لقد صنعوا فجوة !!
كثيراً ما كنت أستغرب – وأنا طالبة - حين مطالعة مقررات كلية الأدب العربي عن سبب كونها كلية مستقلة عن الشريعة .. ثم عرفت أنهما كانتا تخصصاً واحداً .. ثم فصل بين التخصصين , وبغض النظر عن الماضي فقد آن الأوان أن يعرف الجميع مغبة وضع كلية خاصة بالأدب العربي متفرعة المواد ومتشعبة : لا تقتصر على دراسة النحو والصرف وتطبيقاتهما في أقوال الشعراء والأدباء بل تتجاوز ذلك إلى دراسة بم تنفس كل شاعر , وكيف تكلم , وما هو موقف حبيبته منه البارحة وكيف هو موقفها منه اليوم .. مع المقارنة بين طبيعة عشق عنترة وقيس وكثير عزة ( مع أنهم عشاق تعساء في النتيجة ), وبين منهج الحطيئة في الهجاء ومنهج الأخطل و و و و لتكثر الكتب والمقررات ويضيع الطلابُ المبدعون فكراً عمرَهم في دراسة السخافات , وليقال لهم بعد ذلك أنتم درستم الفكر والأدب , وأنتم أهلهما , وهكذا يحسبون أنفسهم مفكرين ولكن الفكر أجوف , وأدباء ولكن الأدب سخرية وهجاء وتزلف .. , ثم تعرض لهم تلك المناهج والمقررات أفكاراً في التربية والسياسة والاقتصاد ليزدادوا قناعة بفكرهم الواسع وأنهم أهل الفكر النهضوي .. ولكن الواسع ضيق لا ثمار له : كما يرون من أنفسهم وحصيلة فكرهم السطحي .. وأن النهضة عزيزة المنال , ومن ثم يدفعهم ذلك إلى البحث عما لدى الغرب و الشرق من علوم نظرية ينقذون بها أمتهم ..
أليس هذا هو التفسير الكبير للعديد من مؤلفات الأدباء الحاليين ومقالاتهم , التي يخرج منها الإنسان مثله : مثل الجائع الذي يعد الولائم في أحلامه ؟!..
نعم لقد فُصلت عن علوم الشريعة , وما كانت مادة الأدب العربي طوال التاريخ إلا جزءاً لا يتجزأ من علوم الشريعة , فيدرس الطلاب النحو والصرف والبلاغة والتطبيقات في الشعر والأدب , تحت ضوء من المنهج الرباني .. ويضيفون إليها دراسة الكنوز والروائع الحقيقية التي يزخر بها تراثنا الإسلامي..
إن العلوم النظرية هي الموجه للأمة وللعباد في كل زمان ومكان , لذلك وضع الله في شرعه أسس العلوم النظرية والقواعد العامة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية وعلم النفس , ويجب على المفكر أن يأخذهما من منبعهما الأصلي ثم يضيف عليهما من فكره النير الذي أُنير بالشرع الحق القويم وبالفكر الصحيح ..
إن فصل كلية الأدب العربي عن الشريعة هو الذي خلق الفجوة القاتلة للأمة بين المفكرين والشعراء والدين , فجعلهم يتخبطون بين فكرهم ودينهم , وما التخبط في الدين وإنما هو الفكر المنحرف الذي تذوقوه من بذاءة ابن برد وتفاهة درويش
وكفر أبي ماضي , وسطحية فلان وفلان .. وصار القول : بأن هذا أديب إسلامي أو شاعر إسلامي كلمة بدهية يعنون بها أنه يختلف عن الفكر المعاصر والمتعلق بالحياة , ولا أدري أي حياة وفكر يقصدون ( لعل الحياة التي يصورها نجيب محفوظ القذر في رواياته , أو الفكر المعاصر الخبيث عند جبران , أو الذل المقرف عند
عبد القدوس , أو النضال التافه عند كنفاني .. )
وتزداد الفجوة بين الفكر المعاصر والدين , ونعجز عن الإصلاح , ونضيع بين حالم يعشق أمته ويدافع عن تراثها وهو يعرف في قرارة نفسه سطحيته ( إذ غيبت عنه الكنوز الحقيقية ), وبين مفكر لا يجد في ما أخذه من تراثه حلّاً فيبحث في ما لدى الغرب ..
الغرب يا سادتي الذي قامت نهضته على علومنا الشرعية الفكرية قبل التجريبية , وما كتاب العقد الاجتماعي لروسو الذي سرق معظمه من ابن خلدون عندنا ببعيد أقصد بمعروف , وأمثال ذلك كثير ..
وتتسع الفجوة بين الفكر والدين , ولا يجد أهل الدين معيناً لبعث التراث الحقيقي من لغويين ونحاة ومفكرين , ثم تتبعثر همم الكثيرين بين العجز وتعليم الناس أبسط أمور الدين و الجدال لمن يظنون أنفسهم مفكرين ..
بالاختصار هذا ما أراده من فصل كلية الأدب العربي عن علوم الشريعة ...