لعنة مرسي التي حلت بالإنقلابيين

سليم عزوز

لي شطحات صوفية أكاد أخفيها، وهي كامنة بداخلي من مرحلة الصبا، عندما كانت الصوفية تجذب عاطفتي، وكانت أفكار الإمام محمد عبد الوهاب تخاطب عقلي، حيث تسنى لي أن اقرأ رسائل الإمام صغيراً، في وقت كانت كتب التاريخ التي ندرسها في المدارس تقدمه على أنه إنسان جعل من الدين ستاراً لتحقيق أغراضه السياسية، ولا أظن ان هذه النصوص موجودة الى الآن في كتب التاريخ المقررة في المدارس!

صغيراً أصيبت عيناي بالرمد الربيعي، مثل الشيخ عبد الحميد كشك، وعميد الأدب العربي طه حسين، وعندما كبرت علمت أنهما كانا يستخدمان العلاج البدائي والوصفات الشعبية، مما كان سبباً في أنهما أصبحا كفيفين، لكن الله سلم في حالتي.. علم أن بي ضعفاً فنجاني!

بعد يأس من العلاج كان الاقتراح بضرورة أن ازور مقام ‘العارف بالله’ بسوهاج وأسأله الشفاء، وأن أقرر له نذراً، ولم أكن مقتنعاً بالكامل بصحة ما افعل، فرسائل بن عبد الوهاب ترتقي بهذا التصرف إلى مرتبة الشرك بالله، ووقفت في حضرة المقام، ألقي بأوامري على صاحبه: ‘اسمع أيها الرجل، لا أحب اللف والدوران، أمامك أسبوعاً أن شفيت فيه فالفضل يرجع لك، فان حدث الشفاء بعد ذلك فلا علاقة لك بالموضوع.

لكن بعد مرحلة الاستقطاب هذه، غادرت لأكون ليبرالياً، أميز نفسي عن الليبرالية العميلة للسفارات الأمريكية بأني ليبرالي على كتاب الله وسنة رسوله ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، وباعتبار ان المذهب الحنفي هو المذهب الرسمي في مصر في مسألة الأحوال الشخصية!

وعلى الرغم من المغادرة، فانه لا تزال بي شطحات صوفية، لم تصل بالطبع الى شطحات الراحل حسن التهامي، الذي كانت له حركات لافتة في هذا الصدد ومع هذا كان مقرباً من الرئيسين السادات وجمال عبد الناصر، وفي حضوره لجلسات الاتفاق التمهيدي مع القيادات الإسرائيلية للاتفاق على معاهدة السلام، إذ كان سبباً في إصابة الإسرائيليين بالخفيف، إذ يكون جالساً في أمان الله عندما يهتف: ‘وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته’، فيرتبك القوم، فيقول لهم ان سيدنا الخضر كان ماراً وأنه القى عليه السلام، وقد التقيته مرة واحدة قبل وفاته، وسألني من علم باللقاء ألم تلاحظ انه مجنون؟.. ونفيت له ذلك ربما لأن الحال من بعضه، وربما لأن الخضر لم يمر عليه في الوقت الذي قضيته معه، فلا يجتمع اثنان من أهل الحقيقة في صعيد واحد.. أنا والخضر.

جاذب للنساء

شطحة صوفية كامنة قفزت خلال الأيام الماضية مستيقظة، جعلتني على يقين من ان كل من تآمر على الرئيس محمد مرسي ولو بالصمت، سيفضحه الله ولو في عقر داره، وسيكون لمن بعده آية، وعندما شاهدت على مدى يومين كاملين عبر ‘الجزيرة واخواتها’ الفيديوهات التي بثها موقع ‘رصد’، للفريق السيسي، على نحو مثل فضيحة أيقنت ساعتها أن لعنة الرجل ستحل بمن خانه وتآمر عليه ولو بالتواطؤ.

الفيديو الأول كان عن لقاء تم في شهر ديسمبر الماضي وفيه أعلن الفريق عبد الفتاح السيسي وكان بين قيادات في الجيش، أن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة ‘جاذب للنساء’ للتأكيد على أهليته للمنصب، وعندما مُنحت فرصة التعقيب على هذا لم أقوم بالتركيز عليه مخافة ان يتم اتهامي بأني حاقد على المتحدث الرسمي، ومنذ اللحظة الأولى لظهوره إعلاميا فوجئنا بتأوهات كتلك التي سمعناها عندما زار اميتاب باتشان القاهرة في بداية التسعينيات، وقد ذهبت مجموعة من الفتيات الى المطار، كنا ينظرن في عينيه ويغبن عن الوعي، وإحداهن سقطت مغشياً عليها وعندما كبرت عملت مذيعة.

