الذكرى الأربعون لحرب تشرين التحريرية

بدر الدين حسن قربي

الذكرى الأربعون لحرب تشرين التحريرية

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

أعلن نظام الأسد في 9 سبتمبر/أيلول الماضي 2013 موافقته على ماسمّي بالمبادرة الروسية المتضمّنة تسليم مايملكه كاملاً من الأسلحة الكيماوية للمجتمع الدولي بقصد تدميره والتخلص منه ورميه في القمامة، مقابل أن يتوقف التهديد بالضربة الأمريكية له بسبب استخدامة الكيماوي في ضرب الغوطة الشرقية يوم 21 أغسطس/آب وموت أكثر من 1500 شخص بينهم قرابة 400 طفل.  يلفتنا دائماً إعلام التشبيح الرسمي في هرجه وتهريجه المعتاد من اعتبار هذا الخضوع والاستسلام انتصاراً كبيراً مشهوداً للنظام، وهزيمة كبرى للأمريكيين وحلفائهم الأوروبيين، فبوارجهم وسفنهم ارتدّت بعدها على أدبارها مكسورةً مهزومة.  وهو شأن مألوف مع نظام الأسد والدٍ وولد، فأياً كانت معارك النظام، فنتيجتها هي النصر طالما قائدها الأسد، وطالما أن الأمر مرهون باستمراره في حكم سوريا ونهبها وقمع أهلها.

في حرب الأيام الستة من حزيران 1967، تم اقتطاع الجولان السوري ( 1260 كم مربع) وكان وزير الدفاع وقتها الأسد الأب، وأصرّ إعلام شبيحة النظام وقتها على أنهم لم يخسروا المعركة، لأن هدف إسرائيل الرئيس كان إسقاط النظام، وطالما تمّ إفشال هذا الهدف ولم تنجح فيه، فنتيجة الحرب خسارة لها ونصر للسوريين. وفي حرب 1973 ، ورغم أن إسرائيل احتلت قرابة أربعين قرية سورية جديدة مضافة للجولان، فلم يجد الأسد الأب أشد دقةً من أن يُسمّيها: حرب تشرين التحريرية.

أما كيف كانت تحريرية ولم يتحرر فيها شبر واحد من أراضي جولاننا السوري المحتل بل خسارة في الأرض مشهودة، فيمكن معرفة الإجابة من فلسفة بشار الأسد وكلام شبيحته.  فبشار بمناسبة ذكرى هذه الحرب، ورغم أنه عمره كان وقتها سبع سنوات، فقد قال لصحيفة تشرين: بأن الناس يقيسون الانتصارات من خلال الأمتار التي كسبتها الجيوش أو التي خسرتها، وكثيراً ما قُيّمت حرب تشرين انطلاقاً من هذا الموضوع، ولكن الحقيقة أن مفهوم الانتصار هو أشمل من ذلك.  ولفهم هذا الفهم الأشمل، فقد قال اللواء محمد ابراهيم الشعار وزير داخلية بشار بأن معركة تشرين التي قادها حافظ الأسد، ردّت للعرب ثقتهم بأنفسهم، ومن رحم انتصاراتها قبل أربعين عاماً ولدت ثقافة المقاومة لدى السوريين.  وهو ماقال بمثله هلال هلال الأمين القطري المساعد للحزب في تصريح له بأن حرب تشرين التحريرية كانت نقطة تحوّل في تاريخ الأمة العربية وبدايةً لعهد الانتصارات. أما أقبحهم وكلهم قبيحون فهم الذين اعتبروا الثورة السورية الراهنة امتداداً لمؤامرة ومعها مخططات إذكاء الفتن الطائفية والإقليمية على سوريا، وأنها بدأت مع هزيمة إسرائيل في تشرين الأوّل 1973، على يد الأسد الأب.  ومن ثم فقد كانت هذه التسمية التحريرية على الدوام مثار الضحك والفكاهة، إذ خسرنا فيها ماخسرنا وصارت تحريرية، إذاً كيف لو لم نخسر فيها شيئاً..!  وعليه، فلم يكن غريباً أن تسمع جواب نازح من قريته الجولانية عام 1973 عندما تسأله عن الحرب التي نزح بسببها، أن يقول: نزحت من قريتي في حرب تشرين التحريرية.

وبمناسبة الاحتفاء الرسمي بهذه الذكرى منذ أيام، فإن المجتمع الدولي بالتعاون مع حكومة الأسد لم يجد أنسب من ذكرى حرب تشرين التحريرية يوماً، للبدء بتدمير الترسانة الكيماوية السورية وتفكيكها والتخلص منها ورميها في الزبالة.  فقد أعلنت الأمم المتحدة أن عملية التدمير قد انطلقت يوم الأحد السادس من تشرين أول/اكتوبر 2013  وهو تاريخ له رمزيته، بإشراف خبرائها رغم أنه يوم عطلة عندهم، على قيام السوريين أنفسهم وبأيديهم أنفسهم بتدمير رؤوس صواريخ حربية وقنابل جوية ومعدات صناعية لهذه الأغراض.

لانريد الدخول بتفاصيل حرب تشرين وماوراءها، ولكن بالمختصر أولها على الأرض قرابة أربعين قرية وبلدة كانت خسارة، وتاليها شعارات فارغة ولا نفع لها وجعلوا منها تجارة، وآخرتها بعد أربعين عاماً بالضبط باتت يوماً مشهوداً لاستسلام الأسد وتسليم السلاح الاستراتيجي عساه أن يُمدّد له في حكم شعب ثائر عليه حتى الخلاص منه والرحيل.