الأسد.. بين الإعلام والدبلوماسية

العزلة الدولية لنظام الأسد..

بين الإعلام والدبلوماسية

قرار مجلس الأمن الدولي 2118 فتح نافذة مؤقتة لنظام الأسد وسط العزلة الدولية التي يعيشها

مسار للتقارير والدراسات - 15 تشرين الأول 2013

لم يخضع نظام الأسد لفترة من العزلة الدولية كالتي عاشها إبان اندلاع الثورة السورية؛ فعلى الرغم من خضوعه لعقوبات من قبل الولايات المتحدة منذ عام 1979، إلا أنه لم ينعزل عن الدول الأوروبية وتركيا والعالم العربي جميعها في وقت واحد كما هو الحال عليه الآن.

وقد عمل بشار الأسد منذ قدومه إلى السلطة على تحسين صورة نظامه أمام المجتمع الدولي، ولكنه لم ينجح في إخفاء القمع الذي كان يمارسه على كافة مكونات المجتمع، وبشكل خاص النشطاء السياسيون الذين وعدهم بالإصلاح.

العزلة السياسية

تنفس نظام الأسد الصعداء في ربيع 2009 بالانفتاح على الغرب وما سمي بـ"المصالحة العربية"، بعد زيارة الأسد لفرنسا والمملكة العربية السعودية، وإبداء الولايات المتحدة استعدادها لبدء المحادثات مع سورية، والتي توجّت بتعيين روبرت فورد سفيرا للولايات المتحدة في سورية. وانتهت العزلة الدولية التي كان يعيشها النظام، ولكن لمدة لم تتجاوز العامين(1).

بعد انطلاق الثورة السورية وفي ذروة اندفاع موجات الربيع العربي بدأت بوادر العزلة الدولية لنظام الأسد بالعودة تدريجيا، حتى وصلت إلى إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 18 آب/أغسطس 2011 أن الوقت قد حان لرحيل الأسد عن منصبه، واشتراك كل من رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية في بيان اتهم نظام الأسد بتجاهل الدعوات الدولية لإيقاف العنف، وتعليق جامعة الدول العربية عضوية سورية في الجامعة، وتسابق الدول في سحب سفراءها من سورية وطرد سفراء النظام من بلادخا.

ومن ناحية أخرى حافظت كل من روسيا والصين وإيران على علاقتها مع نظام الأسد، وعلى دعمها له الذي تجسد في منع صدور قرار من مجلس الأمن يصرح باتخاذ خطوات عسكرية تجاه نظام الأسد، وفي إمداده بالمال والسلاح والعتاد.

محاولات إعلامية لكسر العزلة

تعاقد نظام الأسد في مطلع العام 2010 مع شركة العلاقات العامة العالمية "براون لويد جيمس Brown Lloyd James"، للعمل على إظهار نظام الأسد أنموذجا للحداثة والعلمانية في الشرق الأوسط، والتسويق لعائلة الأسد المكونة من طبيب العيون المتعلم في لندن وزوجته لندنية المولد والدراسة. وبالفعل عملت الشركة على تحضير ملف "أسماء الأسد: وردة في الصحراء Asma al-Assad: A rose in the desert"، الذي نشر في مجلة فوغ - أحد أشهر مجلات الموضة العالمية - بعد انطلاق الاحتجاجات في آذار 2011.

وفي 6 تموز/يوليو 2012 أطلق موقع "ويكيليكس wikileaks" وثيقة يعود تاريخها إلى 19 أيار/مايو 2011، تتضمن رسالة الكترونية من شركة "براون لويد جيمس" إلى نظام الأسد، تشرح أصول الاتصال السياسي في صورة نصائح، كان أهمها(2):

- يجب أن يزيد الأسد من تواصله مع الإعلام وأن يتحدث برسالة معدة بعناية، ويُدخل السيدة الأولى (أسماء الأسد) في الصورة. وذلك لحاجة البلاد إلى رمز وطني جديد للإصلاح.

- ينبغي العمل على تغطية إعلامية خارجية لما يعانيه الأسد من مشاق في طريقه للإصلاح، على أن يكون السلام والاستقرار شرطين للإصلاح. وذلك عبر مقابلات مباشرة مع الأسد ومستشاريه، ومقالات وافتتاحيات في الصحف مكتوبة بأيدي صحفيين حياديين، مما سينعكس على داخل سورية.

- يجب العمل على تطوير قدرة سورية على احتواء الرسائل الإعلامية السلبية المتداولة عبر شخوص المعارضة المقيمين خارج سورية.