ستتركون يا قراء الموضوع حتماً وتسألون من تكون هذه المذيعة؟!.. فلا ترهقوا أنفسكم بالسؤال لأنني لن أجيب، وظني أنه ما دامت هذه المذيعة ليست ملكة الجزيرة المتوجة خديجة بن قنة، فلا معنى لمحاولة الوقوف على اسمها، فكل المذيعات يؤخذ منهن ويرد بمن في ذلك جمانة نمور، إلا خديجة بن قنة.

خديجة جزائرية، تجلت جزائريتها مرة للناظرين، عندما كانت خارج استوديوهات القناة في الدوحة، لتغطية انتخابات في بلد ما، نسيت البلد والمناسبة، قاتل الله الزهايمر، وحطت الكاميرا فجأة على وجهها، وهي في حالة غضب وتكاد تعصف بفريق العمل، وبالسماعة التي في أذنها والتي بدت لي أنها من النوع الرديء، ومن الواضح ان من اشتراها احتفظ لنفسه بفارق السعر!

خديجة كانت اختيار الرئيس محمد مرسي في أول وآخر مقابلة له على قناة الجزيرة، وبعد عدة شهور من طلب المقابلة ومن توليه الحكم، في حين أن محمد حسنين هيكل اختار محمد كريشان لحواره، قبل أن يهبط قدره، الى حد أن تكون محاورته الأثيرة هي لميس الحديدي، التي تسأله في السياسة ‘بدلال مصطنع كما لو كانت تسأله عن أول خطاب كتبه لبنت الجيران، وهو أمر مبرر فهي تمارس الدلال بأموالها التي هي أموال القناة، فما تدفعه له ‘سي بي سي’ في الحلقة الواحدة بمجمل ما كانت تدفعه الجزيرة في سلسلة حلقاتها، ولا نعرف ماذا سيصنع بكل هذه الأموال، ولم يعرف عنه في تاريخه أنه انسان خيّر كمصطفى أمين، فحتى المبلغ الذي قرره قبل سنوات وقفاً لتدريب الصحفيين لا ذكر له الآن، بعد أن ملاً الدنيا حديثاً عنه.

قصر برقاش

ومؤخراً تجلى هيكل في حضرة لميس الحديدي، وهو يتهم جماعة الاخوان بأنها وراء حرق قصره في منطقة ‘برقاش’، وكيف أن القرار صدر من اعتصام رابعة العدوية، ليتأكد بعد يومين من هذا أن ما تعرض له قصره كان بدافع السرقة، وان إحراقه كان لإزالة آثار من أقدم على هذا، وأن الإخوان لا ناقة لهم ولا جمل في الموضوع، وأن الأستاذ مثلنا يغضب لنفسه، فتفارقه الموضوعية، ولا ينشغل بأن يستخدم ملكاته الصحافية ليتوصل الى الجاني حتى لا يصيب قوماً بجهالة.

خديجة حاورت مرسي المختطف حالياً، وكريشان حاور من رسم سيناريو الانقلاب والخطف، وأتمنى أن يحاور يسري فودة الفريق عبد الفتاح السيسي هذه الأيام، وكل من حاورهم يتعرضون لزيارة خاطفة من عزرائيل في الأسبوع التالي لبث الحوار… سيقول أحدهم لمن ‘يروي’ ان ملك الموت اسمه عزرائيل، وردي: من قال لكم اننا نتحدث عن الموت؟!

ما علينا، فاذا كانت كل مواهب المتحدث العسكري في انه ‘جاذب للستات’، فأعتقد ان اميتاب باتشان يمكن أن يؤدي المهمة بشكل أفضل، وقد شاهدنا كيف كانت الغائبات عن الوعي من اول نظرة من الفتيات الصغيرات، فقد كانت المذيعة التي أغمي عليها، ‘صغيرة على الحب’، حينئذ، في حين أن كل المعجبات بالمتحدث العسكري هن من القواعد من النساء، اللاتي فاتهن قطار الحب والتقدير، أما الصغيرات في هذه الأيام فهن في نضال يومي لكسر الانقلاب وبشكل يبعث على الدهشة لواحد مثلي، من جيل من ناضل منه أصابه اليأس دون ان ينتج بنضاله شيئاً على الأرض!

يوم الخميس الماضي كان مسؤولاً عن احدى الحركات إياها يتحدث عبر ‘الجزيرة مباشر مصر’، وحركته أرهقتني لمواقفها المتقلبة تقلب الليل والنهار، فقد أيدت الانقلاب وتحمست له، وذهب ممثلون عنها الى القصر الجمهوري ليجلسوا في حضرة الرئيس المعين، وطلبوا السماح لهم بالسفر لبلاد الفرنجة على أن تتحمل الدولة نفقات ذلك من اجل اقناع الغرب بأن ما جرى في مصر هو ثورة وليس انقلاباً، ثم دبت بين النشطاء الخلافات فكل منهم يريد ان يكون هو في الصورة، في حملة العلاقات العامة المدعومة من القصر الجمهوري.

