قتل الإنسان ما أكفره!
عثمان أيت مهدي
حين نتابع حياة الحيوانات المتوحشة في الغاب، في بعض القنوات التلفزيونية المتخصصة، طريقة عيشها، مأكلها، نومها، شريعة الغاب القائمة بينها وتقبل الجميع لقوانينها، نتذكر قوله تعالى في سورة هود الآية 6: (ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
كذلك هي الحياة في هذه الغابات الكبيرة، وكذلك هو قانونها العادل. إذا ما رأيت غزالة تئن تحت مخالب الأسد، وهو ينهش جسدها فإياك أن تتعاطف مع الغزالة وتهبّ لإنقاضها، لأنك بفعلتك هذه تحرم الأسد من العيش الكريم، إنّ هذه الغزالة نصيب الأسد من الرزق الذي ضمنه الله له.
نقول في أمثالنا الشعبية: "حوت يأكل حوت" أو "الحوت الكبير يأكل الحوت الصغير". إنّه نظام إلاهي عادل فرضه على مخلوقاته للحفاظ على التوازن الطبيعي، واستمرار الحياة إلى مستقرِّها.
عملت كلّ مخلوقات الله من حيوانات وحشرات، طيور وأسماك، أشجار ونباتات، باستثناء الإنسان، منذ بداية الخلق إلى يومنا هذا من أجل الحفاظ على هذا النظام الإلاهي العادل، ولم تتجاوزه، راضية بقدر الله مطمئنة إلى رزقه، سعيدة في الحالتين، عندما تجد مصدر قوتها وعندما تصبح هي مصدر قوت للآخرين. وهذا ما عبّر عليه جبران خليل جبران في مواكبه:
ليس في الغابات عدلٌ === لا ولا فيـها العقـــــابْ
فإذا الصفصاف ألقـى === ظلَّه فـــــوق التـــــرابْ
لا يقول السرْو هـذي === بــــدعةٌ ضــــدّ الكتابْ
يبقى الإنسان هو الاستثناء، الذي تمرد على هذا القانون، وسنّ قوانين ما أنزل الله بها من سلطان، الإنسان الذي يمارس هواية صيد الأسماك، يقتلها تلبية لقضاء فترة مريحة على شاطئ البحر، يمارس هواية صيد الغزلان يقتلها إرضاء لرياضة مطاردة الحيوانات في الخلاء، يقتل من أجل القتل، من أجل المال والثراء، رغبة في توسيع السلطان، حفاظا على كرسي يريد الخلود فيه. ما أجمل قوله تعالى في وصف هذا الإنسان الغريب! (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) سورة عبس الآيات 17، 18، 19.
لم تتوقف هوايات الإنسان وإرادته المستميتة للقضاء على الحياة عند التلذذ بتعذيب الحيوان ثمّ القبض على أنفاسه، بل انتقلت في بعض الدول العربية والإسلامية إلى احترافية قتل البشر، أفرادا وجماعات، واختيار الأماكن العمومية والمساجد لحصد أكبر عدد ممكن من الأرواح، باسم الإسلام أو باسم العصبية القبلية أو المذهبية. سبحانك ربي، ما تراه عظيما نراه هيّنا، وما تراه حراما نراه حلالا.
استخفافنا بالموت تولّد من سوء معاملتنا للحيوان، صغارنا يتعاملون معه بوحشية وكبارنا لا يرون فيه سوى ما يلبي حاجتهم، بالرغم من أنّ أجدادنا تعايشوا معه لقرون طويلة، كلّ يدافع عمّا يراه خطا أحمر لا يقبل تجاوزه، فكان التعايش بينهما وكان السلام.
ظهرت في الدول الغربية جمعيات قوية للدفاع عن الحيوان، حقّه في الحياة والصحّة والعيش الكريم، لا يُقتل ولا يُضرب ولا يُهان، وانبرى الكثير من الناس إلى تربية الكلاب والقطط والفئران والثعابين وغيرها من أصناف الحيوان، يقوم بخدمتها كما يخدم أسرته، ويسهر على راحتها كما يسهر على راحة أبنائه. وهذا ما ولّد عند الغربيين هذه الروح الإنسانية العالية في التعامل مع أنفسهم ومع غيرهم.
أمّا نحن، فنحمل حقدا على كلّ ما يتحرك على الأرض، عقارب، ثعابين، حشرات، كلاب، قطط، فئران.. نعاملها بقسوة ونتلذذ بقتلها حتى كادت أن تنقرض الحشرات والزواحف والطيور من بيئتنا، تناقصت الغابات بشكل مخيف، وتوسعت الأراضي الجرداء والصحراء في أوطاننا، وفقدنا أعزّ مؤنس لنا هو الحيوان. وانقلبنا على أنفسنا نريد فناء بعضنا البعض. كلّ الوسائل التي تصلح لحصد الأرواح هي متاحة لنا، السيارات على الطرقات، حوادث العمل، السيارات المفخخة، القتل بالأسلحة البيضاء والمسدسات، الانتقام بين الأصدقاء والجيران، التسممات الغذائية، الأخطاء الطبية..
لو سألت أحدنا وقلت له: لِمَ قتلت هذه الحشرة؟ لأجابك بسرعة: لأنها تؤذيني. ولو سألت صاحب السيارة المفخخة: لِمَ هذا القتل الجماعي لأرواح بريئة؟ لقال لك مستغربا: أتتعاطف مع هذه الحشرات؟ إنّنا نقتل البشر كما نقتل الحشرات والزواحف. القاتل لا يفرق بين الإنسان والحيوان إذا كانت عملية القتل تريحه وتثلج صدره.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "دخلت امرأة النّار في هرة حبستها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض." ما الذي يمنع هذه المرأة أن تحبس صبيا في البيت ولا تطعمه؟ وما الذي يمنعها من قتل إنسان إن سنحت لها الظروف؟ إنّ معاملة الإنسان للحيوان لا تقل أهمية عن معاملته لأخيه الإنسان. وأعتقد جازما أنّ انتشار القتل بشكل عبثي في مجتمعاتنا العربية يعود أساسا لتربيتنا السيئة نحو الحيوان وتصرفاتنا الوحشية ضده، حتى أصبحنا وحوشا تخافنا جميع الأمم الحيوانية منها والبشرية.