يوم الحساب !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يخطئ من يتصور أن الرصاص الحي والترويع بالاعتقالات والتعذيب يمكن أن يخضع الشعب المصري ، ويمنعه من المطالبة بالقصاص العادل لشهدائه ومصابيه وانتهاك حرماته والانقلاب على الدستور والقانون ، فالجريمة التي وقعت في الثالث من يولية وما تلاها لايمكن أن تمر مرور الكرام وينساها الناس وفقا لمقولة إن كل شيء في مصر ينسى بعد حين !

ويخطئ من يتصور أنه يمكن أن يفلت مجرم من العقاب ، ويضحك على العالم ، ويخرج لسانه للمصريين قائلا: لقد ذبحتكم ذبح النعاج ، وجمعتكم مثل الدجاج ووضعتكم في السجون والمعتقلات ، وأزريت بكم وبإرادتكم ووقوفكم طوابير طويلة أمام لجان التصويت لتختاروا من تريدون ، وترفضوا من تشاءون ، فأنا الذي أختار ، وأنا الذي أرى ما لا ترون ..

يخطئ من يتناسى أن هناك يوما للحساب عند المنتقم الجبار الذي لا تخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وهو عادل لا يظلم ، ويحاسب بميزان دقيق لا تطفيف فيه ولا تفريط .

كان المتظاهرون يتحركون في شبرا الخيمة وتوقفوا تحت شرفة أحد البيوت وهتفوا لأم الشهيد ، وظهر على سور البيت امرأتان إحداهما لم تحتمل الألم فانهارت ووضعت رأسها على الجدار ، ولكن يدها كانت ترتفع بإشارة رابعة ، كانت تغالب الألم وهي تحاول رفع رأسها . ولكن المشهد الذي صنعه هتاف المتظاهرين كان يؤكد على استمرار الشعب وثباته وصموده وصلابته في المطالبة بحقوقه وملاحقة المجرمين الذبين سرقوا الحرية والأمل وأطفأوا نور الكرامة والمستقبل .

المجرمون الذين سرقوا الحرية وأهرقوا الدماء البريئة الطاهرة يظنون أنهم سيفلتون من العقاب ، وإني أبشرهم أن الشعب مع كل الجراح والآلام سيأتي بهم إلى ساحة العدالة الناجزة في يوم ما قد يكون قريبا إن شاء الله .

وزير الداخلية المصري كان سعيدا وهو يتحدث عن البلطجي الذي أرسل إليه من محبسه يطلب منه أن يوافيه بأحد سجناء الحرية والضمير ليؤدبه وفق تعبيره ! ولم يدرك معالي الوزير خطورة كلامه ومنطقه على الرأي العام وعلى طبيعة العلاقة بين السلطة الحاكمة وبين البلطجية الذين يعيشون في دائرة الجريمة وضد القانون ، وتناسى الوزير الهمام أن كلامه أكد بما لا يدع مجالا للشك أن القانون في إجازة وأن الداخلية على علاقة وثيقة مع البلطجية وهو ما يشي أن هناك خللا كبيرا في المنظومة الأمنية والقانونية في البلاد !

إن هذا الوزير قبل الانقلاب العسكري الدموي الفاشي كان في حالة موت إكلينيكي ، فلم يقم بواجبه في حماية المنشآت والمواطنين والمؤسسات ومقار الأحزاب والمحلات التجارية ، واعترف بعظمة لسانه أنه رفض تأمين دخول المحافظين الجدد الذين عينهم الرئيس مرسي إلى مكاتبهم ، وهو ما شجع البلطجية على احتلال المحافظات وإغلاقها بالجنازير وتعطيل مصالح الناس . إن تخلى الشرطة عن وظيفتها وترك مصر كلها دون شرطة لا يمكن أن يكون إلا بقرار من السيد الوزير أو من يحركه .

