أبشع وأشنع الظلم ظلم بيوت الله عز وجل

محمد شركي

[email protected]

قال الله عز وجل : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها )) ،واختلف المفسرون في المراد من الذين منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها، فقال بعضهم هو بختنصر البابلي المجوسي الذي خرب بيت المقدس ، وقال البعض الآخر هم النصارى الذين كانوا يطرحون  الجيف والأذى في  بيت المقدس ويمنعوا الناس من الصلاة فيه ، وقال آخرون هم مشركو قريش الذي حالوا  بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين دخوله مكة يوم الحديبية . ولما كان كتاب الله عز وجل منزل للبشرية  كافة ، ويغطي أحوالها إلى قيام الساعة فالعبرة بعموم لفظ  هذه الآية لا بخصوص سببها ، لذلك فالقضية  تتعلق بظلم  كل من منع بيوت الله عز وجل من أن يذكر فيه اسمه، وسعى في خرابها في كل زمان وفي كل مكان، ومهما كان نوع أو حجم المنع والخراب .

ولا يخلو عصرنا من وجود المناعين مساجد الله من ذكر اسمه فيها  والساعين في خرابها . ولا يقل ظلم ظالمي بيوت الله عز وجل في زماننا عن ظلم الظالمين الغابرين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم . ولئن كان ظلم بختنصر أوالنصارى أومشركي قريش للمساجد متوقعا باعتبار فساد عقائدهم فالغريب أن يصدر أبشع وأشنع من ظلم هؤلاء عن المنتسبين للإسلام . والأغرب من ذلك أن يحدث الظلم باسم الإسلام ، وبه يبرر . وما أكثر الظلم الواقع على المساجد من الذين يرتادونها . والآية الكريمة بينت نوع الظلم اللاحق بها فهو  منع لذكر الله فيها و سعي في خرابها. وفي خضم النقاش بين المفسرين قال بعضهم إن كفار قريش إن كانوا قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر الله في بيت الله الحرام، فإنهم لم تكن لهم نية تخريبه لمكانته عندهم  ولارتباط مصالحهم به ، ورد بعضهم على هذا القول بأنه لا يوجد تخريب أو خراب أكبر من منع ذكر الله عز وجل في المساجد ، الشيء الذي يعني أن ظلم المساجد هو منع ذكر الله فيها ،وهو خرابها . ولا يوجد في زماننا من يقوم بتخريب المساجد على طريقة بختنصر أو طريقة النصارى من خلال الهدم أو التدنيس باستثناء ما يقوم به الصهاينة في فلسطين المحتلة ، وما يقوم به العنصريون في بلاد الغرب بإيعاز من اللوبي الصهيوني .

وتخريب المساجد في بلاد الإسلام يحاكي تخريب مشركي قريش  بحيث لا يتم الإجهاز على البنيات التحتية لها بل يتم بالإجهاز على مواردها البشرية  من حفظة وأئمة ووعاظ وخطباء. ومعلوم أن المساجد ليست باعتبار بنياتها التحتية بل باعتبار مواردها البشرية التي تتولى وظيفة ذكر الله عز وجل . ومن نماذج الظلم الشبيه بظلم مشركي قريش التحامل على الحفظة و الأئمة والخطباء والوعاظ لمنعهم من القيام بواجبهم حيث تنشأ عصابات من الفضوليين في المساجد  ينصبون أنفسهم أوصياء عليها إما في شكل ما يسمى لجان تسيير أو تدبير شؤون  المساجد أو في شكل متطفلين  . ولا هم لهؤلاء سوى الكيد للأئمة والوعاظ والخطباء . ونصيب الأئمة من الكيد الوشاية بهم لدى الأوصياء على الشأن الديني  بسبب غيابهم عن صلاة  من الصلوات أو عن قراءة حزب  من الأحزاب ،وكأنهم لا يعرض لهم في حياتهم ما يعرض لكافة الناس من عوارض تضطرهم للغياب بين الحين والآخر.

