لا يمكن استبدال الاستبداد بآخر ..

عقاب يحيى

الثورة السورية يمكن تلخيصها بشعاراتها التي رفعتها : حرية وكرامة ورفض المذلة ..

لقد فاض كأس السوري عقوداً من ممارسات التغييب والتهميش والقمع والكبت والفئوية. صمت مرعماً بفعل قوة الأجهزة الأمنية وتغلغلها العميق في بنية الإنسان، وجبروت الطغمة القاتلة التي تستهن بكرامة وحقوق وحياة المواطن..

حين ثار.. أكيد أنه كان يضع نصب أعينه انتزاع الحرية لبناء وطن ديمقراطي لخصته، لاحقاً، شعارات، ومصطلحات متفق عليها : الدولة المدنية الديمقراطية التي تساوي بين المواطنين جميعاً بالحقوق والواجبات مهما كان أصلهم الإثني والقومي، وجنسهم، ومعتقدهم السياسي والفكري.. 

ـ وحتى لا يختلف الناس في تفاصيل النظام القادم كان التوافق على ترك الأمر للشعب كي يقرر عندما يصبح ذلك متاحاً في انتخابات نيابية مباشرة، يجب احترام نتائجها، وتكريس التداول السلمي على السلطة، والتعددية السياسية ، وصياغة دستور عصري يكرس الخقوق الطبيعية للبشر، وهوية الدولة السورية وانتمائها، ولغتها، وإطارها الجغرافي.. بكل التنوع والتناغم,, ووضع ضوابط لممارسة الحياة السياسية، وعلاقات المواطنين عبر تشريعات وقوانين ناظمة.. على قاعدة الفصل بين السلطات، وتكريس حرية الأحزاب..

ـ لم يختلف الجميع : إسلاميون ووطنيون، وقوميون ، وعلمانيون على شعارات الدولة، وأنجز الإخوان المسلمين، الذين يتخوف كثير من مواقفهم، وثقة عهد متطورة تكرس هذا الفهم بجلاء، بينما بعض الشطط الاستئصالي عند بعض العلمانيين ظل هامشياً، ولا يعبر عن جوهر المؤمنين بالعلمانية منهجاً، وفهم مقولة فصل الدين عن السياسة، وعدم زجّ الدين في الصراعات السياسية..

ـ لكن.. وقد دخلنا مرحلة التسلح.. وقد ركب على خطها عديد الأطراف ممن يملكون القدرة المالية والنفوذ والعلاقات.. فقد تغلب منطق السلاح والقوة على العمل السلمي، المدني، وأصبح الناطق شبه الوحيد للثورة.. بينما ضمرت تلك الشعارات التي كان يرددها الثائرون على مدار أشهر الثورة الأولى، وبتنا رهن تطورات تستمد من الواقع بعض المقومات لجعله الحاضن، والدفع به نحومزيد من التضخيم، والاستثمار.

ـ لا شكّ أن شعبنا مؤمن بأغلبيته، والدين الإسلامي يمثل معتقد الأغلبية العظمى.. بمختلف المذاهب، خاصة المذهب السني..

ـ ولا شكّ أيضاً أنه في الحروب والتضحية حتى الاستشهاد، وبواقع يتم الثورة السورية.. أن الجانب الإيماني يقوى، ويصبح الملجأ والحافز والإطار لدى الكثيرين، وحين يتغذى بفعل إبادي فئوي من قبل النظام المجرم. وحين يشعر الكثير أن المناطق السنية هي الأكثر استهدافاً، وتدميراً، وتعرضاً للإبادة ـ وهذا جزء من تكتيك النظام الفئوي ـ ستقوى ليست المشاعر الدينية وحسب، بل والمذهبية أيضاً، وستترعرع الاتجاهات المتشددة، فالمتطرفة.. والأكثر تطرفا.. ويصبح لها مشروعية فيما تطرح وتعمل..

ـ لكن السؤال الكبير : هل يمكن للشعب السوري الثائر أن يستبدل الاستبداد باستبداد آخر مهما كانت يافطته وراياته وشعاراته؟..ونحن على يقين أن الأديان عموماً، والإسلام منها على وجه الخصوص لم يمنح أحد تفويضاً ليمثله، وأن الدين الإسلامي الرحب لا يمكن أن يكون معادياً للديمقراطية، والتعددية، وحقوق البشر في معتقداتهم وآرائهم، وأن من ينطق باسمه بشر لهم تكوينهم، واجتهادهم، ومصالحهم، وبينهم كثير الخلافات في الفقه والتفسير والاتجاهات السياسية..

ـ إن الديمقراطية تتناقض والاحتكار، والفرض، والشمولية، وألف بائها الاعتراف بالآخر على قدم المساواة، وترك الحرية للشعب كي يقرر مصيره، وما يريد في صناديق الاقتراع، وليس بالجبر، أو باستخدام عنوان الدين، والقدسي .

ـ إن قبر الاستبداد واجتثاثه في الواقع السياسي بإسقاط النظام وإنهاء آثاره في عموم الميادين سيفتح الطريق لمرحلة جديدة تؤسس للدولة المدنية الديمقراطية، وليس لغيرها..

ذلك إيمان الكتلة الشعبية الرئيسة في شعبنا، ومبرر وغاية ثورتها وتضحياتها الجسام..