أبجديات الكتابة
يسري الغول
يتوقف المرء دائماً قبل أن يكتب، ويتساءل: ماذا سأكتب؟ وهل سيكون هناك جديد فيما ستخطه أقلامنا؟ وهل سيندهش القارئ عندما يقرأ؟ هل سيحصل على جرعات جديدة من الفكر والمعرفة والسياسة والتحليل؟ أم أنها ستكون مجرد تحصيل حاصل؟
كل هذا يطرأ عندما يشرع أحدنا بالكتابة، وهو يسعى بكل ما أوتي من ثقافة لأن يغذي جمهور القراء الذين يتقون للحصول على المزيد من المعرفة في طريقهم نحو تحرير العقول وصناعة الإبداع. ورغم ذلك، فإن البعض يعتقد بأن الكتابة مجرد أمر بسيط، يستطيع أن يمارسه أي هاوِ لديه جملة بسيطة من المعلومات أو التحليل من خلال الأخبار أو المواقع أو غيرها. ولكن نسي هؤلاء أن يسألوا أنفسهم: ماذا بعد أن يفرغ ما جعبتهم من معلومات؟ ما هو موقف القراء من أقلامهم بعد أن يضيع الوقت في قراءة اللاجديد أو اللامعرفي؟
للأسف، فإن المجتمع يعج بمثل هذه الحالات، نظراً لأنها تبحث عن الشهرة المفرغة من مضمونها، ولأن هذه العينات من المجتمع تضطر اضطراراً للكتابة في المواقع أو الجرائد أو المجلات نظراً لتعاقدها على الكتابة أو ما شابه. ولذلك فإنه حري بهؤلاء أن يبحثوا عن المعرفة ويسطروا كل ما هو جديد، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال القراءة. والقراءة حكاية ربما يندر وجودها في ظل تأثير عوالم الإعلام الاجتماعي والانترنت على عامل الزمن. وعلى المؤسسات الإخبارية والثقافية أيضاً أن تنتقي كتابها ممن لديهم خلفيات وازنة في مجال الفكر والثقافة والتحليل والسياسة، لأنهم بذلك يدفعون بزيادة اهتمام الجمهور بهم وبما يتم طرحه.
ولربما غلب علينا في الوطن العربي الكبير والأراضي الفلسطينية طابع الكتابة الملونة أو الحزبية التي تجاهلت في كثير من الأحيان الكتاب الحقيقيين مقابل كتاب هواة يغردون لهذا الحزب أو ذاك. وإن كنا لا نعمم أحياناً إلا أن هذه الظاهرة موجودة وبكثرة، تحديداً عند من يطالبون بتحقيق مشروع الديمقراطية وغيره. فإذا سألت هؤلاء عن حرية الكتابة، فإن الإجابة ستكون: هذا سخف.
فما يوافق رأي هؤلاء القوم هو ثقافة وسياسة.. إلخ أما ما يخالفهم فإنه تنطع و(تخبيص) وكلام ساذج وغير دقيق. ولو نظرنا للحالة العربية سنجد حالة الإقصاء للفكر الوازن والعقلاني مقابل تقبل بعض من نصبتهم الحكومات وجعلت منهم مشاريع مفكرين يتغنون بالأنظمة الفاشية وسياساتها وإبداعات أربابها.
إن حالة الكتابة أشبه ما يكون بحالة صناعة الحياة، فكل كلمة هي بندقية أو زهرة. وفي كلا الحالتين، فالكلمة إما للنفع أو الضرر، وإما للنجاح أو الفشل. ولذلك وجب على هؤلاء جميعاً أن يرتقوا بأنفسهم كي يرتقوا بالمجتمع، فبدون القراءة المعمقة وقراءة التاريخ والفكر والفلسفة والأدب لن تنهض الأمة. وحالنا في ذلك ما قاله فولتير حين سئل عن الذين سيقودون العالم: بأنهم الذين يعرفون كيف يقرأون.