- ينبغي إيجاد نظام إعلامي يعمل 24 ساعة في اليوم على رصد المحتوى الإخباري في الإعلام الغربي لا سيما البريطاني والأمريكي، والتفاعل معه بما يخدم الصورة الإعلامية للنظام.

- يجب مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاربة وإزالة المواقع والصفحات المزيّفة.

ولم ينكر المتحدثون باسم نظام الأسد في بدايات الثورة الأنباء التي تم تناقلها في شبكات التواصل الاجتماعي والتي تحدثت عن مقتل المئات، لكنهم كانوا يكتفون بإلقاء اللائمة على "العصابات المسلحة" كما كانوا يسمون الثوار، بل إنهم كانوا يحاولون دائما تفسير لجوء الثوار إلى استخدام السلاح على أنه حشد للمجتمع الدولي للتدخل عسكريا ضد نظام الأسد.

كما استمرت عائلة الأسد خلال الثورة في محاولتها لتحسين صورتها؛ فكانت تنشر زياراتها للمشافي، ومشاركاتها في قص الشريط في افتتاح المشاريع، والصور التذكارية في المطابخ التطوعية، والتسويق الإلكتروني(3).

حملة إعلامية مكثفة لنظام الأسد تأتي بأثر عكسي

لم تنجح المحاولات المتكررة لنظام الأسد في تحسين صورته دوليا، بسبب فداحة المجازر التي ارتكبها بشكل متزايد وصعوبة إخفائها. وعلى الرغم من ذلك فقد عمل الأسد مؤخرا على حملة مكثفة تمثلت في سلسلة مقابلات أجرتها عدة قنوات وصحف أمريكية وصينية وروسية وأوروبية خلال الشهرين الماضيين، وقد تحدث الأسد خلالها عن مجمل ما يجري على الساحة السورية، فيما ركزت بعض اللقاءات على الأسلحة الكيميائية السورية والتهديدات بضربة عسكرية أمريكية ومؤتمر "جنيف 2".

جنيف 2 والشروط المسبقة

في مقابلته مع قناة "CCTV" في 23 آب/أغسطس الماضي صرح الأسد بأنه يبني آمالا على مؤتمر "جنيف 2"، لكنه تحدث عن وجوب تحقق عوامل نجاحه وهي إيقاف "العمليات الإرهابية" ومنع دخول "الإرهابيين" إلى سورية وإمدادهم بالمال والسلاح. ولم يعتبر الأسد تلك العوامل شرطا لقبوله حضور جنيف2 ، لكنه تحدث عن عدم جدوى المؤتمر لو لم تتحقق.

وأضاف الأسد أن المشكلة ليست لدى سورية، بل هي لدى أمريكا وبعض الدول الغربية "التي لم تستطع حتى الآن توحيد المعارضة التي لا تنتمي للشعب السوري" حسب وصفه، واصفا إياها بأنها تريد أن "نصل إلى جنيف 2 وقد تحقق للإرهابيين شيء على الأرض". وهنا كانت الرسالة متضاربة: هل سيحضر الأسد مؤتمرا لن تكون نتائجه في صالح نظامه إن لم تتحقق تلك العوامل؟ أم إنه بحديثه عن وجوب تحقق عوامل النجاح تلك يضع العصي في عجلات جنيف 2؟

عقبة حقيقية وضعها الأسد أمام المؤتمر الدولي عندما أعلن رفضه للتفاوض مع الثوار الذين وصفهم "بالإرهابيين" من جهة، ومع من يطالب بالتدخل الأجنبي في سورية سواء كان عسكريا أو سياسيا من جهة ثانية. وربما كان في ذلك إشارة إلى المعارضة التي اتهمها بعدم انتمائها للشعب السوري. الأمر الذي يطرح تساؤلا: مع من سيتفاوض الأسد؟

الضربة الأمريكية

في لقاء آخر مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية في 18 أيلول الماضي، أشار الأسد إلى أن التهديد الأمريكي بضربة عسكرية ضد سورية لم يكن يتعلق بتسليمها الأسلحة الكيميائية، بل كان "لمنعها من استخدام تلك الترسانة مرة أخرى". لكنه في حديثه مع شبكة "تيلي سور" الفنزويلية في 25 من نفس الشهر رأى أن "احتمالات العدوان دائما قائمة، والعدوان غير مستبعد"، وذلك بعد انضمام سورية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في الأسبوع الثاني من نفس الشهر. تلك الاتفاقية التي تعتمد بالدرجة الأولى على "تخلي الولايات المتحدة عن سياساتها العدوانية تجاه سورية" حسب قول الأسد. ما يطرح جدلية مثيرة: لماذا تخلى النظام السوري عن أسلحته الكيميائية ما دام احتمال الضربة الأمريكية قائما؟

من استخدم الكيميائي؟

صرح الأسد بأن جميع الأدلة تشير إلى أن الثوار هم الذي استخدموا الكيميائي بمحيط دمشق في الـ 21 من آب/أغسطس، معتبرا أن هناك أدلة مادية تشمل "مواد كيميائية مختلفة ووسائل لتخزينها"، وقد تم إرسالها إلى الحكومة الروسية على عدة دفعات، آخرها كان قبل أسبوع حسبما صرح لقناة "فوكس نيوز"، أي في 11 أيلول/سبتمبر. لكن الأسد أقر في مقابلته مع نفس القناة بعدم وجود أدلة على استخدام الكيميائي أصلا في حادثة الغوطة.