ونفض الانقلابيون أيديهم منهم. وقد أسعدني أن يصف المتحدث باسم الحركة ما جرى بأنه انقلاب، وأن الشرطة تمتهن كرامة الناس لأنها عادت الى مرحلة ما قبل ثورة يناير، ومع هذا يقول أن حركته لن تشارك في المظاهرات المقرر لها يوم السادس من أكتوبر ضد الانقلاب، لأنها لن تساهم في تعميق حدة الانقسام في الشارع!

في هذه اللحظة كانت الصورة التي تبثها ‘مباشر مصر’ من محافظة أسيوط، واذا بمظاهرات تقوم بها الطالبات، اللاتي وقفن في مواجهة الشرطة التي تريد اعتقال تلميذ في المرحلة الثانوية.. وكانت الصورة كاشفة عن أن الخير قادم على يد شباب وفتيات مصر الذين لم تثقل أذهانهم الحسابات، فهم ليسوا متذبذبين بين هؤلاء وهؤلاء، فمواقفهم واضحة: الشرعية في مواجهة الانقلاب.. قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.

سد الحنك

لقد وضع أنصار الانقلاب العسكري في أفواههم ‘سد الحنك’ بعد بث هذه الفيديوهات، ثم قاموا بلملمة الأشلاء المبعثرة، وأخذوا يتكلمون عن ماذا في كون المتحدث العسكري ‘جاذب للنساء’ على نفس درجة الجاذبية الأرضية!

فات هؤلاء أن الأمر خاص بالجيش، وليس لفريق لكرة القدم، وهنا يكون الاختيار والكلام على مستوى المسؤولية الوطنية.

أعلم أن ‘حبيبك يبلع لك الزلط وأن عدوك يتمنى لك الغلط’، ومثل هذا الكلام لو كان قائله هو الرئيس محمد مرسي لقامت قيامة فضائيات الثورة المضادة، لكن هذه الفضائيات الآن لا ترى فيما جرى مشكلة، ولن أقف طويلاً أمام هذا الأمر، حتى لا يقال أنني مدفوع بسيف الغيرة، ولو كانت الغيرة مذهبي، لكانت من الجاذب للفتيات، وليس للقواعد من النساء، فأنا لم أغر مثلاً عندما تزوج ابو هشيمة من ‘الوالدة’ هيفاء، فمن يستحق ان نغار منه حقاً هو عماد أديب، وهل يمكن لمثلي أن يغار لأن هيكل تحاوره لميس الحديدي، مع أني عندما شاهدت خديجة بن قنة تحاور الرئيس محمد مرسي هتفت: ‘أزرق’، والعين كما تعلمون فلقت الحجر!

إذا استبعدنا الجاذبية الأرضية من الموضوع، فأعتقد ان الأزمة فيما جرى الحديث حوله تتمثل في مخطط السيطرة على الإعلام، من خلال استخدام ‘الأذرع ولا اعرف لماذا أشبع القوم الرئيس مرسي سخرية لحديث الأصابع، في حين مر حديث ‘الأذرع على قلوبهم كالعسل؟!

الأمر الثاني في هذه الفيديوهات، هو حديث الفريق السيسي بمنطق الرأسمالية المتوحشة، فمن يريد خدمة عليه أن يدفع ثمنها، ولا حديث عن الفقراء، وأنه لو كان الأمر بيده لحصل على قيمة المكالمة الهاتفية من الطالب ومن المطلوب، وهو خطاب يليق برجل أعمال كنجيب ساويرس ولا يليق برجل يتم الحديث عنه عن انه عبد الناصر الذي عاد للحياة، وعبد الحكيم جمال عبد الناصر قال ان السيسي هو ‘الوريث الوحيد’ لوالده، وما كنا نظن أن عبد الناصر سيجري اختزاله يوما ليصبح مجرد رب أسرة، من الطبيعي أن يقرر احد أفرادها من هو الوريث الشرعي لأبيه!

الأمر الثالث في الفيديوهات المسربة، والذي زفت بها الجزيرة القوم زفة ‘المطاهر يوم طلوعه على المعاش’ هو في إعلان الفريق السيسي أن الضباط لن يحاسبوا بعد اليوم على قتل المتظاهرين أو إصابتهم.

وبعيداً عن كل هذا فان تسرب هذه الفيديوهات، التي تقوم على تصويرها جهة واحدة، تتبع القوات المسلحة أمر له مدلوله الخاص، ولا نستبعد ان يكون هذا احد تجليات خلاف الجنرالات.. فالفريق سامي عنان منذ أن أعلن ترشحه وهناك حملة ضده من قبل أنصار الفريق السيسي، والتهديدات الموجهة ضده واضحة وحاسمة ودخلت على الخط الفضائيات الموالية للانقلاب.. لكن من يهدد من؟!.

عندما شاهدت الفضيحة عبر الشاشات، قلت إنها لعنة مرسي التي ستحل على كل من تآمر عليه. وبروح صوفية شفافة، سوف ترون في هؤلاء ما يشفي الغليل.

حوالينا لا علينا.

( عن القدس العربي ) - لندن