ما زال في الناس بقية!
أيمن بن أحمد ذو الغنى
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
وصلتُ مدينةَ الطائف([1]) ونزلت في فندقٍ بمنطقة (الحويَّة) أقرب حيٍّ سكنيٍّ إلى سوق عُكاظ.
دخلت محلَّ (التموينات) المجاور واشتريت بعضَ الحوائج...
وسألتُ البائع - وكان شابًّا سعوديًّا قويَّ البنية وافرَ الهمَّة - عن أيسر السبُل للوصول إلى عُكاظ، وكم يُفترَض أن يأخذَ صاحب سيَّارة الأجرة (التكسي).
ففاجأني بقوله: ما لك وللتكاسي!
هذه سيَّارتي في الخارج اذهب بها على أن تعيدَها إليَّ قبل الثانيةَ عشرةَ ليلاً!
ظننتُه يمزح، فأنَّى له الثقةُ بي وبزميلي مهندس الألوكة ولم يرَنا إلا الآن؟!
ولكنَّ لهجته كان فيها الكثيرُ من الصِّدق والجِدِّ.
وبعد صلاة العصر مضَينا إليه، وما إن رآنا حتى بادرَنا بمفتاح سيَّارته،
ووجدتُّني آخذُه بلا تردُّد!
ركبنا السيَّارة الحديثة من طِراز (كابريس)، وانطلقنا بها مسافةَ خمسة وعشرين كيلاً إلى حيثُ سوق عُكاظ.
أنجزنا عملنا في معرِض الكتاب الإلكترونيِّ ثَمَّةَ، وعُدنا إلى الفندق قُبيل الثانيةَ عشرةَ، وعرَّجنا على صاحبنا، وأعدتُّ إليه مفتاحَ سيَّارته، وأخرجتُ له مئةَ ريال لقاء استعمالنا لها...
فإذا بوجهه يكفهِرُّ ويبدو على قسَماته الامتعاض!
وقال عاتبًا: أعطيتكم سيَّارتي لأنني متيقِّن أنكم لن تجدوا سيَّارةً في المساء تُعيدكم من عُكاظ، وأنا جالسٌ في المحلِّ إلى منتصف الليل، والسيَّارة واقفةٌ في الخارج بلا فائدة، وقد ارتحت لكم ورغبت في مساعدتكم!
لم أملك أمام شهامته وصدق عبارته إلا أن أُعيدَ النقودَ إلى جيبي، وأشكرَه متلعثمًا، وأخرجَ مذهولاً من تصرُّفه وكريم فعله!
وإن تعجَب فعجَبٌ أنه لم يسألني عن اسمي ولم أسأله عن اسمه، ولم يطلب رَقْمَ جوَّالي!
ولو أنني مضَيتُ بسيَّارته ولم أُعِدها، لما كان بإمكانه الاهتداء إليَّ!
فارقتُ هذا الأخَ الكريم ولم أعرف عنه إلا أمرًا واحدًا...
إذ ألفيتُه حين أعدتُّ إليه المفتاحَ يشاهد قناةَ (السوريِّ الحرِّ)،
فقلت له: ما شاء الله تتابعُ أخبارَ ثورتنا المباركة؟
فأجابني: إن شقيقي الآن هناك يجاهدُ في لواء أحرار الشام.
بارك الله فيه، وفي أخيه المجاهد، وفي بطنٍ حمل، وأبٍ رعى...
وأكثرَ في الأمَّة أمثالهم...
ممَّن باتوا معدِنًا نادرًا نفيسًا...
والحمد لله أولاً وآخرًا أن أبقى فينا من يجعلنا نقول:
ما زال في الناس بقيَّه، من أهل الخير والحميَّه
!
([1]) كان ذلك ضُحى الخميس 13 من ذي القَعدة 1434هـ (19/9/2013م).