لقد دبت الحياة الصاخبة فجأة في شرايين الوزير المحترم بعد الانقلاب الدموي وأخذت قواته تتحرك في كل الاتجاهات وتضرب بعنف وتعتقل وتقدم للمحاكمات ، ولم يكتف بذلك بل استدعى الجلادين من أمن الدولة الذين نقلوا إلى قطاعات أخرى أوأحيلوا إلى التقاعد أو ذهبوا إلى دبي ، فقد عادوا وأعادهم الوزير لإحياء دولة مبارك الإرهابية مرة أخرى.. ثم إن الوزير يستثمر البلطجية في العمليات القذرة ، وقد اعترف بعضهم بذلك على الهواء مباشرة  ، ولن تجدي محاولات الوزير التنصل من استخدام البلطجية ضد الشعب ، فالناس تعرف جيدا أن بلطجية الشرطة أصبحوا جزءاً من النظام الفاسد فى المظاهرات والانتخابات، وبقية العمليات الدموية الشريرة ، التي لا تريد الوزارة أن يقوم بها الضباط أو الجنود مباشرة، وفي مقدمتها استخدام الرصاص الحى في الشوارع والميادين والمساجد .

أظن أن هذا الوزير يجب أن يكون على رأس من ينتظرون يوم الحساب خاصة بعد أن تلوثت يداه بدماء خمسة آلاف مصري في الميادين والشوارع..

وقبل هذا  الوزير قادة الانقلاب العسكري الذين استباحوا دماء المصريين وأحرقوا جثثهم أو طبخوها على حد تعبير روبرت فيسك ، ثم رفعوها بالجرافات وألقوا بها في الزبالة !

إن قادة الانقلاب أهانوا الوطن وأخذوا في تدميره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وخلقيا ، وأتاحوا فرصة للأقليات الانتهازية والمرتزقة كي يعبثوا بمقدرات مصر ومستقبلها ، ويؤسسوا لمنهج القوة والدم ، وليس لمنهج الحق والتعايش .

إن محاسبة الانقلابيين ضرورة إنسانية وقومية ووطنية ، فقد اقترفوا جرائم في حق البشرية حين قتلوا أكثر من خمسة آلاف مصري بريء ، وأصابوا أكثر من عشرة آلاف إصابات قاتلة ، وزرعوا الرعب والخوف في أرجاء البلاد بالاعتقالات والترويع والعنف ضد الآمنين والمتظاهرين على السواء ، فضلا عن تخريب الاقتصاد القومي وانهيار الإنتاج وتوقف السياحة والتجارة وإلغاء معظم رحلات الطيران ، وإيقاف القطارات ، وفرض الطوارئ وحظر التجول وقبل ذلك وبعده استخدام الرصاص الحي في التعامل المباشر مع المواطنين في سابقة خطيرة لم تحدث في العهود الاستعمارية .

 لابد من محاسبة فقهاء البيادة الذين ساندوا الانقلاب على الدستور وإرادة الشعب والرئيس المنتخب ، وأفتوا للضباط والجنود بإطلاق الرصاص الحي على المواطنين الأبرياء المعارضين للانقلاب العسكري الدموي الفاشي بحجة أنهم خوارج يجب قتلهم والتخلص منهم استنادا إلى نصوص وضعوها في غير موضعها وأولوها تأويلا فاسدا لإرضاء الطغاة أعداء الحرية والديمقراطية والإسلام. هؤلاء الفقهاء شركاء في سرقة الحرية والديمقراطية وقتل المصريين الأبرياء وجريمتهم لا تقل عن جريمة الانقلابيين .

ولايقل إجراما عن هؤلاء أبواق التلفزيون والإذاعة الرسمية أو الخاصة وكتاب الصحف اليومية والأسبوعية الذين دعوا للانقلاب وفي مقدمتهم محمد حسنين هيكل وكذلك الذين أيدوه وحرضوا على القتل وفض الاعتصامات والتظاهرات بالقوة وهللوا لقتل المعتصمين والمتظاهرين .هؤلاء الكتاب الذين تربوا على الولاء للبيادة والطغاة يجب أن يتعلموا أن الدم المصري ليس رخيصا وأن دعمهم للانقلابيين لا يتفق مع الأخلاق ولا الشرف ولا المواثيق الدولية . ليست مهمة الكاتب أن يردح لطلاب الحرية والكرامة والديمقراطية ، ولكن واجبه الدفاع عن حق الوطن في التعبير عن إرادته الحرة وليس الانضمام للعوالم والغوازي وهم يردحون : تسلم الأيادي ، ابتهاجا بقتل الأبرياء!   

" ولاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ"

(إبراهيم : 42) .