الأسير الصحفي محمد عوض وقصة من قصص الصمود

الأسير الصحفي محمد عوض

وقصة من قصص الصمود

فؤاد الخفش

جمعتني بهذا الفتى الغض النابض بحب الخير المؤدب الخجول أصعب أيام حياتي، فكان طوال تلك الفترة وما تلاها محط إعجابي وإعجاب كل من عاش معه والتقاه، لأدبه ورباطة جأشه وصبره وقدرته على التحمل.

في إحدى السجون حيث التعذيب والضرب والشبح، كانت بداية معرفتي بهذا (الشبل) وهو مصطلح نطلقه على جموع الأسرى من الشباب المعتقلين، فكان محمد شبلاً بكل ما تعني الكلمة من معنى.

في الأسر، الكل كان يتألم من طريقة الشبح وطول مدة الاعتقال، إلا أن هذا الشبل كان صامتاً لا يتكلم رغم الألم الشديد الذي كان يتعرض له مقيد اليدين معصب العينين معلقاً على أحد الأبواب لا يجلس إطلاقاً.

وذات يوم وفي ساعة لغفلة حراس مركز التحقيق، بادرته بالسؤال عن اسمه وبلده، فقال لي: أنا محمد عوض من بلدة بدرس قضاء رام الله، طالب للسنة الأولى في كلية الصحافة في جامعة النجاح، وما إن نطق بكلمة (النجاح) حتى تحرك قلبي، فلهذه الجامعة لدي مكانة كبيرة ، وقلت له: رحم الله الشهيد محمد البيشاوي ابن هذه الكلية، فقال: سمعت عنه رحمه الله.

مرت الأيام وذلك الشبل على وضعه من الشبح والتعذيب، ولا يتحدث ولا يتأوه ولا يتألم ولا يصرخ، وأنا منبهر به، حتى أتاه أحد العساكر ليسوقه للتحقيق، وكان محمد لا يقوى على المشي لأن قدماه منتفختان بشكل كبير  الأمر الذي جعل العسكري يخاف.

وبصعوبة بالغة.. تم نزع حذاء هذا الشاب وسار لمركز التحقيق، ليعود بعد قليل ويعلق على ذات الباب بجواري دون حذاء، لانتفاخ قدميه .. تألمت بشكل كبير وتحدثت إليه متحدياً الجميع وصرخت:” لا تقف ارفض الشبح .. فقال لي محمد بكلمات بسيطة:” عادي أبو ناظم بسيطة ما في شي” .

لم استطع الصبر، وثارت بنفسي عواصف الغضب، وبدأت أصرخ على أحد الضباط:” انظر لهذا الشاب ماذا فعل؟ ماذا تريدون منه؟ وضعه صعب، نظر إليه وقال سأساعده ولكنه لا يريد أن يعترف ولا يتحدث.

 كنت أظن أن لهذا الشاب قصة كبيرة لها علاقة بعمل عسكري لطبيعة التحقيق القاسي معه، لكنني صدمت بأن القضية التي يحقق معه فيها هي مجرد قضية لا تبقيه ساعة في السجن، لكنه رفض أن يدلي بأي اعتراف، ضارباً بذلك أجمل صور البطولة والصمود والثبات.

مرت الأيام وجمعتني بمحمد الشاب المؤدب الخدوم زنازين وسجن وتعرفت عليه وعلى جمال خلقه وروحه وثباته، وخرج بعد أشهر ليعود لجامعته التي تخرج منها بصعوبة بالغة، نتيجة الملاحقات المستمرة والاعتقالات، وكنت ألتقيه بين الفينة والأخرى وابتسم له وأثني على صبره وثباته أمام الجميع لتعزيز هذا السلوك لديه.

من سجن لسجن، ومن جهاز لآخر تنقل الفتى الجميل محمد، ليعاد اعتقاله مرة أخرى لا أعرف ترتيبها بين اعتقالاته، وها هو الآن يقبع في أحد مراكز التحقيق القاسية في سجون الاحتلال، يعاند جنود المحتل ويصبر على أذاه، متلذذاً بتلاوة آيات القرآن .

محمد عوض… محبوب لكل من التقاه.. ينتظر تحقيق نصر جديد على الجنود ويسجل بصبره وثباته قصة جديده عن الشباب الذي يعتبر الاعتراف أمام المحتل خيانة.

لك صديقي العزيز الحبيب هذه الكلمات، ولذلك الجيل الذي يريد أن يعرف عنكم الكثير أكتب فرج الله كربك وفك أسرك وعوضك عوض خير.