وتستمر الوشاية بهم وبوتيرة مضطردة حتى يخضع الأوصياء على الشأن الديني لأهواء الوشاة فيقومون بطرد الأئمة أو نقلهم نقلا تعسفيا دون مراعاة ظروفهم الاجتماعية والمادية ،علما بأن رواتبهم هي أقل الرواتب في المجتمع ، وتعكس القيمة المنحطة للأئمة في  مجتمعنا ومن ثم قيمة الشأن الديني . وعوض أن يأتم الناس بالأئمة فإن هؤلاء صاروا مجرد خدم عند الناس،و كل من هب ودب يعطيهم الأوامر ويتحكم فيهم ، ويجدون أنفسهم بين سندان الوشاة  ومطرقة الأوصياء على الشأن الديني ، وفي هؤلاء  طغاة جفاة يستخفون بهم أقبح استخفاف ويزدرونهم و يهددونهم  بالطرد وبقطع أرزاقهم . وكل ذلك سعي في خراب المساجد يحصل من المنتسبين إلى الدين  ومن الأوصياء عليه، ودأب هؤلاء  إصابة الأئمة بجهالة دون تبين وشايات الفسق الكاذبة المغرضة ، ودون أدنى شعور بالندم على ذلك .ولو تتبعنا مسار الأئمة لوجدناهم أضعف خلق الله جميعا يقضون طفولتهم البائسة  في حفظ كتاب الله عز وجل وذلك في ظروف مزرية يسدون الرمق باللقمة المغموسة في الذل والهوان ، ويتحملون قر الشتاء وحر الصيف في أماكن تشبه السجون والمعتقلات ، ويواجهون تعسف من يلقنهم القرآن ، ولا يخلو التلقين من الجلد حتى أن الحافظ لا يختم القرآن حتى يكون قد جلد أضعاف ما يجلد الزناة وشاربو الخمر وشهود الزور .

وعندما يغادر الحافظ جحيم الحفظ  يواجه جحيم الطغاة من المتسلطين على المساجد من الفضوليين ،والذين غالبا ما يكونون قد أنفقوا زهرة شبابهم في الخمارات والماخورات  ودور الفساد و القمار  والمقاهي حتى إذا ما لفظتهم هذه الأماكن النجسة بسبب شيبهم يمموا صوب المساجد لتدنيسها بطباعهم الفاسدة التي خلفها فيهم ارتياد أماكن السوء .ومع شديد الأسف على شهادات زور هؤلاء يعتمد الأوصياء على الشأن  الدين للتعسف على الأئمة وهم خيار الناس من أجل أهواء شرار الناس . ولعمري لا يوجد تخريب للمساجد أشنع وأبشع  من التعسف ضد حفظة كتاب الله عز وجل بسبب أشخاص كان الأجدر بهم أن يقضوا بقية أعمارهم في الاستغفار من بوائقهم  عوض الاشتغال بالوشاية الكاذبة ضد الأئمة الذين يسدون إليهم معروفا ، ويساهمون في تطهيرهم من أدران البوائق . وأما نصيب الوعاظ والخطباء من الوشاية الكاذبة فاتهامهم بالتطويل في وعظهم وخطابتهم إذ لا يطيق الوشاة  صبرا على نصف ساعة في الأسبوع تحتاجها أنفسهم الأمارة بالسوء لتصحيح ما علق بهم من سوء واعوجاج . ويقضي الضائقون ذرعا بخطب الجمعة ومواعظها في الأكل والشرب والتسكع واللهو  والفرجة ... وحتى في دوريات المياه لإفراغ بطونهم أضعاف الوقت الذي يقضونه في سماع الخطب والمواعظ ، ولا يستكثرون وقتا ينفقونه في أكلهم وشربهم ولهوهم ... كما يستثقلون الوقت الذي ينفقونه في سماع الذكر الذي يستعجلون التخلص منه من أجل التهافت على التهام قصع الكسكس حتى صارت الجمع عندنا تعرف بالكسكس أكثر مما تعرف  بالذكر  ، وصار  وقت الكسكس أثمن من وقت الذكر . ولا يكاد الأوصياء على الشأن الديني  يسمعون شكاوى السفهاء من طول الخطب والمواعظ حتى يبادروا إلى استدعاء  الوعاظ والخطباء فيشيعونهم لوما  وعتابا ، ويلوحون بالتهديد والوعيد ، وربما انتهى الأمر برحيل الخطباء والوعاظ أو انتقالهم من مسجد إلى آخر بسبب وشاية الوشاة .

ولعمري لا يوجد أشنع ولا أفظع من تخريب  المساجد عن طريق  السعاية بالوشاية ضد الخطباء والوعاظ لصرفهم عن ذكر الله عز وجل لدى  الأوصياء  على الشأن الديني وفيهم مستبدون  بهذا الشأن ولا حدود لاستبدادهم . وتكثر مظاهر منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه  والسعي في خرابها وتتنوع ، وأبشعها  وأشنعها النوايا المبيتة لتجفيف الموارد البشرية  لهذه المساجد من خلال التضييق على المدارس القرآنية التي تخرج حفظة كتاب الله عز وجل ، وإهمالها بل ومضايقة  ومحاصرة  ومطاردة من يسعى في خدمتها من المتطوعين . وكل ذلك يدخل تحت قوله تعالى : (( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيه اسمه وسعى في خرابها )) وكل المانعين والساعين في الخراب من خلال الكيد لمواردها البشرية من حفظة وأئمة ووعاظ وخطباء لا يختلفون عن أمثالهم الغابرين الذين ذمه الله عز وجل ، وسيعلم هؤلاء أي منقلب ينقلبون.