وما يعمق التساؤل في هذا الأمر أن قناة "الإخبارية السورية" المقربة من نظام الأسد أعلنت في 24 آب/أغسطس، أي بعد 3 أيام من هجوم الكيميائي على غوطة دمشق أن هناك أدلة مادية عثرت عليها قوات الأسد في حي جوبر، وتشير تلك الأدلة إلى أن الثوار هم الذين استخدموا الأسلحة الكيميائية في ذلك الهجوم، كما يوثق الفيديو الذي عرضته القناة عبارة "صنع في السعودية" على عبوات بلاستيكية وصفتها القناة بأنها "أسلحة كيميائية". لكن الأسد في مقابلة مع شبكة "تيلي سور" الفنزويلية في 26 من نفس الشهر أي بعد يومين من عرض الأدلة على "الإخبارية السورية" لم يعترف بوجود أدلة على تورط "المملكة العربية السعودية" بنقل أسلحة كيميائية إلى كتائب الثوار.

وفي نفس الوقت اتهم الأسد "المملكة العربية السعودية" بتمويل الثوار ودعمهم منذ بداية الأحداث في سورية بكل أنواع الأسلحة المتطورة، وقال إن "هذا الشيء مؤكد وموثق" في مقابلته مع شبكة "تيلي سور". على الرغم من تأكيده سابقا في مقابلته مع "فوكس نيوز" الأمريكية أن 80% إلى 90% من الثوار الذين اتهمهم بانتمائهم للقاعدة، يتلقون دعما من التبرعات على مستوى العالم الإسلامي من أشخاص مرتبطين بالقاعدة، دون أن يتهم دولا بعينها.

حقيقة الوضع الدبلوماسي لنظام الأسد

على الرغم من الوضع السياسي والإعلامي الذي لا يحسد عليه، إلا أن عوامل عدة قد أدت إلى كسر جزئي للعزلة الدولية لنظام الأسد. فقد عملت الدول الحليفة للنظام على إبقاء الأسد بعيدا عن التدخل العسكري الدولي، كما عملت على التخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية التي أنزلتها عدة دول بنظام الأسد بتزويده بالدعم المالي والعسكري وحتى بالمقاتلين.

الأثر الأبلغ في كسر العزلة الدولية عن نظام الأسد كان للقرارات الأربعة الصادرة عن مجلس الأمن. بدءا بقرار تأسيس بعثة المراقبين الأولى التابعة للأمم المتحدة في 4 نيسان/أبريل 2012، مرورا بقراري تأسيس بعثة المراقبين الثانية التابعة للأمم المتحدة وتمديد فترة عملها، والقرار الأهم رقم 2118 بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2013، والذي يقضي بوجوب تدمير الأسلحة الكيميائية في سورية، ويدعم تأسيس هيئة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة.

فقد ساهم التوافق الدولي غير المتوقع في إعادة الاتصالات المباشرة مع دبلوماسيي نظام الأسد في نيويورك وفي دمشق، وذلك لفترة من المرجح أن تستمر لما بعد الفترة المحددة في الاتفاق حول نزع الأسلحة الكيميائية منتصف العام القادم 2014 على الأقل، مع تضاؤل احتمالات انعقاد مؤتمر جنيف 2. وحتى في حال انعقاده تظل احتمالات خروجه بتوافق على تأسيس هيئة وطنية بصلاحيات تنفيذية تقود المرحلة الانتقالية كما نص القرار 2118 ضئيلة جدا وشبه معدومة.

ولذلك يمكن القول إن صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 فتح نافذة مؤقتة لنظام الأسد وسط العزلة الدولية التي يعيشها.

-- ------

(1) Robert F. Worth, "With isolation over, Syria is happy to talk", New York Times, March 26, 2009

(2) Claire Berlinski, "Guess who's helping Assad get away with murder?", GATESTONE INSTITUTE, July 8, 2012

(3) Rob Sharp, "How Bashar al-Assad is using new media to preserve old tyranny", Article-3, October 8, 2013